أحدث الأخباراليمنمحور المقاومة

ملاحظات حول مسودة الاتفاق الجاري إعداده في عمان .. لإنهاء الحرب في اليمن

مجلة تحليلات العصر الدولية - دكتور حسن زيد بن عقيل

غالبا ما يتم تعريف السلام على أنه غياب العنف. لكن مجرد غياب العنف قد لا يؤدي إلى سلام مستدام ، مع وجود جذور عميقة للعنف . هذا ينطبق على اليمن ، نحن بحاجة إلى فهم الأسباب السياسية والعسكرية المرتبطة بالعنف و التي لا تزال مفتوحة ، داخليًا وخارجيًا. نحن لا نتجاهل التأثيرات الإقليمية والدولية التي يفرضها موقع اليمن الجيوسياسي المهم . إن نشوء الأزمة اليمنية أمر داخلي ، ولا بد من الانطلاق من هنا لفهم جوهر العنف الحالي وانعكاساته الإقليمية والدولية. العنف المسلح في اليمن ، للأسف ، هو التعبير الرئيسي للصراع السياسي اليمني ، بسبب الاختلافات حول الجغرافيا (الموارد الطبيعية والثروة والناس). عادة ما يتبع العنف المسلح تغييرات على المستوى السياسي ، مما يؤدي إلى حل التحالفات المحلية القائمة أو تشكيل أخرى . و لا ننسى دور البعد الإقليمي في تحريض وإفساد سلوك القادة . أشار الى هذا الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني في توبيخه للملك فيصل آل سعود على سلوك النظام السعودي في تجاهل وإضعاف السلطة المركزية ، والتعامل المباشر مع الشخصيات السياسية والقبلية وتوفير الميزانية المالية الخاصة بهم . وقال الإرياني أثناء لقائه الملك فيصل عام 1973 إن ” الاستمرار في تسليم الميزانيات إلى هذه الشخصيات دون علم المركز (صنعاء) انتهاك لسيادة الدولة ” (من مذكرات اللواء حسين المسوري). و بعدها تخلصوا من نظام الارياني بانقلاب عسكري في 13 يونيو 1974 ، وهذا ما يحدث الآن . بدأت السعودية في إشعال الصراع بين الرئيس صالح ونائبه البيض عام 1994 ، والذي انتهى بمأساة الحرب الأهلية. بعد فترة تم استبدال الرئيس صالح بالرئيس هادي ( تنفيذاً للمبادرة   الخليجية 2011). المبادرة الخليجية الشريرة تسببت في فقدان اليمن حق تقرير المصير ، ” الحق في اختيار شكل الحكومة التي يريد الشعب اليمني أن يعيش في ظلها والسيادة  التي  يريد الانتماء إليها ” بعيداً عن أي تأثير خارجي أو نفوذ سعودي . جاء التدخل العسكري عام 2015 ، هذا العدوان الخليجي كارثة ومحنة خطيرة يعاني اليمنيون مرارتها حتى الآن . انتهكت دول مجلس التعاون الخليجي مبدأ الحق في تقرير المصير المنصوص عليه في القانون الدولي. المأساة الكبرى الانتهاكات تتم  تحت غطاء الشرعية الدولية . واستمرت المؤامرات ضد اليمن . في عام 2017 حرضت أبوظبي  محافظ  عدن  عيدروس الزبيدي على الانشقاق عن الرئيس هادي وشكل المجلس الانتقالي الجنوبي ، وهو يتبع (الإمارات) بينما  حكومة هادي تتبع  (السعودية) . ظهر اتفاق الرياض 2019 كحل وسط للتقريب بينهما وفشل هذا الاتفاق ، خاصة في تنفيذ الملحق الأمني ​​بسبب الخلاف بين السعودية والإمارات على تقسيم اليمن بينهما .

بحثا عن سلام مستدام

إذا أرادت القوى الإقليمية والدولية مساعدة اليمنيين على صنع السلام ، عليهم البدء بمصالحة جادة بين الأطراف ، وهي خطوة لا غنى عنها لتحقيق عدالة انتقالية دائمة وذات مغزى ، ومنع النخب اليمنية الفاسدة من المشاركة في عملية السلام . الشعب اليمني احتج عام 2011 ليس ضد الرئيس صالح كشخص بل ضد نظام فاسد نشر التخلف والبطالة والفقر والمرض. جاءت مبادرة الخليج الشريرة وأعادت هذه النخبة الفاسدة إلى السلطة ، ولكن تحت قيادة الرئيس هادي وبقمصان جديدة . بعضهم أطلق على أنفسهم اسم (السلطة الشرعية) وآخرون المعارضة الرسمية ، لكنهم جميعاً يتبعون سياسة موحدة مارسوها في عهد الرئيس صالح و يمارسونها الآن مع الرياض وأبو ظبي : الإبتزاز المالي ، وتقاسم الثروة ، واحتكار العديد من الشركات المربحة لأغراض شخصية .

يبدو الآن هناك نهجًا دبلوماسيًا جديدًا ، ولأول مرة تعترف واشنطن علنًا خلال الندوة بأن ” الولايات المتحدة تعترف بهم [الحوثيين] كقوة شرعية . تلاه الإقرار احتراق كرت السعودية المعترف بها دولياً (هادي) ، البحث عن كرت جديدة . كشف نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الدكتور أبوبكر القربي عن مشاورات لنقل السلطة من هادي إلى نائب رئيس جديد توافقي أو تشكيل مجلس رئاسي ، داعيا حزبه إلى تقديم رؤية وخطة لإعادة هيكلة الرئاسة قادرة إنهاء الحرب .

دبلوماسية إقليمية ودولية جديدة

 هناك تشكيل جديد للجهات الفاعلة  الخارجية في اليمن: (1) تعيين مبعوث جديد للأمم المتحدة إلى اليمن – الدبلوماسي السويدي هانز جروندبرج ، سفير الاتحاد الأوروبي السابق في اليمن (2019) الذي لديه خبرة أكثر  من 15 عامًا  في حل النزاعات . (2) يمكننا أيضًا الاعتماد على نشاط المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن ، تيموثي ليندركينغ ، المعين في فبراير 2021  . (3) تجربة سلطنة عمان في الوساطة والتقارب بين السعودية وأنصار الله . تلعب السلطنة دورًا مهمًا في اليمن ، ممكن الاستفادة  من العلاقات العمانية السعودية التي تطورت في عهد السلطان هيثم بن طارق آل سعيد ، كانت أول زيارة دولة خارجية له (يوليو 2021) إلى المملكة العربية السعودية . (4) الخلافات في الأجندات السياسية بين الإمارات والسعودية ، والتي بدورها أشعلت ، بشكل مباشر وغير مباشر ، خصومات دموية واشتباكات بين ذراعيها في عدن ومحافظات جنوبية أخرى . (5) هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان قد تعيق الدافع السعودي لمواصلة حربها في اليمن. فقدت الولايات المتحدة تدريجياً الرغبة في إقامة علاقات وثيقة مع السعودية والإمارات بسبب سلوكهما غير الأخلاقي والكارثي في اليمن. على الرغم من أن السعودية (والإمارات ) تحاولان تنويع مصادر أسلحتهما ، إلا أنهما لا يستطيعان التخلي عن واشنطن . العلاقات الهيكلية بين الرياض وواشنطن عميقة لدرجة أنه لا يمكن لأي من الطرفين التخلي عن هذه العلاقات بين عشية وضحاها ، لأن أكثر من 80٪ من أسلحة المملكة ومعداتها العسكرية تأتي من الولايات المتحدة . ثانيًا ، التوقيت غير مناسب : السعوديون يدركون جيدًا التوتر الخطير في العلاقات بين الكرملين والبيت الأبيض الآن . (6) تكرار وتوسيع الاحتجاجات ضد قوات التحالف بسبب ” نقص الخدمات وانتشار الأسلحة والعنف المتقطع الذي أصبح أمراً مستمراً في عدن ” .

صنع سلام مستدام

يطرح سؤال مهم ، ما هي اتفاقية السلام المستدام التي تريدها دول الخليج وبريطانيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة لليمن؟ إذا كان المراد من هذا هو “مشروع اتفاق إنهاء الحرب” المكون من 21 بندًا قيد الإعداد في عمان ، فإن هذا الاتفاق لا ينهي الحرب في اليمن ، بل خطوة أولى نحو إنهاء اليمن من خريطة الجغرافيا السياسية كدولة ذات سيادة . قبل صياغة أي اتفاق سلام ولكي يكون مستدامًا ، يجب أن نتعهد بمراجعة الخريطة السياسية – القبلية – العسكرية لليمن . من أجل قصر الحديث ، سنلخص المحاور الرئيسية لهذه الخريطة ، وهي ثلاثة محاور:

اولاً الجهات الفاعلة : الفاعلون كثيرون وغالبًا ما يغيرون مواقفهم ، كما أشار غريفيث على موقع الأمم المتحدة في 15 يونيو 2021 ” الوقت ليس في صالح اليمن . في سياق الصراع لقد تضاعف الفاعلون المسلحون و السياسيون  وازداد التدخل الأجنبي . وما كان ممكناً لحل النزاع منذ سنوات اصبح غير ممكن اليوم. وما هو ممكن اليوم قد لا يكون ممكناً في المستقبل ” . حرب اليوم هي امتداد للصراعات القديمة والجديدة ، و المرونة في تشكيل وتفكيك التحالفات ،  يفرضها  النسيج الاجتماعي اليمني ، لأن خصائص النظام في اليمن نظام عشائري له روابط إقليمية ودولية . يتابع غريفيث: ” كانت هناك فرص كثيرة للأحزاب ، لكن عبثًا ” ، لم يستغلوها. ” لأن من هم في السلطة فقدوا الفرص برفضهم تقديم التنازلات اللازمة لإنهاء الحرب “. وشدد على أن ” السبيل الوحيد للخروج من هذا المستنقع هو أن ينخرط القادة في حوار لحل خلافاتهم”. آخر مرة جلس فيها الطرفان لمناقشة وقف الحرب في الكويت عام 2016 ، وهذا “صادم – يقول غريفيث”. لماذا ؟ نجح الوسيط الكويتي لانه احترم دوره وفهم حدوده ، ” لا الحرب ولا السلام مسؤولية الوسيط . دور الوسيط هو أن يعرض على الأطراف السبل التي يمكن أن تنتهي بها الحرب ” ، قالها غريفيث  في إحاطة له امام مجلس الأمن.

ثانياً: جبهات القتال: ليستا جبهتين كما حددهما الإعلام ، جبهة موالية للحكومة معترف بها دولياً ، وهي غير متماسكة ، وهم ينتمون إلى كل قبائل وفئات المجتمع اليمني (هم الإخوان المسلمون والسلفيين والانفصاليين الجنوبيين والقبائل المتمتعة بالحكم الذاتي والميليشيات والجهاديين وكتائب الجيش والتشكيلات المسلحة من القاعدة وداعش). معظمهم يقاتلون أنصار الله ، لكنهم يعارضون المؤسسات التي يقودها الرئيس هادي ويتبعون أجنداتهم السياسية الخاصة. الجبهة الثانية هي جماعة أنصار الله المدعومة من محور المقاومة ولها أهداف واضحة ، رفض أي وجود استعماري على التراب اليمني والتمسك بحق تقرير المصير ، أي ” الحق في اختيار شكل الحكومة التي يريد الشعب اليمني أن يعيش في ظلها والسيادة التي يريد الانتماء إليها ” بعيداً عن أي نفوذ أجنبي سعودي أو إماراتي .

ثالثاً مستويات الصراع : يمكن تحديد ثلاثة مستويات: (1) استمرار نظام صالح المخلوع – هو استمرار الصراع الداخلي (2011) ، وهذا يعقد أي حل سياسي ، بالنظر إلى تعدد الفاعلين المحليين والإقليميين. إضافة إلى استمرار الصراع بين النظام القديم والنظام الجديد الذي تبحث عنه قوى التغيير (الحوثيون والحراك الجنوبي). على الرغم من  التغيير  في القيادة ( هادي  بدلاً من صالح ) ، لكن نظام صالح على حاله ، النخبة التي حكمت في عهد صالح اصبحت الآن حول هادي ، وبالتالي  يستمر الفساد . المستوى (2) من الحرب هو الصدام بين المركز والأطراف ، والذي يتجاوز التعارض التبسيطي بين الشمال والجنوب. العديد من الهويات الإقليمية أو القبلية التي تناضل من أجل الاستقلال السياسي والموارد الطبيعية والمالية المتمثلة في الحوثيون والحراك الجنوبي و هم مهمشون  تقليديا من قبل السلطة المركزية. لذا  أي حكم ذاتي أو أقلمة بالتأكيد لن يؤدي إلى العودة إلى نظام ما قبل عام 1990 (اليمن الشمالي واليمن الجنوبي) . المستوى (3) التنافس على الهيمنة الإقليمية بين السعودية وإيران ، المنافسة كانت نتيجة العنف وليست سبباً للعنف ، فأصبحت الحرب اليمنية تدريجياً إقليمية . علاوة على ذلك ، ساهم التنافس بين السعوديين والإيرانيين في الصراع الطائفي (السنة مقابل الشيعة) ، وهو صراع طائفي ليس جزءًا من تاريخ اليمن ، حيث تعايش تيارا الإسلام بسلام. اضف الى  إن خطاب الجماعات الجهادية غذى الطائفية ، التي هي أيضًا نتاج للعنف وليست سببًا للعنف.

 

الاستنتاج

إن الفلسفة التي تقوم عليها جميع جهود السلام ترى انخفاض في مستوى العنف ووقف للأعمال العدائية  وخلق  توازنات  سياسية  واقتصادية هشة من خلال تنظيم ” انتخابات حرة ونزيهة ” ميزة لجهود السلام. اهم شئ التركيز على الالتزامات الليبرالية للمتدخلين الأجانب واستبعاد الفاعلين اليمنيين المحليين الذين يحتاجون لرؤية الحوافز الاقتصادية والسياسية الوطنية لشعبهم. لذلك ، فإن عنصري السلام “المستدام” و “الناجح” عند البعثات الإقليمية والدولية هو انخفاض مستوى العنف وتنظيم “انتخابات حرة ونزيهة”. بعبارة أخرى ، نقل الخلافات السياسية أو الاقتصادية من ساحة المعركة إلى إطار مؤسسي لحل النزاع . ونحن نعلم أن المؤسسات التي تُبنى بالتعاون مع المؤسسات الدولية بشكل عام ، تُبنى حسب حجم ومصالح القوى المتدخلة. إن إقامة مؤسسات لتحقيق ” سلام مستدام ” فكرة صحيحة ولا اعتراضات عليها ، لكنها ليست كافية. ظروف اليمن الآن لا تسمح لهم بقبول هذه المقترحات ، فهي تعمل على تمزيق اليمن وتوزيعه كغنيمة حرب بين دول الخليج . إن ” مسودة اتفاقية إنهاء الحرب” المكونة من 21 نقطة والتي تم إعدادها في عمان ، إذا تم تنفيذها ، يمكن أن تعزز الهويات القبلية الإقليمية وتمهد الطريق لصراعات مستقبلية أوسع . تشير المسودة  إلى أن الجنوب يتشكل من اقليمين كامل الصلاحيات ، (أي محمية شرقية و محمية غربية – التقسيم الاستعماري) نعلم ان دول الخليج من العهد الاستعماري تسعى لاحتلال حضرموت و المهرة . هناك سؤال آخر  ما مغزى تشكيل هيئة البنك المركزي من تسعة أعضاء ، منهم  خبير إقليمي  وخبير دولي ، لإعداد خريطة الإيرادات السيادية ، بحيث تكون جميع الإيرادات المحلية لكل اقليم مستقلة ، ويتم تشكيل سبعة مجموعات عمل ، من ضمنهم العسكرية والاقتصادية ، ومقرها مؤقتًا في سلطنة عمان ( إذا أين تقع العاصمة السيادية لليمن ، هل انتقلت من الرياض وأبو ظبي إلى مسقط ؟ ) لإعداد التفاصيل العملية للبنك المركزي والمسائل الأمنية الأخرى ، والوضع الإنساني وإعادة  الإعمار وتحديد الموارد السيادية ، هذا يعني أن اليمن لم يعد دولة ذات سيادة . إن غياب  العنف ” المؤقت ” ليس سوى مقدمة لمزيد من ” الأزمات الصغيرة “. ثانيًا ، ” الانتخابات الحرة والنزيهة ” ليست ضمانًا للسلام ، بل إن إجراء الانتخابات قبل الأوان يمكن أن يساهم في زيادة تصعيد العنف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى