أحدث الأخبارالعراقمحور المقاومة

من فتح بالوعة صدام البعثية؟

مجلة تحليلات العصر الدولية - د.أمل الأسدي

حين كنّا أطفالا ،كنا نواجه غسيل دماغ،وكانوا يعلموننا الحقد والكراهية والتزييف،كان المجتمع كله وقودا بيد صدام اللعين والدول التي تقف خلفه،ليلعب دورا خطيرا وهو جعل العدو الحقيقي للعرب والمسلمين (إيران)بدلا عن الصهاينة، كنّا أطفالا يعلموننا في المدارس السب والشتم والتجاوز والكراهية،وكنت أنا من بين مجموعة من الأطفال الذين يتميزون بالقدرة علی الإلقاء  والتمثيل يطلبون منا في  كل يوم خميس أن نشترك بفعاليات يوم رفع العلم!!
كان أهلي يعلمونني أن  أبتعد عن المشاركة،وأن  أرفض الإساءة إلی الإمام الخميني،وعليّ  عدم البوح بذلك أمام المعلمات،ففي كل مرة أتحجج بحجة معينة،أو أقدم نشيدا عن الوطن عموما من دون سب الإمام أو تلفظ الألفاظ النابية،مازلت أتذكر كيف يجمعوننا ويجعلوننا نردد(خميني مربوط بالسچة،يبچي علی مرته،مرته بالأمية …) وأتذكر حين تدخل المعلمة وتقول قيام: نقول: عاش القائد صدام
جلوس: انتصرنا علی الفرس المجوس
وأتذكر ما يردده الأطفال:
” يمتة يجي بابا الحلو ملفلف بتابوته
هو نحطه بالگبر وآنه اركب التيوتا”
كنت طفلة خائفة،إذ عليّ أن أتجنب التحدث عن أي شيء يدور في المنزل، توصيني أمي:مو تگولون رحنا للزيارة ومو تگولون :نسمع محاضرات
وممنوع تگولون : أبوية يسمع أخبار!!
وفي كل يوم مساءً تعيد أمي العبارات نفسها:
يمعود نصي الراديو  لاتودينا ابلوة
كنتُ أجلس وتحكي لنا أمي عن أيام جميلة ،كان السفر فيها الی ايران متاحا،وتروي لنا ونحن ننصت بتعجب،أن السيارات  تنطلق من الكاظمية  إلی (الرضا)
نستمع إلی هذه الحكايات بدهشة!!
وتحكي لنا عن زيارة جدي إلی ضريح الرضا،وتستخرج صورة قديمة له بالأبيض والأسود وهو هناك!!
نستمع  ونفكر،هل سيأتي يوم ونری فيه إيران؟ كيف يكون هذا الشعب؟لماذا يطلبون منا أن نكرهه؟
هذا وفي كل يوم توصيات مستمرة،لاتتحدثوا،لاتذكروا شيئا عن أحد، كبرنا وكبرت همومنا معنا!!
كيف نسلم علی أرواحنا؟ هل يكفي أن نعتزل العالم؟
بالتأكيد لن نسلم،مادمنا شيعة لن نسلم!!
في مدرستي في الصف السادس الإعدادي،كان لزاما علينا في  كل يوم ثلاثاء أن يكون الدرس الأخير مخصصا للاستماع الی محاضرة الفرقة الحزبية، كان يحكي لنا الرفيق عن دوره في الحملة الإيمانية،وكيف شق بطن المرأة الحامل واستخرج جنينها،ومازالت صورته ماثلة أمام عيني وهو يروي متلذذا.
ومازلت أتذكر صورة مديرة المدرسة وهي توبخني  بسبب ارتدائي  اللون الأسود، فأجبتها بصوت مرتجف،عمتي توفيت!! فترد عليّ: اجلبي شهادة الوفاة،حتی نتأكد تلبسين الأسود في محرم أم تلبسينه علی عمتك!!
ومازالت صورة معاونة المدرسة حين كنت في الصف الخامس الابتدائي، وهي توبخني أمام الصف كله،رغم أني متفوقة جدا، توبخني لأن اسم والدي مركب!!
“محمد حسن” تقول لي: شراگوة حتی من الأسماء ما تشبعون!!
استطاع صدام أن يخدع الناس،فيحارب الشيعيُّ الشيعيَّ، وهو وجلاوزته لهم العز والراحة والقصور،ولنا الموت والتوابيت التي تأتي دائما في الغروب،لا أدري  لماذا كنت أتصور أن الغروب هو لحظة الموت،ومعه تأتي التوابيت ويعلو الصراخ!!
كانت العوائل تنام في السطح،ومنذ الفجر تنزل أمي وتتركنا نصحو بعدها  حين تعلو الشمس، أكثر ما كان يوقظني هو صوت جيراننا (أم راضي) وهي تنوح علی ابنها الشهيد،تصعد إلی غرفته وتجلس بين أغراضه وتنوح بصوت جنوبي: يمة الولد شال
كنا نعيش في سجن،لم نصدق أنه سيمر يوم من غير بعث ومن غير صدام!!
كنت أفكر هل سيأتي غروب من غير رائحة الموت؟
الغروب الذي بدا أكثر ثقلا في أثناء حرب الخليج الأولی،فالطائرات تظهر في السماء  مع الغروب!
كبرتُ وفي جعبتي صور  كثيرة،وذكريات مرة،لوعة أمي،وحيرة أهلي،كبرت وقد تعبت من الأسئلة: من ياعشيرة؟ يامحافظة؟ ابوج شيشتغل؟ وين فايلج؟
ظلت هذه ترافقني حتی بعد دخولي كلية الآداب ،جامعة بغداد!! فبمجرد أن أزاحوا د. عناد غزوان عن رئاسة قسم اللغة العربية، بدأ التوبيخ والتحقيق وبشكل يومي!!
وزال عهد يزيد التكريتي،وانتهت حكايته وقد أذله الله،إذ أخرجوه من حفرة حقيرة!!
أعدموا هذا البطل المزيف الذي شرب دماءنا، ورأينا إيران.
كنت مندهشة جدا  وأنا أنظر إلی اسم( علي بن أبي طالب) في أعلی الجبال!!
وأری أسم فاطمة،وأری المواكب،وأری وجوه الناس وهم يسألونني عن بلدي ومنطقتي،وبمجرد أن أجيبهم يقولون لي(التماس دعاء)!
هولاء الايرانيون الذين كانوا يحرضوننا ضدهم؟!!
يحرضوننا لأنهم شيعة وحسب!!
لم يكن من المألوف لدي ولدی الأغلبية أن نلمس حضورنا وقوتنا وهويتنا في الواقع،هذا الشعور كان لذيذا!!  الآن: من الممكن أن أقول: إني عراقية شيعية وأعبر عن هويتي  من دون خوف!!
يمكنني أن أتحدث عن بيئتي،عن صوت حمزة الصغير،عن رائحة العنبر والقيمة في بيوتنا في عاشوراء،أن أتحدث عن تمظهرات فكر أهل البيت في حياتنا،أن أتحدث عن الصحيفة السجادية وبلاغتها…  أتحدث عن الحضارة العراقية الإنسانية التي انطلقت من الجنوب،أتحدث عن الحطيئة  والفرزدق والكميت ودعبل … أتحدث عن أنين الجنوب،عن الطائر الذي هاجر بعد الجفاف،أتحدث عن درابين الكرادة التي تبكي  بصمت،وتهب أبناءها بصمت!!
عن شناشيل الكاظمية والأبواب التي تُرفس في عاشوراء!!  عن طنين أذن ذلك الرجل المصفوع لأنه يسمع(لطمية) داخل منزله!!
عن الصبي(بائع الكاسترد)حين تبلل بنطلونه  عندما صفعه الانضباط وهو يصرخ:وابو الجوادين بعد ما ابيع بس عوفني!!
أن أتحدث عن الطبيب( راجي عباس التكريتي) الذي الذي رُمي الی الكلاب الجائعة !!
عن الفنان(صباح السهل)الذي قضی معدوما (بلايه وداع)!!
يااااا آهااااتنا،هل ستكفي الكلمات لترجمتكِ؟
ـــــــــــــــ
بعد سنوات  تساندنا (إيران)ضد من دمر مدننا وأشعلها بالسيارات المفخخة،وسبی بناتنا،وفجر مراقدنا،وحطم آثارنا،ونسف أضرحتنا وأديرتنا! وأحرق قلوبنا علی أبنائنا، فنحن الرافضة كما يروننا،ولابد أن نستباح!!
إما أن نعيش خدما وإما أن نموت!!
لماذا ونحن هوية العراق الثقافية والفكرية والعلمية والحضارية؟!!
لقد زال صوت البعث،اختفت حقارتهم،وانطمرت بالوعتهم!!
من فتحها الآن؟ لماذا تهب جيفته من جديد؟
من يحاسب هولاء الذين يحرضون الشباب؟  نمط البعث واستغلاله كل شيء لمعاداة إيران،فقط لأنهم شيعة،من أعاده؟
اليوم الحياد خيانة،وكل شخص يتحدث بهذه اللهجة هو بعثي!! لابد أن نتصدی لهذه الأصوات، من يضحك علی أبنائنا ويجعلهم  يتوهمون أن عدونا الأوحد إيران؟
لماذا يصمت  المثقفون والكتاب،ولماذا يُسمح للاعب كرة قدم  أو مدرب أن يزيف ويضلل؟
مطاعم ومولات وشركات وصفحات تحرض وتجعل من كرة القدم قضية عداوة ووطنية مزيفة، بالضبط كما كان صدام!!
بينما الواقع  أثبت وبوضوح من قتلنا وفجر أجسادنا وهجرنا ومجزرة تكريت  حاضرة وقبل يومين  ذكراها!!
أيها المغفلون، هم لايستطيعون أن يتلفظوا أسماءكم
علاء الزهرة…  وعبد رب الحسين….الخ
هذه الأصوات المُضلّلة يجب أن تواجه برفض شعبي، لابد من إغلاق بالوعة صدام البعثية،فالذي يجمعنا بإيران ،محبة وعقيدة وإنسانية وحضارة،بينما يجمعنا بالحضن العربي مفخخات وقتل وتشريد وأشلاء معلقة!!
من هنا لابد  أن تعلو أصواتنا،فالصمت والحياد خيانة!!
يجب أن نُفهِّم الشباب  حقيقة الهوية،نحن ننصهر  في بيئتنا وتربتنا وعاداتنا وحضارتنا،ولايمكن لأي إنسان حرٍّ  أن يتخلی عن  بلده، وعن حرية بلده واستقلاله ،ولايمكن أن يتخلی عن كلمة “شكرا ” لمن  سانده ووقف معه في محنته.
فإن فشل السياسيون في العملية السياسيةـ وهي مشتركةـ   فهذا ليس له علاقة بثوابتنا وقيمنا ووجودنا وحضارتنا،فالسياسة والسياسيون زائلون،والقيم ثابتة راسخة،إن فشلوا اليوم فقد فشل غيرهم بالأمس،فالبعث مثلا من حرب الثمانية أعوام الی الاعتداء علی الكويت،الی حرب الخليج الأولی  الی الحصار الذي سحق كرامة الناس،الی الحرب الأخيرة التي جلبت الاحتلال،ناهيك  عن السجون والمقابر الجماعية والإعدامات و(المثرامة،وقطع الأذن،وقطع الألسن…الخ) فمن العار أن يتناسی شخص كل هذه العذابات تحت أي ذريعة كانت،ومن الغباء أن ننجر الی ماكنة إعلامية خبيثة همها الأول الاستحواذ علی السلطة وحسب، فشل السياسيون ؟ نعم،يتغيرون، يُحاسبون ؛لكن قيمنا وهويتنا باقية،ولن نسمح بإعادتنا الی عهد احتلال العوجة القذر،أرضنا ولّادة ونخيلنا قائم،والمعادلة بيد الله تعالی !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى