أحدث الأخبارفلسطين

من «سيف القدس» إلى «كاسر الأمواج»: إسرائيل تُحارب صورتها

االأخبار- حسين الأمين الخميس 12 أيار 2022

جريمة صريحة جديدة أضافها جيش العدو الإسرائيلي إلى سجلّه، على مرأى ومسمع من العالم أجمع. في وضح النهار، وأمام عدسات الكاميرا، وفي أراضٍ فلسطينية وفق كلّ القوانين والأعراف الدولية (التي لا تقدّم ولا تؤخّر طبعاً)، أطلق قنّاصو الاحتلال النار مباشرة على وجه مراسلة قناة «الجزيرة» في فلسطين المحتلة، الزميلة الشهيدة شيرين أبو عاقلة. لم تكن في المكان أيّ اشتباكات أو تبادل لإطلاق النار، بل مجموعة من الصحافيين الذين يرتدون الدروع الواقية المكتوب عليها بالحروف الكبيرة: «Press». وبالتأكيد، ليس القنّاصون، وطبعاً ليس قنّاصو العدو المحترفون، من يطلقون النار عشوائياً أو اعتباطياً. الطلقة بقتيل. هذه قاعدة أولى لدى هذا الصنف من المقاتلين. ولا شكّ في أن الجندي الإسرائيلي الذي أطلق رصاصة واحدة باتجاه أبو عاقلة فأرداها، قد رآها عبر منظاره، وإن لم يعرفها تمام المعرفة – مع أنها مشهورة بما يكفي داخل الأراضي المحتلّة وخارجها -، فهو بالتأكيد أدرك أنها صحافية ترتدي درعاً وخوذة، لكنّه، ولكي لا تنتفع أبو عاقلة بأدوات الوقاية هذه، اختار أن يصيبها برصاصته في وجهها تماماً، حيث لا حماية ممكنة، والإصابة قاتلة حتماً. ولم يكتفِ جنود العدو بقتل الصحافية، بل حاولوا منع سحبها من مكانها عبر مزيد من إطلاق النار، الذي كان يمكن أن يخلّف مزيداً من الضحايا. على أن استثنائية الحدث، واستثنائية الضحيّة أيضاً، واستثنائية المكان، حيث الاعتداء واضح ومركّب ومتطوّر، واستهدف عاملةً في الإعلام وأمام الكاميرات ولسنوات طويلة، وفي أهمّ وسيلة إعلامية عربية، وإحدى أهم وسائل الإعلام في العالم، لا يعني أن ما جرى أمس هو مجرّد محطّة مفصلية في سياق إجراءات العدو في الأراضي المحتلة، ولا هو سقطة أخلاقية كبرى واستثنائية ارتكبها جيش الاحتلال، بل هو جزء من مشهد كبير ومتطوّر، لكنّه أصيلٌ في سياق إسرائيلي إجرامي قديم جديد.
قبل عام تماماً، وفي مثل هذه الأيام، كانت معركة «سيف القدس»، والتي غطّتها أبو عاقلة انطلاقاً من أحداث حيّ الشيخ جرّاح وسلوان والمسجد الأقصى وباب العامود وبقية مناطق القدس، مروراً بأحداث الضفة الغربية والأراضي المحتلّة عام 1967، وصولاً إلى الاحتفالات بالنصر في الأقصى عقب وقف إطلاق النار مباشرة، بعد 11 يوماً من القتال. لكن ما يجدر تذكّره اليوم، تحت وطأة جريمة أمس الثقيلة والتي جاءت في سياق حملة بدأها العدو منذ مدّة تحت اسم «كاسر الأمواج» (على خلفية العمليات الفدائية الأخيرة في الأراضي المحتلّة)، وفي ظلّ الذكرى السنوية الأولى للمعركة، هو أن العدو، بقنّاصيه وطيّاريه، قتل خلال 11 يوماً، 16 صحافياً في قطاع غزة، وأصاب أكثر من 20 آخرين، كما استهدف بشكل مباشر مكاتب المؤسّسات الإعلامية الموجودة في برج الجلاء السكني، بعد يوم واحد من تغطيتها قصف الطائرات الإسرائيلية منزلاً فلسطينياً في غزة، ما أدّى إلى مقتل أسرة بأكملها. كان واضحاً أن العدو هدف إلى إرهاب وسائل الإعلام واسعة الانتشار، والتي شكّل أداؤها خلال المعركة، وتفاعل الجمهور معها على امتداد العالم، مشكلة حقيقية وأساسية لدى المستويات السياسية والأمنية في الكيان. لم تعتدْ إسرائيل أن تتصدّر المشهدَ الإعلامي (التقليدي والجديد على السواء) عبارات كـ«الأرض المسروقة» و«الأبارتايد» و«التطهير العرقي» و«جرائم حرب»، بشكل مناقض لرواية العدو للأحداث، خصوصاً أن نواباً في «الكونغرس» وإعلاميين وحقوقيين ومشاهير في الولايات المتحدة والعالم، استخدموا هذه العبارات في سياق تضامنهم مع الفلسطينيين ورفضهم العدوان الإسرائيلي.
وبعد انتهاء الحرب بمدّة وجيزة، تشكّلت في وزارة الخارجية الإسرائيلية خلّية عمل مهمّتها العمل على «إصلاح» صورة إسرائيل المتهتّكة في الإعلام العالمي، ولدى الرأي العام الغربي بشكل خاص، ما يدلّل على عمق الانتكاسة الإسرائيلية في هذا المجال (عقدت وزارة الخارجية الإسرائيلية عدّة ورش عمل شاركت فيها شخصيات إسرائيلية مشهورة ومؤثّرة من مختلف المجالات، لتدريبهم على التأثير في الرأي العام لحساب الرواية الإسرائيلية). ويبدو أن جريمة الأمس ستأخذ مساراً تصعيدياً خلال الأيام المقبلة، بما قد يخلّف آثاراً جسيمة على صفحة إسرائيل الملطّخة أصلاً.


وتُساهم وسائل الإعلام الفلسطينية وبعض العربية والدولية، بشكل أساسي وجوهري، وبنسب متفاوتة، في كشف ارتكابات جيش العدو، وفضح جرائمه التي تزداد بشاعة وكثافة يوماً بعد آخر. كما أن قناة «الجزيرة» تحديداً، بمراسليها وموظّفيها والمتعاونين معها في عموم فلسطين المحتلة، قدّمت مادّة كبيرة ودسمة ومتميّزة في هذا السياق، ابتداءً من النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، عندما بدأت عملها، حيث انضمّت إلى مراسليها في فلسطين الشهيدة شيرين أبو عاقلة، مروراً بأحداث كثيرة لعلّ أهمّها الانتفاضة الثانية عام 2000، وما تلاها.

آنذاك، شكّلت «الجزيرة» مصدراً رئيساً للأخبار والمعلومات، فيما كانت شيرين وزملاؤها يغطّون يوميات الانتفاضة، وكذلك معارك مخيم جنين، حين اجتاحه جيش الاحتلال، وهو المكان نفسه الذي استشهدت فيه أمس. ومع أن نشاط القناة على الساحة الفلسطينية تراجع خلال السنوات العشر الأخيرة، بفعل انشغالها بملفّات وقضايا أخرى اجتاحت العالم العربي، إلّا أنها عادت للعب دور أساسي خلال معركة «سيف القدس» في أيار الماضي، ما أنبأ بعودة القناة إلى تفعيل نشاطها في الأراضي المحتلّة، مواكبةً لهبّة الأقصى العام الماضي، واستمراراً مع التطوّرات المتواصلة حتى اليوم.
ومع أنه يبدو من غير المناسب الآن توجيه انتقادات واتّهامات إلى «الجزيرة»، حول طريقة تغطيتها للأحداث في الأراضي المحتلة – بمعزل عن أدائها خارج فسطين -، حيث تقدّمت القناة على مَن سواها منذ سنوات طويلة في استضافة الشخصيات الإسرائيلية، السياسية والعسكرية، حتى خلال الحروب الكبرى التي تخلّلتها مجازر وانتهاكات كثيرة (تعرّف الجمهور العربي إلى الناطق باسم الجيش الإسرائيلي بالعربية، أفيخاي أدرعي، مبكّراً عبر الجزيرة) إلّا أن اثنين من كبار وأقدم العاملين في الشبكة الإعلامية القطرية تقدّما أمس على غيرهم، في مطالبة القناة بـ«مقاطعة الضيوف الإسرائيليين على الشاشة، ومحاكمة المجرمين»، وفق ما غرّدت به خديجة بن قنّة على حسابها على «تويتر»، معتبرة ذلك «مطلباً أساسياً»، قبل أن يساندها زميلها أحمد منصور، الذي طالب الإدارة بـ«بوقف استضافة القتَلة الإسرائيليين على شاشتها أو مَن يمثّلهم».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى