أحدث الأخبارشؤون امريكية

مجرمو “بلاك ووتر” احرار بقرار ترامب!

مجتة تحليلات العصر الدولية - عادل الجبوري

من لايعرف تفاصيل وملابسات العملية الاجرامية التي ارتكبها عناصر من شركة بلاك ووتر الامنية الاميركية في العاصمة العراقية بغداد صيف عام 2007، فأنه سيتلقى قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالعفو عن مرتكبي هذه العملية بشكل طبيعي من دون اية ردود افعال سلبية، لكن من لديه المعرفة والاطلاع بما حصل في ساحة النسور وسط بغداد في السادس عشر من شهر ايلول-سبتمبر، لابد ان يتوقف مرات وليس مرة واحدة عند ذلك القرار الارتجالي المتهور.
خلاصة ماحصل في ذلك المكان والزمان، هو ان موكب شركة “بلاك ووتر”، فتح نيران اسلحته بصورة مفاجئة وعشوائية على المواطنين المدنيين في الشارع لتقع مجزرة رهيبة تسببت بمقتل سبعة عشر شخصا واصابة اكثر من عشرين اخرين بدم بارد.
ولاشك ان تلك الجريمة لم تكن الاولى من نوعها ولا كانت الاخيرة، بل سبقتها وتبعتها الكثير من الجرائم التي ارتكبتها القوات الاميركية او شركات امنية عاملة تحت ادارتها واشرافها، بيد انها-اي جريمة ساحة النسور-بدت اكثر بشاعة واجراما وبلا اي سبب او مبرر يمكن المحاججة والتذرع به.
وبسبب ظروف الاحتلال والهيمنة الاميركية في العراق حينذاك، فأنه لم يكن ممكنا للقضاء العراقي محاكمة مرتكبي الجريمة، لذا تم تقديمهم الى المحاكم الاميركية، لتصدر بحق اربعة من المتهمين، هم كل من نيكولاس سلاتن، وباول سلاو، وإيفان ليبرتي، ودستن هير احاكا بالسجن المؤبد، وبعد دعاوى استئناف تم تخفيف هذه الاحكام، لتنتهي الامور عند قرار ترامب بالعفو عن المجرمين، وهذه كانت رسالة واضحة لاتحتاج الى الكثير من التحليل والتأويل والتفسير، علما ان القرار شمل مدانين اخرين ولكن بأحكام سجن اقل.
ومما جاء في بيان البيت الابيض بهذا الشأن، “ان قرار الإعفاء يحظى بـدعم واسع من قبل الرأي العام ومسؤولين منتخبين، وان لدى المحاربين الأربعة تاريخا طويلا لخدمة وطنهم”!.
ومن غير الواضح، فيما اذا كان توقيت صدور قرار العفو، قد جاء مصادفة بالتزامن مع الذكرى السنوية الاولى لاغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الشهيد ابو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس الايراني الشهيد قاسم سليماني من قبل الولايات المتحدة الاميركية، ام انه محض مصادفة.
وفي كلتا الحالتين، فأنه من الطبيعي جدا ان يثير ذلك القرار حفيظة واستياء وغضب الرأي العام العراقي، لاسيما ذوي الضحايا، ومن كان قريبا الى مسرح الجريمة، ومن تابع تداعياتها اللاحقة.
والملفت انه في الوقت الذي تتصاعد الدعوات من قبل البعض بضرورة عدم استهداف السفارة الاميركية وتأمين الحماية الكاملة لها وفق احكام القانون الدولي، بأعتبارها بعثة دبلوماسية، يأتي الرئيس ترامب ليعلن العفو عن اشخاص ارتكبوا جريمة بشعة بحق عراقيين ابرياء، وكأنه يكافئهم على ما فعلوه.
وحسنا فعلت وزارة الخارجية العراقية، حينما ادانت في بيان رسمي لها قرار العفو قالت فيه انها “تابعت القرار الصادر عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب.. الوزارة ترى أن هذا القرار لم يأخذ بالاعتبار خطورة الجريمة المرتكبة ولا ينسجم مع التزام الإدارة الأمريكية المعلن بقيم حقوق الإنسان والعدالة وحكم القانون، ويتجاهل بشكل مؤسف كرامة الضحايا ومشاعر وحقوق ذويهم”.
وهناك من ذوي ضحايا الجريمة من قال، انه لم يتفاجيء بما صدر عن الرئيس الاميركي دونال ترامب، بل انه كان متوقعا.
وهناك حقائق مؤلمة، ربما لم يلتفت اليها الكثيرون ولم يطلعوا عليها، لعل من بينها، ان المجرمين، كانوا يعيشون في ظروف مريحة للغاية في السجن، ويتمتعون بفترات اجازات طويلة خارجه، تتيح لهم فعل كل شيء، حالهم حال بقية الناس.
والحقيقة الاخرى المؤلمة، تتمثل في ان شركة بلاك ووتر التي تم حظرها ومنعها من العمل مجدا في العراق بعد جريمة ساحة النسور، عادت بسميات اخرى وتحت غطاء شركات اميركية لها وجود ونشاط امني واستخباراتي وعسكري متنوع.
وفي اواخر شهر نيسان-ابريل من العام الماضي 2019، كشف موقع بازفيد نيوز الأميركي أنه حصل على وثائق تؤكد أن مؤسس شركة بلاك ووتر، “أريك برنس” أنشأ شركة أمنية جديدة في جنوبي العراق، وهي تتخذ من هونغ كونغ مقرا لها، ولديها فرع في دولة الإمارات العربية المتحدة .
وينقل الموقع المذكورة عن الكاتبة الاميركية “روزاليند أدامز”، تأكيدها، “انه وفقا لهذه الوثائق اتضح أن مجموعة أريك برنس المتخصصة في مجال الأمن واللوجستيات (فرونتير سيرفيسز) تزاول نشاطها في جنوبي العراق، وأن قرارا اتخذ بتسجيلها في هذا البلد منذ العام الماضي.
الى جانب ذلك تتحدث العديد من التقارير عن ادوار مهمة لمؤسس بلاك ووتر في دعم الحملة الانتخابية لترامب في عام 2016، انطلاقا من علاقات ومصالح خاصة بين الاثنين، وكذلك لاتستبعد بعض هذه التقارير ان يكون للشركة دور في التخطيط وتنفيذ عملية اغتيال المهندس وسليماني، ناهيك عن عمليات اخرى في العراق، دون اغفالها حضورها وثقلها في اكثر من دولة عربية، من بينها الامارات والسعودية والبحرين.
ومثل هذه المعطيات والمؤشرات الخطيرة، تحتم على الجهات الرسمية العراقية، عدم الاكتفاء بأدانة ورفض قرار ترامب بالعفو عن مجرمي بلاك ووتر، بل ينبغي عليها متابعة وملاحقة وتعقب كل خيوطها السرية في العراق والعمل على تقطيعها واحدا واحدا، لان ما يمكن ان تقوم به في الخفاء اخطر وافضع مما فعلته في العلن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى