أحدث الأخبارشمال أفريقيامصر

مصر السيسي ومصر عبد الناصر .. ” شتان بين الثرى والثريا “

مجلة تحليلات العصر الدولية - د. كاظم ناصر

منذ وفاة الرئيس الخالد جمال عبد الناصر عام 1970 والأمة العربية تعاني من تدهور وانهزام سياسي وعسكري يزداد سوأ يوما بعد يوم، ولهذا يبدو ان سياسات التسلط وقهر الشعوب العربية وكتم أنفاسها والاستسلام لإرادة أعدائها التي يقودها السيسي ومن على شاكلته من الحكام العرب لن تتوقف في المستقبل القريب!
مصر عبد الناصر كانت قائدة الأمة العربية الصامدة التي تصدت للدول الاستعمارية وللدولة الصهيونية وهددت وجودها، ودعمت المد القومي الوحدوي العربي وحركات الاستقلال في الجزائر والامارات واليمن الجنوبي وغيرها من الدول العربية والإفريقية، وعبرت بصدق عن آمال وطموحات الشعوب العربية في الوحدة والحرية والازدهار الاقتصادي والثقافي، واحتلت مكانة عربية ودولية مرموقة، وكان رئيسها الراحل جمال عبد الناصر أحد زعماء العالم الكبار الذين يحسب حسابهم، وزعيم الأمة العربية الذي تصدى للأنظمة العربية الرجعية وهز عروش أصحابها بقوة شخصيته، ومصداقيته، والتفاف الجماهير العربية حوله واعتباره بطل الأمة وأملها في تحرير فلسطين.
ومقارنة بالزعيم الخالد جمال عبد الناصر فما الذي حققه السيسي لمصر والأمة العربية؟ لقد خدع السيسي الرئيس الراحل محمد مرسي والشعب المصري وقام بحركته الانقلابية ضد نظام الإخوان المسلمين؛ حقيقة ان الإخوان المسلمين ارتكبوا الكثير من الأخطاء في سنتهم الأولى في الحكم، لكنهم وصلوا للسلطة بطريقة ديموقراطية، وكان يجب ان يقرر مصيرهم الشعب المصري بإعادة انتخابهم أو رفض سياساتهم وإخراجهم من الحكم عن طريق صناديق الاقتراع؛ وإضافة إلى دوره بتوجيه ضربة للديموقراطية المصرية الناشئة آنذاك، قام السيسي بتقييد الحريات وسجن عشرات آلاف المصريين، وتخلى عن دور مصر التقليدي في قيادة الأمة العربية، وحاصر غزة لتجويعها والضغط عليها لوقف مقاومتها للاحتلال، وعزز علاقات مصر مع الدولة الصهيونية ودعم تطبيع الامارات والبحرين والسودان والمغرب معها، وفشل في إيجاد حل للخلاف بين بلاده واثيوبيا بشأن سد النهضة وتحويل مياه النيل، واستسلم للإملاءات الأمريكية، وشارك في حرب اليمن الظالمة، ولم يفعل شيئا لوقف الحروب الدائرة في سوريا وليبيا، وأخيرا وصل إلى الإمارات ليعلن تضامنه معها ضد الحوثيين واجتمع بمحمد بن زايد رجل الإمارات القوي وملك البحرين في أبو ظبي!
عبد الناصر ألغى الإقطاع ورسخ مفهوم المساواة والعدالة الاجتماعية في مصر؛ وكان رجلا نظيفا قويا بإرادته، شجاعا يخشاه الأعداء، مدافعا شرسا عن مصر والأمة العربية، وعاش ومات فقيرا؛ فحسب وثائق رسمية، فقد ترك بعد وفاته 3718 جنيها فقط، وسيارة كان يملكها قبل الثورة؛ وكان يأمر معظم الحكام العرب ويطاع، وكانت مصر في عهده ” الشقيقة الكبرى ” قلب العروبة النابض التي تعبر عن إرادة ومستقبل الأمة العربية.
والسيسي لم يحقق لمصر سوى المزيد من الفقر والمعاناة؛ فالرجل يعيش حياة مترفة رغم التقشف والفقر الذي يعاني منه الشعب المصري. فقبل بضعة أشهر، أي خلال عام 2021 اشترى طائرة رئاسية عملاقة من طراز” بوينج 747 – 8 ” بكلفة 418 مليون دولار، وهذه خامس طائرة يشتريها منذ توليه منصبه. وكان قد اشترى سابقا أربع طائرات فاخرة عام 2016 من طراز ” فالكون 7 إكس ” التي تنتجها شركة ” داسو ” الفرنسية في صفقة بلغت قيمتها 354 مليون دولار، ومنذ عام 2014 شيد ما لا يقل عن ثلاثة قصور جديدة، وأكثر من عشر فيلات رئاسية لتضاف إلى 30 قصرا تاريخيا واستراحات رئاسية تملكها مصر.
هذا هو السيسي بفشله السياسي، وتسلطه على الشعب المصري، وتبذيره للمال العام! فما هي الفوائد التي سيجنيها لمصر من زيارته للإمارات واجتماعه بمحمد بن زايد وملك البحرين اللذان لا يخفيان اعتزازهما بعلاقات الصداقة والتعاون بين حكومتيهما وإسرائيل؟ فمنذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وخاصة خلال حكم السيسي تخلت مصر عن دورها القيادي للوطن العربي وسلمت الراية للسعودية والإمارات وازدادت عزلة وفقرا، وفقدت المزيد من نفوذها العربي والإفريقي والدولي؛ فلا غرابة أن يطير السيسي لأبو ظبي لدعم العدوان الإماراتي السعودي على اليمن مقابل رضا دول النفط الغنية والحصول على بعض الملايين من الدولارات ثمنا لدعمه لسياسات دول الخليج وخيانته لقضايا الأمة.

الشعوب العربية تؤيد اللقاءات بين قادتها الشرفاء الذين يرفضون تدخل الدول الأجنبية في شؤون المنطقة والتطبيع مع دولة الاحتلال الصهيونية، ويعملون معا من أجل أمن وتقدم ورفاه شعوبهم وأمتهم العربية؛ لكنها، أي الشعوب العربية، تشك في لقاءات ونوايا عملاء أمريكا وإسرائيل من أمثال السيسي الذين أثبتت ممارساتهم السياسية فشلهم في خدمة شعوبهم والحفاظ على أمن دولهم.
جمال عبد الناصر كان قائدا عملاقا نزيها صنديدا ترك بصمة لا تمحى في التاريخ المصري والعربي والإفريقي والعالمي ولا يمكن مقارنته بالسيسي؛ فالسيسي ليس الزعيم الخالد عبد الناصر ولن يكون، و” شتان بين الثرى والثريا!”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى