أحدث الأخبارالسودانشؤون افريقيةليبيا

محطات في القضاء الجنائي الدولي… المحطة الرابعة : السودان , وليبا

مجلة تحليلات العصر الدولية

محطات في القضاء الجنائي الدولي بين فاتو بنسادو , ولويس مورينو اكامبو… حقوق, ضحايا, عدالة.
…المحطة الرابعة : السودان , وليبا.

بقلم: د. سعد عبيد حسين

ملاحظة: (لطفاً, لغير المختص, أن يضع بين يديه متن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998, إذ لا معنى ولا فائدة من الإطلاع على هذه المقالة بدونها)…

*بعد أن مررنا بالمحطات السابقة الثلاث, فلسطين والعراق والأردن, ستكون محطتنا الرابعة هذه حول السودان وليبيا, فلا غرابة في إختيارنا لجمهوريتي ليبيا والسودان من دون الدول العربية الأخرى, لو عرفنا أنهما أول دولتين عربيتين طبق عليهما وابتدت بهما المحكمة الجنائية الدولية بعد نفاذ نظامها المعتمد, والمسمى بنظام روما الاساسي 1998للمحكمة الجنائية الدولية, أي بعد التصويت والإعتماد عليه في روما بعد مضي خمس سنوات, وحينما استقرت المحكمة في مكانها في لاهاي- هولندا- بدأ تفعيل وعمل نظامها, وذلك بالجرائم الواردة في المادة(5) منه وهي من إختصاصات المحكمة ( الزماني , المكاني, الشخصي, الموضوعي), نعم حيث تعتبر الإجراءات التحقيقية التي قامت بها المحكمة في قضية دارفور في السودان بواسطة أجهزتها, هي من إختصاصاتها, ومن التطبيقات الواقعية للمحكمة الجنائية , على الدول العربية – وهذا شيء غريب لدى العالم والشعوب العربية من ضمهنا- وذلك وفقاً للفقرة (ب) من المادة (13) من النظام بنصها (( إذا أحال مجلس الأمن , متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة , حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت)),على أساس أنها محالة من مجلس الامن, , حيث أحال مجلس الأمن حالة دارفور بالقرار(1593) في 31\3\2005, مِمّا نتج عنه بعد إجراءات تحقيقية طويلة صدور مذكرةٍ من مدعي عام المحكمة الدولية الجنائية, لويس مورينو أكامبو(Luis Moreno Ocampo) – كان المدعي العام قبل فاتو بنسادو- ثم قرار المحكمة في 4\3\2009 بتوقيف الرئيس السوداني عمر حسن البشير, وعمر حسن البشير- مع مجموعة كبيرة من قيادات السودان في حينها-, هو أول رئيس دولة يصدر بحقه- من المحكمة الدولية الجنائية- مثل هذا الأمر منذ رئيس ليبريا (تشارلز تايلور ) والرئيس اليوغسلافي السابق ( سلوبان ميلوسيفيتش ), وقد يسأل سائل من أن السودان لم يصادق على نظام روما الأساسي، فهل هو ملزم بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية؟ الجواب: على الرغم أن السودان لم يصادق على نظام روما الأساسي، وهي الوثيقة المُنشئة للمحكمة الجنائية، إلاّ أنه وقع على نظام روما الأساسي في 8 سبتمبر/أيلول 2000. وباعتباره من الموقعين، فالسودان مُلزم بالامتناع عن أفعال تخالف موضوع النظام الأساسي وهدفه. ومن هنا على الحكومة السودانية أن تتعاون مع المحكمة، حتى وإن لم تكن طرفاً في نظام روما الأساسي. ويعتبر تعاون الدول ضرورياً كي تتمكن المحكمة من أداء عملها. ونظراً لافتقار المحكمة للقدرة على تنفيذ أحكامها الخاصة، – عدم امتالاكها جهاز تنفيذي- فإنها تعتمد على تعاون الدول معها في إجراء التحقيقات أو تنفيذ أوامر الاعتقال, كما ولأول مرة في تاريخ المحاكم الجنائية الدولية، يمكن للضحايا أن يشاركوا كأطراف مستقلين في المحاكمة – وأمام رئيس دولتهم-، إضافة إلى إدلائهم بشهاداتهم كشهود فيها. كما يمكن للضحايا التقدم بطلب إلى الدائرة التمهيدية للمشاركة في أية مرحلة من مراحل المحاكمة. وحسب المتوفر من المعلومات، فإن المحكمة لم تتلق، إلى الآن – ساعة كتابة المقالة -، أي طلب للمشاركة من قبل الضحايا في دارفور, ربما يعود إلى خوفهم من القمع, أو الثارات والمتابعات العشائرية . من خلال متابعتنا لحالة السودان , يبدو أنها أبدت في بادئ الأمر تعاونها مع الأمم المتحدة, خصوصاً في حماية موظفيها, وَمَنْ عَمِلَ معهم مِنْ لِجانِ إغاثاتٍ دوليةٍ, وهي الأكبر مِنْ أيةِ عمليةِ إغاثةٍ في العالم في حينها, إلاّ أن ذلك التعاون تبدد وأَحْجَمَتِ السودان عن تعاونها مع أية جهة, وذلك بعد صدور الاتهام ضد الرئيس السوداني عمر حسن البشير, وآخرين معه بتهمة جرائم تختص بها المحكمة, لكنه لم يلقى القبض عليه, لكن القي القبض عليه وتم محاكمته فيما بعد وفقاُ للقضاء الجنائيي السودان(2019-2020), وفق مايسمى بمبدأ ( التكامل ), لامجال لذكره في هذه المقالة.
**أما في ليبيا فالأمر مختلف عن الأوضاع في السودان , فقد قُتِلَ رئيس الدولة وهرب أو اختفى من كان معه, والكل كان مطلوباً للقضاء الدولي الجنائي بعد إحالة مجلس الأمن الحالة في ليبيا الى المحكمة بموجب الفقرة (ب) من المادة (13) من النظام الاساسي للمحكمة , فقد أـشارت الفقرة (14) – لطفاً إرجع لها – من قـــرار مجلس الامن الى إحالـــة الوضـــع القـــائم في ليبيا منـــذ ١٥ \2\٢٠١١ إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وشدد علـى ضـرورة محاسـبة المـسؤولين عـن الهجمـات الـتي تـستهدف الـسكان المـدنيين، بمـا فيهـا الهجمـات الجويـة والبحرية، أو المشاركين فيها.
أن الوقع الميداني الحالي يؤكد بأن هناك أعمالاً وتحقيقات جارية في الأراضي الليبية, حيث لا يوجد مانع أو عائق يقف بوجه البعثات التحقيقية الدولية أو اللجان المرسلة من المحكمة للتحقيق, وذلك لعدم وجود ممانعة أو معارضة من جانب الدولة الليبية,وهي حالة عكس حالة السودان.
مما يجدر الإشارة اليه أن مدعي عام المحكمة ( فاتو بنسودا) – حلت محل المدعي العام الاول مورينو أكامبو- لازالت تواصل عملها في التحقيق بالجرائم التي تختص بها المحكمة وتسعى للتقدم بطلب لاستصدار أوامر جديدة بإلقاء القبض على مرتكبي جرائم حرب في أقرب وقت ممكن و أن تنفيذ الأحكام على الذين ستصدر بحقهم مذكرات اعتقال جديدة سيكون حاسماً وفي الوقت المناسب لكن الأمر يتطلب تضافر الجهود من كل الدول وقد يتطلب أيضاً دعماً من مجلس الامن , إذ انها قالت أكثر من مرة (وقد تصبح ليبيا في صلب المهمة, لا بل ستمدد المهمة بهدف توثيق الجرائم التي يرتكبها تنظيم داعش والمتطرفين ) , والعجيب أن داعش لا يخشى المحكمة الجنائية الدولية,- وهي كما في العراق حالياً- وهذا لم ينبع من شجاعتهم , بل من جبنهم, والسبب أنهم يخشون الإعدام في البلدان الذين يفجرون أو يقتلون بها , لان الدول تحكم بالإعدام, في حين أن نظام المحكمة لم يقر احكم الإعدام, فيكون لهم سد أمان, أو منفذاً للافلات_ -وهذا ما نتحفظ عليه إذ لا نؤيد كل ماجاء بنظام المحكمة- ومهما تحدثنا عن أعمال المحكمة فإنها معلقةً على تعاون الدول, لذا نراها قد تختلف من منطقة إلى أخرى من مناطق العالم تبعاً لاختلاف مديات التعاون التي تبديها الدول , أو المنظمات الدولية, وحتى مجلس الأمن والسبب في ذلك هو عدم امتلاك المحكمة للسلطة التنفيذية, وهذا يعتبر من نقاط الضعف الأشد إيلاماً على سُعاةِ تحقيق العدالة الدولية الجنائية في داخل المحكمة وخارجها, وهذا ماسنراه في المحطات القادمة, لو أبقانا الله سبحانه وتعالى في هذه الدنيا الدنيئة وسكك قاطرتنا سالكة باذنه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى