أحدث الأخباراليمنمحور المقاومة

محورُ المقاومةِ .. من الحصـار إلى الانتـصار

مجلة تحليلات العصر - شـــوقي عواضه / مجلة يمن ثبات العدد الثاني

منذ ما بعد انتصار المقاومة عام 2000 في لبنان واندحار الجيش الصّهيوني أرسى الأمين العام لحزب الله سماحة السّيد «حسن نصر الله» قواعد جديدة عبّر عنها بقوله: «ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات»، ومنذ ذلك الوقت بدأت رقعة المواجهة تتسع، فكان عدوان تموز عام 2006 والذي تكلّل بتهشيم صورة الجيش الذي لا يقهر، تلاه انتصار المقاومة الفلسطينية عام 2008 في غزّة؛ ممّا اضطر «الولايات المتحدة» للجوء إلى نوعٍ جديدٍ من المواجهة من خلال شنّ حروبٍ لا تحمّلها أعباء خسارةٍ ماديةٍ أو ميدانيّةٍ.

أي بمعنى خوض الحروب بالغير، وإدارة المواجهة عبر ضباط وخبراء عسكريين، وتسخير كلّ الإمكانيات الماديّة من دعمٍ مالي وإعلامي عبر تأمين التغطية الإعلامية للعدوان الجديد على المنطقة، فبدأت بما سمّي (بالربيع العربي) الذي كان محاولة ولادةٍ للشرق الأوسط الجديد الذي أعلنت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة «كونداليزا رايس». وبدأ التنفيذ بتخطيطٍ ودعم لوجيستي أمريكي بريطاني أوروبي صهيوني، وبدعمٍ ماليٍّ سعودي وتدريبٍ تركيٍّ، والبداية كانت استهداف سوريا الأسد تلاها العراق ثم لبنان.

أجهضت قوى المقاومة في المنطقة تلك الولادة لتتوالى الهزائم الأمريكية هزيمة تلو الأخرى بعد سقوط مشروعها المتمثّل بتحويل تلك الدول إلى إماراتٍ داعشيّة؛ ليتسنى لهم بعد إحكام السيطرة على تلك الدّول إسقاط مشروع المقاومة بمختلف هوياتها وإجبارها على القبول بصفقة القرن، لكن ما لم يكن في حسابات الإدارة الأمريكية هو قوّة المقاومة ومحورها الذي أثبت مجدداً أنّ أمريكا ليست قدراً لا يمكن مواجهته أو هزيمته. ومع انشغال تحالف الشّر الأمريكيّ الخليجيّ البريطانيّ الصّهيونيّ بلملمة هزائمه في العراق وبلاد الشام، لجأ للهروب إلى فتح جبهة جديدة في اليمن في محاولة للقضاء على «حركة أنصار الله» التي شكّلت ذراعاً قوياً وقوّةً أساسيّةً في محور المقاومة، فكان العدوان على اليمن عام 2015 عدوان استخدمت فيه القوة والمال والتجنيد والأمن، وكان حرباً مفتوحةً لا زال اليمنيون يواجهونها على مدى أكثر من خمس سنوات من العدوان استنفذت فيها الولايات المتحدة ونظام آل سعود والإمارات وحلفهم الذي استعان بالمرتزقة المتعدّدة الجنسيات وخبراء وضباط عسكريين من أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني مستخدمة كلّ ترسانتها العسكريّة في عدوانها الذي استنزف فيه الاقتصاد في مملكة الشّر. وبالرّغم من توافر كلّ الإمكانيّات اللوجستيّة والتّسليحيّة والعناصر البشريّة والخبرات القتاليّة والاستشارات العسكريّة أخفق تحالف الشّر من تحقيق أي هدف من أهداف عدوانه، بل على العكس من ذلك فبعد سنة ونصف من العدوان انتقل الجيش اليمني وأنصار الله من مرحلة الدفاع والصّمود إلى مرحلة الهجوم وفرض قواعد اشتباك جديد في ظلّ حصارٍ جوي وبري وبحري مطبق من دول تحالف العدوان الذي حوّله اليمنيون إلى فرصةٍ وانتصارٍ.

فعلى مدى سنوات العدوان توسّعت دائرة سيطرة «أنصار الله» على العديد من المناطق والمحافظات التي كانت تحت سيطرة قوى العدوان ومرتزقته، إضافة إلى ذلك استطاع اليمنيون صناعة وتطوير منظومات الصواريخ الباليستيّة الطّائرات المسيّرة ليفرضوا معادلاتٍ جديدةٍ كان أقلها «الرياض» مقابل «صنعاء»، كلّ ذلك شكّل هزيمةً كبرى تضاف إلى هزائم الولايات المتحدة وتحالفها العدواني؛ لتدرك بعد تجارب مريرةٍ في شتّى الميادين من فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق وإيران ووصولاً إلى اليمن أنّ المواجهة الميدانية حوّلت قوى المقاومة إلى قوى عسكريّةٍ إقليميّةٍ أكثر قوّةً وأشدّ إصراراً على مواجهة الشيطان الأكبر والكيان الصهيوني وحلفهما؛ ممّا اضطر إدارة ترامب إلى اللجوء للتّغيير في المواجهة ليحوّل الحرب الميدانية التي انكسرت فيها شوكته إلى حروبٍ وحصاراتٍ اقتصاديّةٍ تطال كلّ من يقول: لا لأمريكا.

وبالرّغم من ذلك لم يعتبر ترامب من التجارب التّاريخية والمعاصرة لمواجهة الشّعوب، بل أصرّ على استكمال حماقته متمادياً في الحرب الاقتصادية، ففرض حصاراً على «فنزويلا» وأصدر المزيد من العقوبات على إيران، إضافة إلى «قانون قيصر» لمحاصرة سوريا، ووضع العديد من القيادات والشّخصيات المقاومة في لبنان وفلسطين على قوائم الإرهاب؛ متناسياً تجربة اليمن خلال أكثر من خمس سنوات للعدوان والحصار الدّولي والأممي على صنعاء؛ والذي لم يجدِ نفعاً ولم يحقّق هدفاً ليشكّل اليمن الأبي بتلك التجربة الأنموذج الأول الذي يحتذى به في الصمود أمام الحصار والعدوان والذي شكّل مدرسةً جديدةً، ليس في الصمود فحسب بل حتى على مستوى المواجهات العسكريّة حيث استطاع المقاومون اليمنيون من تطوير العمليّات القتالية والتكتيكيّة التي لم تدرس في أرقى المعاهد والأكاديميات العسكريّة رغم عدم تكافؤ القوى بينهم وبين تحالف قوى العدوان. من هنا فإنّ اليمن الذي انتصر عسكريّاً وهزم أعتى وأقوى جيوش العالم انتصر على مستوى الحصار والحرب الاقتصادية، لا بل وقدّم نموذجاً أعلى تحتذي به شعوب الدول المحاصَرة جزئياً نسبةً للحصار المطبق على اليمن في ظلّ إقفال المطارات والموانئ البحرية والمعابر البريّة في اليمن، فنجح اليمنيون بتحويل الحصار إلى فرصة عزّزت من قدراته الذاتيّة العسكريّة والزراعيّة وغيرها، وإذا ما تمّ الاقتداء بالتجربة اليمنيّة فإنّنا ماضون نحو انتصارٍ اقتصادي كبيرٍ يترافق مع ولادة محورٍ اقتصادي مقاومٍ لمواجهة الغطرسة الأمريكية التي بدأ العدّ العكسي لسقوط امبراطورتيها في ظلّ استمرار العدوان على اليمن، الذي سيحوله إلى فرصة لإسقاط نظام «آل سعود»، ذلك الكيان الوظيفي أصبح استمرار وجوده حاجة صهيونية ماسّة يخوض بها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة حروبه الدّفاعية في المعركة القادمة لإسقاط الكيانين الغاصبين وتحرير الحرمين الشريفين وفلسطين كلّ فلسطين.

وبناء عليه: لن تجدي حصارات ترامب وسياساته الاستكبارية نفعاً، ولن تنقذ كياناته الوظيفيّة الصهيونية والخليجيّة من صواريخ المقاومة على امتداد محورها، والمعادلات التي فرضها محور المقاومة من فلسطين إلى اليمن هي اللّغة الوحيدة التي تركع «ترامب» و«ابن سلمان» و«ابن زايد» و«نتنياهو» فلتفعل تلك المعادلات البالستية التي أرغمت الأمريكي وحلفاءه في المنطقة على تحويل جيوش الدول العربية المشاركة في العدوان والمتآمرة على محور المقاومة إلى أكياس رمل سترغمه على اللجوء للبحث عن حل. وكلّما أبدع محور المقاومة في فرض معادلاتٍ جديدةٍ كلما فر أمامه محور الاستكبار العالمي للهرب من مستنقع المواجهات، أمّا صمت الحصار فلن يكسره سوى هدير صليات الصّواريخ الباليستية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى