أحدث الأخبارشمال أفريقياليبيا

من حَرَضَ أوباما على إسقاط القذافي؟!

مجلة تحليلات العصر الدولية / صحيفة الاحداث - رئيس التحرير:ابراهيم ال درويش

تجسد الهمجية التي قتل بها العقيد معمر القذافي، والرقص لخمسة أيام بلياليها، حول جثمانه نصف العاري في مدن الملح،

عقلية وسلوك القائد نفسه مع شعب، بذل القذافي كل ما بوسعه لتكريس بداوته ، فاختار الخيمة لحكم دام أربعة عقود، لم يحقق خلالها لبلد شاسع بموارد هائلة، إلا القليل من التنمية. خاض منظّر” الكتاب الأخضر”، حروبا عبثية، شملت رقعة جغرافية، تمتد من إيرلندا الشمالية، إلى تشاد، والنيجر، مرورا بالسودان.
ودعم الحركات الانفصالية بمن فيهم أكراد العراق وتركيا.
كنت آخر صحفي يمثل قناة تلفزيونية عالمية “روسيا اليوم” التقى القذافي وهو في سدة الحكم قبل انطلاق حملة الناتو العسكرية على ليبيا بيومين في مارس 2011.
جرى اللقاء في الخيمة التي رأيت فيها وفي أثاثها المغبر، نموذجا صارخا لنظام الحكم القائم على فكرة أن الشعب قطيع، والسلطة هبة من السماء لمن اختاره الرب راعيا للأغنام، إذا تمردت خرافه فإن عملية تأديبية صغيرة تكفي لإعادتهم إلى الطريق المستقيم .
وصلنا وفريق التصوير إلى طرابلس من تونس التي تكدس على حدودها مع ليبيا في مركز ” أبو جدير ” ألوف الأجانب، الهاربين من مدن العقيد، غداة اندلاع ما بات يعرف في الأدبيات السياسية الدولية بالثورة الليبية، وظل العقيد المثقل بالزي البدوي الليبي، يصفه بالتمرد المسلح، لأن ” ثوار” بنغازي سرعان ما استولوا على ثكنات الجيش ومخازن الأسلحة وبدأت معركة طويلة لإسقاط النظام، وتحقق بفضل تدخل الناتو.

ووفقا لحديث خاص مع السيد عبد الرحمن شلقم، مندوب ليبيا الدائم في الأمم المتحدة سابقا، وكان من أوائل المسؤولين الليبيين الذين أعلنوا انشقاقهم عن النظام، فقد بذل قبل التدخل العسكري، جهودا مع العقيد، لاحتواء الاحتجاجات، والاستماع إلى صوت الشارع الغاضب.
وكان شلقم، وفق ما قاله لنا، غادر طرابلس عائدا إلى مقر عمله في نيويورك، قبل تفاقم الأحداث، ببضعة أيام، بعد أن مكث في عاصمة بلاده، فترة، كان ينتظر خلالها، تحسنا في أداء السلطات، من منطلق أن العقيد سيسمع، رفاقه في القيادة، ودعواتهم، بعدم اللجوء إلى القوة المفرطة، في معالجة ما تبدى وكأنها، اعتصامات محدودة، تطالب بالكشف عن مصير سجناء، قتلوا في عصيان سجن بوسليم العام 1996، وكان الحديث حينها يجري عن 1270 ضحية، استنادا إلى تقرير منظمة “هيومن رايت ووتش”.
ففي الخامس عشر من شباط/ نوفمبر
2011، جرى اعتقال محامي أهالي ضحايا سجن بوسليم، فتحي تربل، اندلعت إثرها، تظاهرات تطالب بإطلاق سراحه.
لعل مقولة لينين الشهيرة، “من الشرارة ينطلق اللهب”، وجدت بعد حوالي القرن صداها في ليبيا، فقد أشعلت شرارة اعتقال المحامي، مدنا بكاملها، وخرجت الجموع، ترفع شعارا جذابا، كان دوّى، في ساحات وشوارع وحواري، تونس المجاورة:
” الشعب يريد إسقاط النظام”.
وينفي عبد الرحمن شلقم، في حديثه معنا، أن يكون للعامل الخارجي والإقليمي أي دور في تأجيج، لهيب الأحداث الليبية، مؤكدا على أن الأمور ما كان لها أن تنفلت، لو أن العقيد تعامل بروية وحصافة معها، ولم يركبه الغرور، والعناد، وتجاهل المتغيرات في العالم وفي الجوار.
وإذا كانت تظاهرات العاصمة طرابلس، محدودة، فإنها اكتسبت طابعا شعبيا واسعا في بنغازي ومدن الغرب الليبي، الأمر الذي كشف عن سوء إدارة متجذر في هيكل الدولة، التي عمق العقيد القذافي، تشظيها، بحكمه القبلي.
وحسب إفادة شلقم، فإن العقيد القذافي وكبار المسؤولين، أثناء اندلاع الاحتجاجات، ضد نظام الرئيس التونسي بنعلي، وامتداد تأثيراتها، إلى مصر، اعتبروها جرس إنذار لنظام العقيد الذي كان يحضر حينها لفعالية دولية أرادها مدوية، رغم عدم واقعيتها.
يقول سفير القذافي السابق في الأمم المتحدة، إن العقيد كان يُؤْمِن بأنه يستطيع إصلاح الأمم المتحدة أو خلق بديل عنها، بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي تحضره 130 دولة زائد الصين، يضع حدا لهيمنة واشنطن على الأمم المتحدة.
واضح أن الأوهام التي تراود مخيلة العقيد، تجعله موقنا، بأنه سيتمكن بفضل المال الليبي، وشعارات الكتاب الأخضر، قلب المعادلة الدولية راْسا على عقب.
ويقول شلقم، بأنه حاول إقناع الزعيم الليبي، بعدم واقعية المشروع، وأن إضافة أعضاء غير دائميين إلى مجلس الأمن الدولي، يمثل أقصى ما يمكن أن تقدمه الدول الخمس دائمة العضوية من تنازلات لأعضاء المنظمة الدولية، مع احتفاظها بحق النقض( فيتو).
ويشير الوزير والدبلوماسي الليبي السابق، إلى أن العقيد كان يستمع باهتمام إلى آراء محدثيه، ويبدى تفهما، لكنه لا يأخذ بها في نهاية المطاف.
وعلى نفس النسق، لم يستمع إلى النصائح بعدم استخدام القوة للسيطرة على الاحتجاجات.
ويقول شلقم: “اخبرت كبار المسؤولين بمن فيهم مدراء المخابرات عبد الله السنوسي وموسى كوسا ورئيس الوزراء المحمودي البغدادي وغيرهم، أن الدم في الشوراع مثل الخرقة الحمراء في حلبة مصارعة الثيران”.
عاد عبد الرحمن شلقم إلى مقر عمله في نيويورك، ليعلن في الخامس والعشرين من شباط/ فبراير، أي بعد ما يزيد عن أسبوع بقليل، إدانته لاستخدام القوة، وزج الجيش في قمع المتظاهرين، والتحضير لعمل عسكري ضد عاصمة الغرب الليبي بنغازي. وبذلك كان أول دبلوماسي ليبي ينشق، الأمر الذي منح الملف الليبي المتفجر، بعدا دوليا، تلقفته عاصمة القرار الدولي، واشنطن، على الفور.
وفي حفل استقبال، أقيم بمناسبة افتتاح المقر الجديد لبعثة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، دًُعي السفير المنشق، إلى الحفل، وفي زحمة الحضور، أبلغوه أن الرئيس أوباما ينتظره في قاعة جانبية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى