أحدث الأخبار

من هو مصدر السلطات ؟

مجلة تحليلات العصر الدولية - بهاء النجار

يبدو الجواب سهلاً ، وهو الشعب .
من حيث المبدأ صحيح ، والآلية هو اختيار ممثلين لتشكيل برلمان ينتخب حكومة تحكم البلاد وفق دستور صوّت عليه الشعب ، فإن لم يلتزم ممثلوه بما يجب أن يقوموا به غيّروهم عن طريق الانتخابات وإلا فالتظاهرات والاعتصامات هي السلاح الأخير .
هنا يأتي السؤال الجوهري : كيف يتشكل قرار الشعب الذي يجعله مصدراً للسطات فيرضى بالحكومة وبممثليه أو لا ؟
قد يجيب أحدنا ويقول الواقع يكفي لتحريك الجماهير للضغط على ممثليه وتغييرهم والانتفاض ضدهم ، جواب صحيح ، ولكن ما الذي يوحدهم ؟ ومن الذي يقوده ؟ ومن يعرّفه بالواقع ؟ فالواقع ليس سواء عند الجميع وقد يكون سيئاً عند فئة ولا يكون كذلك عند أخرى .
ما نريد أن نتوصل إليه أن الشعب مصدر السلطات وهناك من يتحكم بهذا المصدر ، فقرارات أفراد الشعب تعتمد على ثقافتهم ووعيهم وقناعاتهم ورؤاهم وأحاسيسهم ومشاعرهم ، فما يؤثر بشعب ليس بالضرورة أن يؤثر بآخر ، فمن يساهم بالتأثير على هذه الثقافة والوعي والقناعات والرؤى والأحاسيس والمشاعر وغيرها سيشارك في قرارات مصدر السلطات ، ومن يملك عوامل ووسائل التأثير هذه يكون له اليد الطولى في المساهمة في قرارات الشعب وتأثيره على السلطات ، فيكون الشعب مصدر السلطات الظاهري ، أما مصدر السلطات الحقيقي هو المتحكم بثقافة وقناعات وأحاسيس ومشاعر ووعي الجماهير ، فالعالم ينظر الى ما يريده الشعب وإذا في الحقيقة أن هذا ما يريده المتحكمون بقرارات الشعب من خلال وسائل التأثير التي سنتناولها .
ربما أبرز وسائل التأثير في قرارات الشعب من خلال التأثير على ثقافته وقناعاته هو الإعلام ، لذا سعى المتسلطون الى امتلاك أهم وسائل الإعلام وأكثرها تأثيراً ، بعدها طالبوا بحرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي ، فيكسبون رضا الرأي العام بأن آراءهم غير مقيدة وحقوقهم محفوظة وفي الوقت نفسه تكون آداة التحكم بأيديهم ، إذ لا منافس لوسائل إعلامهم حتى لو أنشئت وسائل إعلام منافسة ، ولم يكتفوا بذلك ، فقد صار إعلامهم مؤثراً حتى على باقي البلدان بعد تطور تقنيات الاتصالات العابرة للحدود والأقمار الصناعية والانترنت ، فأصبح تحكمهم بالقرار دولياً بعد أن كان محلياً.
بعد الإعلام ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي التي فسحت المجال لكل فرد في هذا العالم أن يبوح بما عنده فصار ملجأ كل شخص في أية دولة ، وهذه المواقع مملوكة من قبل جهات متنفذة في دول تمد نفوذها في كل أرجاء العالم ، وهي الولايات المتحدة وتدار من قبلها ، فنجحت في ركوب موجة الاحتجاجات المصرية عام 2001 بداية الربيع العربي حتى أسقطت نظامها ، وهي المتهمة حالياً في ركوب الاحتجاجات التشرينية في العراق عام 2019 .
ومن القوى المؤثرة أيضاً في قرارات الشعب الجواسيس والعملاء الذين يعيشون بين أفراد الشعب ويتصلون بهم من خلال عدة مسميات كمؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية والخيرية وحتى المنظمات الدولية التي تخدع الرأي العام بأنها مستقلة وفي الحقيقة أن قرارها مرتبط بشكل كبير بمصالح دول عظمى ، لذا نرى المطالبات المشابهة لحرية الإعلام نجدها في مواقع التواصل الاجتماعي وفي مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية والخيرية لأنه لا يمكن لأي جهة منافستها بحكم ما تملكه من إمكانيات مالية وفنية وإدارية .
في الوقت نفسه هناك مؤثرون في قرارات الشعب من القيادات الروحية كالمرجعيات والقيادات الدينية ، ومثل هذه القيادات تكون خارج سيطرة القوى العالمية ، فإن نجحت هذه القوى بكسب هذه القيادات بصورة مباشرة أو غير مباشرة تحكمت هي بقرارات الشعب ، وإن لم تستطع فتقوم بإنتاج قيادات دينية تنفذ ما يريدون ، ولم تنجح هذه المحاولات الى الآن والحمد لله ، أما من لم تستطع التأثير عليه من تلك القيادات الروحية او كان تحريكه للشارع بعكس ما تريده القوى العالمية فستقوم بمعاداته بكافة الطرق منها ما ذكرناه آنفاً ، وترفض اتساع رقعة القيادة الدينية الى خارج الحدود بعكس ما تدعو إليه وتسعى إليه من حرية التجارة والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ، كي يبقى التحكم بأيديهم .

هل عرفنا الآن من هو مصدر السلطات ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى