أحدث الأخباراليمنمحور المقاومة

معركة تحــرير مأرب.. أهميتها وتداعــياتها

مجلة تحليلات العصر الدولية - حســـن حــردان / مجلة يمن ثبات

طرح البدء بمعركة تحرير مدينة مأرب التساؤلات حول مدى أهميتها وتداعياتها على مسار الحرب والتسوية السياسية ومستقبل اليمن، ولاسيما أن التقدم الكبير الحاصل في الميدان الذي تحققه اللجان الشعبية والجيش اليمني قد أدى إلى رفع منسوب درجة اهتمام الدول الغربية بمجرياتها؛ لما لذلك من انعكاسات على موازين القوى على صعيدي الميدان والسياسة.

إن الإجابة عن هذه التساؤلات، وأسباب هذا الاهتمام الغربي الذي عكس مستوى القلق من التطورات الميدانية في مأرب إنما يكمن في العوامل الآتية:

أولا: إن إنجاز تحرير مدينة مأرب يعني عمليا سقوط آخر وأهم معقل للسعودية وحكومة هادي التابعة للرياض، وحزب الإصلاح الإخواني في شمال اليمن؛ مما سيشكل هزيمة مدوية لقوى العدوان على اليمن، ويحسم سيطرة اللجان الشعبية والجيش اليمني على كل المحافظات الشمالية وصولا إلى الحدود مع محافظات جنوب اليمن، وإبعاد التهديد عن العاصمة صنعاء، وبالتالي انهيار أحلام الرياض وحكومة هادي في استعادة السيطرة على شمال اليمن انطلاقا من مأرب.

ثانيا: أن مأرب تقع جغرافيا على الحدود مع المملكة السعودية لجهة مدينتي جيزان وشرورة السعوديتين من الجهة المقابلة لمأرب، وهذا يجعل استمرار السعودية بالعدوان في مواجهة احتمال انتقال المعركة البرية إلى قلب هاتين المدينتين، وهو ما تتخوف منه الرياض، وتحاول القوى التابعة لها التهويل من خطورته بالقول: إن قوات صنعاء إذا سيطرت على مدينة مأرب، فسوف يؤدي ذلك إلى سقوط خطّ الدفاع الأوّل عن مدينتَي جيزان وشرورة، وسيفتح سقوطها الباب أمام حركة «أنصار الله» لتوسيع نفوذها إلى كامل الحدود السعودية المشتركة مع اليمن، وقد ذهب مدير التوجيه المعنوي السابق لقوات هادي في مأرب اللواء محسن خصروف إلى حدّ القول: «إن سقوط مأرب مُقدّمة لسقوط الرياض»؛ وذلك في محاولة لدفع الحكومة السعودية للزج بكل قوتها لمنع سقوط مأرب بأيدي قوات اللجان والحكومة الشرعية في صنعاء.

ثالثا: أن تحرير مأرب سيؤدي إلى تحرير الثروة النفطية والغازية المهمة الموجودة فيها، والتي كانت تستغلها السعودية والقوى التابعة لها، وتحرم أهل اليمن منها؛ مما سيمكن حكومة صنعاء من امتلاك موارد مهمة تعزز صمود اليمنيين ومقاومتهم في مواجهة العدوان والحصار المفروض عليهم منذ بدء الحرب على اليمن، الأمر الذي سيشكل تحولا كبيرا لمصلحة تعزيز تحرر اليمن من الهيمنة والسيطرة الأمريكية السعودية إذا ما أخذنا بالاعتبار أن أحد أهداف الحرب على اليمن إنما هو منع اليمنيين من التحكم في استغلال ثروتهم من الغاز والنفط التي يقال: إن اليمن يحوز كميات كبيرة منها، وخصوصا في مأرب، وإذا أحسن استغلالها، فإنها تمكن اليمن من تنمية اقتصاده وتحسين حياة الشعب، وتحول اليمن إلى دولة قوية مستقلة.

كما يوجد في مأرب محطة صافر لتوليد الطاقة الكهربائية بالغاز التي تغذي العاصمة صنعاء وعددا من المحافظات الشمالية والوسطى، بينما يوفر سد مأرب مياه الري لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية؛ ولهذا اختيرت مأرب في القدم عاصمة للدولة السبئية خلال الألفية الأولى قبل الميلاد، وفيها عرش ومحرم بلقيس، وكانت تشكل حصنا لصد الغزاة الذين سعوا إلى احتلال اليمن منذ أيام الإمبراطورية الرومانية التي عجزت جيوشها عن احتلالها، وكذلك جيوش الدولة العثمانية.

رابعا: أن تحرير مأرب سيؤدي إلى تعزيز الموقف السياسي للجان الشعبية والحكومة الشرعية في صنعاء في أي مفاوضات مقبلة لتحقيق التسوية للأزمة اليمنية، ويحد كثيرا من قدرة واشنطن والسعودية وحكومة هادي على فرض شروطهم.

خامسا: أن تحرير مأرب وما يعنيه من انهيار آخر وأهم معقل لحكومة هادي وحلفائها سيؤدي إلى خلق مناخ عام بالهزيمة، وانهيار معنويات مقاتليهم، الأمر الذي سيولد تداعيات سريعة في مناطق سيطرتهم في جنوب اليمن تسعِّر الصراعات المحتدمة أصلا فيما بينهم حول المسؤولية عن الهزيمة من جهة، وحول السيطرة على الجنوب من جهة أخرى؛ مما سيؤدي إلى نقمة شعبية واسعة تعزز موقف القوى المعارضة لوجود المجلس الانتقالي وقوات هادي المدعومة سعوديا، ويوفر ظروفا مواتية كي يتحالف أبناء الجنوب مع اللجان الشعبية والجيش اليمني لاستكمال تحرير المحافظات الجنوبية من سيطرة قوات هادي والمجلس الانتقالي المدعومَين من تحالف قوى العدوان.

هذه النتائج والتداعيات المتوقعة من جراء تحرير مأرب هي التي تقف وراء ارتفاع درجة اهتمام الدول الغربية بما يحصل في مأرب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي عبرت عنها بمسارعتها إلى إطلاق التصريحات التي تدعو إلى وقف هجوم أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية على مأرب؛ لمنع حصول التحولات النوعية في موازين القوى لمصلحة أنصار الله والقوى الوطنية على حساب الموقف الأمريكي السعودي الذي سيجد نفسه يجلس إلى طاولة المفاوضات المقترحة لحل الأزمة، وهو حالة من الضعف بعد أن مُني بهزيمة قاسية، الأمر الذي يجعل حركة أنصار الله وحلفاءها في موقع من يملك القدرة على فرض الشروط قبل انطلاق المفاوضات بوقف العدوان والحصار، وخلال المفاوضات بفرض شروط للتسوية تعزز قدرة الشعب اليمني على تقرير مصيره بعيدا عن التدخلات الخارجية.

انطلاقا مما تقدم يمكن فهم لماذا ترفض اللجان الشعبية والجيش اليمني وقف الهجوم لاستكمال إنجاز تحرير مدينة مأرب؟ ولماذا يرتفع منسوب القلق السعودي الأمريكي الغربي من ذلك؟.

فتحرير مدينة مأرب سيشكل انتصارا نوعيا يتوج الانتصارات التي تحققت على مدى سنوات الحرب، وهزيمة كبرى لدول العدوان والقوى التابعة لهم، وسقوط أهدافهم التي سعت إلى القضاء على أنصار الله والقوى الوطنية، وإعادة إخضاع اليمن، ومنع خروجه من فلك التبعية؛ لما يمثله من موقع جغرافي مهم على طريق التجارة الدولية وفي الخليج حيث تتركز السيطرة الاستعمارية الأمريكية على ثروات النفط والغاز وطرق إمدادها في مياه الخليج وباب المندب، وهو ما جعل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تدعو إلى وقف هذه الحرب؛ لاحتواء تداعياتها السلبية على النفوذ الاستعماري الأمريكي، وجعلها تعرب عن القلق من سيطرة حركة أنصار الله على مأرب، الأمر الذي قد يسهم في تسريع خطوات واشنطن لوقف الحرب، ومحاولة الحد من تداعيات الهزيمة، وحمل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على دفع ثمن هذه الهزيمة، وهو ما ظهرت مؤشراته من خلال إعلان البيت الأبيض أن الرئيس بايدن سيتواصل مباشرة مع الملك سلمان، وليس مع ولي العهد، ومن ثم الإفراج عن تقرير الاستخبارات المتعلق بجريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وذلك في سياق إعادة تقييم العلاقات الأمريكية مع السعودية؛ ما دفع المراقبين إلى التساؤل عما إذا كانت إدارة بايدن تسعى إلى تقديم محمد بن سلمان كبش فداء بتحميله مسؤولية الكارثة في اليمن، والظهور في صورة من أوقف هذه الحرب لإعادة تلميع صورة أمريكا في اليمن، وتمكين الدبلوماسية الأمريكية من لعب الدور المنوط بها؛ للحد من الخسائر واحتواء تداعيات الهزيمة، وإعادة ترميم وتعزيز نفوذ أمريكا في اليمن من خلال التسوية السياسية، لكن السؤال هل ستتمكن من ذلك؟ خصوصا بعد أن أصبح هناك مقاومة تحرّرية يمنية تملك مشروعا للتحرر، وتسعى إلى تحقيق استقلال اليمن بعيدا عن الهيمنة والتبعية للولايات المتحدة والحكومة السعودية، ونجحت بداية في الصمود في مواجهة العدوان، واحتواء اندفاعته، ومن ثم الانتقال من الدفاع إلى الهجوم، وفرض معادلات الردع بعد أن تمكنت من نقل الحرب إلى الداخل السعودي، وتحرير المحافظات اليمنية الشمالية من سيطرة تحالف العدوان الواحدة تلو الأخرى، حتى أصبحنا على مقربة من تحرير واستعادة آخر محافظة شمالية، وهي محافظة مأرب الاستراتيجية من جميع النواحي الجغرافية، والاقتصادية، والعسكرية، والسياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى