أحدث الأخبارايرانمحور المقاومة

محور المقاومة.. وصناعة المتغيرات المناورات العسكـرية الإيرانية نمـوذجاً

مجلة تحليلات العصر الدولية - د. محمد البحيصي / مجلة يمن ثبات

استهلال:

ختم التقرير الاستراتيجي السنوي الصادر عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي (2020-2021) بخلاصة وضعها مدير المعهد (عاموس يادلين) رئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيلية سابقاً، قدّم من خلالها توصيات لصانع القرار الإسرائيلي من أجل العمل على إيجاد خطط وسيناريوهات تتصدّى للتحديّات الاستراتيجية التي تواجه (إسرائيل)، ركّز فيها على ما أسماه ( مواجهة التهديد العسكري المرتقب من إيران وحلفائها)، وفيه تحدّث عن خطورة البرنامج النووي الإيراني، وإمكانية حصول إيران على مقدرات نووية عسكرية، ووجوب الاستمرار والعمل ضد التموضع الإيراني في سورية، وضد مشروع إنتاج الصواريخ الدقيقة الذي تُشرف عليه إيران في لبنان والمنطقة (بحسب قوله)، والتهديد الذي يتجسّد بمئات الآلاف من الصواريخ الدقيقة التي يمكن أن تُطلق من ولبنان وسورية ومن العراق وإيران وهو تهديد استراتيجي من الدرجة الأولى، ويجب مواصلة العمل من أجل إحباط وتقليص خطره مهما كان (حسب زعمه).

وتشيد الخلاصة بالتوقيع على (اتفاقات إبراهام) واصفة إيّاها بأنّها تشكّل انطلاقة تاريخية في العلاقات بين (إسرائيل) والدول العربية، وأنّ هدف التطبيع لا زال مستمراً، ويتبجّح الكاتب بأنّه في بداية عام 2020م تم قتل قاسم سليماني، وقبل نهاية العام نفسه قُتل محسن فخري زاده، وهما اللذان-وحسب وصفه- قادا الجهود الاستراتيجية الإيرانية التي تشكّل أكبر تهديد على إسرائيل.

من خلال هذا الاستهلال ندرك حجم الدّور الذي يضطلع به محور المقاومة الممتد من إيران إلى العراق إلى سورية إلى لبنان وفلسطين واليمن، والموقع الذي يحتلّه هذا المحور لدى مقرري الاستراتيجية الأمنية الأمريكية والإسرائيلية.

وفي المقابل يبرز خطورة الدّور الذي يضطلع به أصحاب نظرية (التطبيع مع إسرائيل) هذا الاسم الفنيّ الذي يُخفي وراءه حقيقة ما يجري من تحالف بين أصحاب هذا الخط وإسرائيل، ومن ورائهم جميعاً الولايات المتحدة راعية هذا التحالف.

وهذا ما يُحمِّل محور المقاومة مسؤوليات إضافية، ويدعو لتوسيع دائرة المواجهة بما يحتاجه هذا التوسّع من رؤىً وخطط وأدوات وآليات تتواءم مع قرار المواجهة الحتمي.

صحيح أن العدو الرئيس والعمود الفقري لجبهة الأعداء يتمثّل في أمريكا وإسرائيل، ولكن لا يمكن التغاضي أو عدم الاكتراث بالأدوات المحليّة التي تقوم بدور الوكيل، وهي كما شاهدنا في جغرافيا محور المقاومة كانت ولا تزال وقود الحرب المعلنة على هذا المحور، ولعلّ المتغيرات التي شهدها العام 2020م، وإعلان المخفي من العلاقات بين بعض الدول العربية وغيرها مع (إسرائيل) يستوجب إحداث وترسيخ مفاهيم جديدة تتعلّق بالصراع مع الاستكبار، لا تقتصر على أشكاله التقليدية المعهودة بالاستعمار القديم والشعارات التي رافقت حقيقته، والتي من خلالها وتحت يافطاتها المخادعة تسرّب إلينا الاستعمار بثوبه الجديد، وأدواته التي تغطّت بمسمّيات عربية وإسلامية، وهي في حقيقتها الجسر الذي عبر فوقه الغزاة الجدد.

الفشل وتغيير قواعد الاشتباك:

الإرباك الذي لحق بالمخططات الأمريكية المتمثّلة في تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير الخاضع للهيمنة الأمريكية فرض متغيرات إقليمية ودولية، ظهرت جليًّا في الخريطة الجديدة للعلاقات العلنية الإسرائيلية مع دول خليجية وغيرها من محاولة تبدو مربكة ويائسة؛ لوقف التمدّد الإيراني، وتحجيمه على المستويين الإقليمي والدولي، وكذلك إخراج روسيا الاتحادية من المنطقة، وإقصائها من دائرة التأثير على الساحة الدولية، وإعادة الثقة المهتزّة للمجتمع الإسرائيلي في قدرة جيشه على توفير الأمن.

هذا الفشل جعل الولايات المتحدة تمضي باتجاه تغيير قواعد الاشتباك من الحرب بالوكالة إلى المواجهة المباشرة المتوقّعة معتمدة بناء تحالف (عربي – إسرائيلي)، وممهدة بالحصار، وفرض العقوبات الاقتصادية كما هو الحال مع إيران، وقانون قيصر على سورية، والحصار المفروض على اليمن.

هذا الوضع يشير إلى أهمية الاستعداد لسيناريو المواجهة الشاملة بين محور المقاومة والعدو الصهيوني وشريكه الأمريكي، وهو ما تتحدّث عنه مراكز البحث الصهيونية وتُسمّيه «استراتيجية الضربة الوقائية الشاملة» بدل استراتيجية «المعركة بين الحروب»، والمتابع لتصريحات قادة العدو يدرك إلى أي مدى نقترب من هذه المواجهة الشاملة.

وفي المقابل فإنّ محور المقاومة بات مستعدًّا لمثل هذا السيناريو، وهناك مؤشرات واضحة لهذا الاستعداد، ومنها:

– كلام السيد حسن نصر الله عن احتمال المواجهة في حال أخطأ العدو في التقدير الاستراتيجي.

– كلام قادة المقاومة الفلسطينية عن وحدة جبهة المقاومة.

– كلام السيد عبد الملك الحوثي عن الدّور اليمني الفاعل في محور المقاومة.

– تصريحات رئيس وزراء العدو عن الخطر اليمني وخاصة بعد ضرب شركة أرامكو.

– تصريحات القيادات الإيرانية في الشأن ذاته، وتصعيد الحديث عن البرنامج النووي الإيراني، وعن منظومة الصواريخ الإيرانية الدقيقة في المنطقة.

– الحضور الأمريكي الكثيف في المنطقة / قاذفات B52 وحاملات الطائرات والغواصات.

– اغتيال الشهيد قاسم سليماني والعالِم محسن فخري زاده، ورمزية هذا الاغتيال، وإعلان أمريكا وإسرائيل بشكل فج ووقح مسؤوليتهما عن ذلك.

– (اتفاقية إبراهام) التي تعني إعلان تحالف خليجي مع إسرائيل يمكن أن يمتد ليتّسع لدول الأخرى، وهو تحالف عسكري أمني اقتصادي ثقافي تقوده إسرائيل برعاية أمريكية.

لقد أدّى فشل الولايات المتحدة ومعها إسرائيل إلى تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يضم منطقة غرب آسيا، حيث مثّل عدوان تموز 2006م على المقاومة الإسلامية في لبنان تدشيناً لهذا المشروع، وانكسار هذا العدوان بعد أكثر من شهر على الرغم من وحشيته والدمار الذي خلّفه نموذجاً جديداً للحروب غير التقليدية التي غيّرت معادلة الصراع في المنطقة، وهي المعادلة التي كرّستها حرب 1948م،1967م، وأظهرت تفوقاً إسرائيليًّا على الجيوش العربية وفق نظرية الأمن القومي الإسرائيلي التي تقوم على ثلاث دعامات هي: الرّدع والإنذار والحسم، وباتت إسرائيل منذ ذلك العدوان تعاني خلخلة في جبهتها الداخلية التي تحوّلت إلى ساحة مواجهة رئيسة بما لا يقل عن الجبهات الحدودية، وذلك من خلال العمليات الاستشهادية، والصواريخ التي باتت تمتلكها المقاومة، وهو ما ظهر بعد ذلك جليًّا في الحروب الثلاثة التي شنّها الاحتلال على غزة، والمواجهات التي أعقبتها، وبهذا استطاعت المقاومة فرض معادلة الردع المتبادل مع العدو على الرغم من فارق فائض القوة لصالحه، إضافة إلى صمود الدولة السورية، وهزيمتها لمشروع تفكيك بنيتها، وكذلك العراق، وأخيراً اليمن الذي أحدث فارقاً نوعيًّا في أدوات وأساليب مواجهة تحالف العدوان الذي تقف وراءه أمريكا وإسرائيل.

كل ذلك جعل حلفاء الولايات المتحدة وأدواتها في المنطقة يشعرون بالقلق العميق، وهم يرون كسر القواعد والأطر القديمة للصراع، ويرون في ذلك دليل ضعف متواصل، وتآكل مستمر في فاعلية الوجود الأمريكي في المنطقة.

وهذا ما يُفسّر أيضاً طبيعة علاقات التحالف التي تقيمها أنظمة الخليج وسواها مع إسرائيل علماً بأنّها قائمة مع الولايات المتحدة منذ عقود.

(المناورات العسكرية الإيرانية):

وفي سياق تعزيز قوة الرّدع لدى محور المقاومة الذي تقوده الجمهورية الإسلامية تأتي المناورات العسكرية التي تقوم بها قطاعات الجيش والحرس الثوري الإيراني بتشكيلاته المختلفة، وهي تتعدّى كونها رسالة قوة واضحة لكل من يعنيه الأمر إلّا أنّها باتت جزءاً من الإعداد العسكري الذي دأبت إيران على الحفاظ عليه، وبات برنامجاً ثابتاً في سياستها الدفاعية التي تريد القول: إنّ الجمهورية الإسلامية تمتلك القدرة الدفاعية اللازمة للرد على أي تهديد أو عمل عدائي.

وقد تكثّفت المناورات العسكرية الإيرانية المتنوعة باستخدام مختلف الأسلحة في الآونة الأخيرة التي صادفت انتهاء مدة ولاية الرئيس الأمريكي ترامب، وهو ما لم تُقدم عليه إيران في محطات حرجة من محطات المواجهة مع أمريكا مثل: إسقاط القوات الجوية الإيرانية طائرة مسيّرة أمريكية عملاقة من طراز (غلوبال هوك) في يونيو/حزيران2019م، وحتى بعد جريمة اغتيال القائد الحاج قاسم سليماني مطلع عام 2020م في بغداد، حيث نفّذت القوات المسلحة الإيرانية في غضون ثلاثة أسابيع العديد من المناورات، وذلك على خلفية ارتفاع التوتر إلى مستويات قصوى بعد تحشيد الولايات المتحدة لقواتها في المنطقة، واستقدامها معدّات حربية استراتيجية مثل: الغواصات النووية وقاذفات B52، وحاملات الطائرات .. إلخ.

والنظرية التي تتبنّاها الجمهورية الإسلامية هنا هي التي تتحدّث عن أنّ الاستعداد للحرب يمنع الحرب، وهذا مصداقاً لقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ..}الأنفال:60

ومن بين المناورات الإيرانية العسكرية الأخيرة تبقى مناورات «الرسول الأعظم» الخامسة عشرة وسط إيران الأكثر أهمية:

أولاً: لجهة الأسلحة التي استعرضها الحرس الثوري في هذه المناورات، حيث تم عرض جيل جديد من الصواريخ البالستية.

ثانياً: لطبيعة التدريبات التي جرت في هذه المناورات التي شاركت فيها مختلف القطاعات العسكرية في أعلى درجات التنسيق والتحكّم، حيث نفّذت تمرينات على تدمير سفن وفرقاطات ومدمرات في مياه المنطقة في رسالة واضحة للاستعراض العسكري الأمريكي في الخليج.

وفي المناورات أطلقت صواريخ بالستية دقيقة يصل مداها إلى 1800 كيلو متر، إضافة إلى كثافة استخدام الطائرات المسيّرة التي تمكّنت من اختراق عمق العدو المفترض، ومن خلال إرسالها معلومات نجحت الصواريخ البالستية والكروز الدقيقة من إصابة الأهداف، وإعطاب درع الأعداء الدفاعي.

وفي هذا رسالة بالغة لواشنطن وإسرائيل وأدواتهما في المنطقة أنّه في حال تعرّض إيران لأي اعتداء فسيتم تدمير قواعدها العسكرية والمنشآت الحيوية في المنطقة بالطريقة التي أظهرتها هذه المناورات.

وهذا يعني أنّ سياسة الضغط الأقصى لإدارة ترامب وكل الإدارات الأمريكية الساعية إلى وقف تطوير البرنامج الصاروخي الإيراني قد فشلت.

وجنباً إلى جنب مع البرنامج الصاروخي الإيراني المتطوّر جاءت الخطوات النووية الأخيرة مثل: رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20% كرسالة واضحة على انسحاب أمريكا من اتفاق (5+1) النووي مع إيران، وتواطؤ أوروبا في هذا الملف، وفي ردّ واضح وقوي على جريمة اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، وتصاعد الهجمات الجوية الإسرائيلية في سورية ضد مواقع يقول العدو عنها: إنّها إيرانية أو حليفة لإيران.

وفي هذا تريد إيران التأكيد على أنّها لن تقبل بأي شروط للعودة للاتفاق النووي، أو تناول البرنامج الصاروخي في التفاوض باعتبارها من القضايا السيادية التي لا يجوز المساس أو التفريط بها في عالم تسوده شريعة الغاب والقوة، وتريد القوة الاستكبارية الظالمة التحكّم في شعوبه وفي مقدّراته، ولا يهمها في سبيل ذلك أن تدمّر الدول، وأن تشرّد الشعوب.

وبهذا تؤكّد الجمهورية الإسلامية المبادئ التي انطلقت منها ثورتها، وهي مبادئ الحرية والتطوّر والاستقلال والسيادة، وقطع يد الاستكبار، ومواجهة المشروع الصهيوني حتى نهايته، وهذه المبادئ هي التي باتت تحكم معادلة الصراع في المنطقة، وهي التي غيّرت وستغيّر واقع ومستقبل هذه البلاد بعيداً عن هيمنة الغرباء المجرمين.

{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ‏

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى