أحدث الأخبارالإسلامية

مواصفات السياسي في رؤية الامام الصادق عليه السلام

مجلة تحليلات العصر الدولية - محمد علي جواد تقي

(من ضرب الناس بسيفه ودعاهم على نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلّف) رسول الله، صلى الله عليه وآله

الظروف السياسية التي عاشها الإمام الصادق، عليه السلام، بما تخللته من ظلم وطغيان الأمويين، ثم محاولات العباسيين لتسلق قمة الحكم، دفع بالكثير من العلماء والوجهاء لخوض ميدان السياسية وتجربة الحظ في السباق نحو “كرسي الخلافة”، فقبل ثورة محمد وشقيقه ابراهيم ابنا عبد الله بن الحسن، المعروفة ضد العباسيين للأخذ بزمام المبادرة السياسية منهم بعد انهيار الدولة الاموية، كان أولئك الطامحين للسلطة قد بادروا لعرض مشروعهم الانقلابي على الامام الصادق، وكان هذا بعد موت عبد الملك بن مروان، وهم يرفعون شعار الحرب على الظلم والطغيان ونصرة الحق، وقد جاء حديث رسول الله الذي صدرنا به المقال على لسان الامام الصادق، في ختام حديث مطوّل مع وفد “المعارضة السياسية” وقد خبرهم في عقيدتهم أولاً؛ ثم في معرفتهم بالاحكام الاسلامية، وحتى سيرة نبيهم، فكانوا خواء في كل ذلك.

وفي كتابه القيّم؛ الامام الصادق من المهد الى اللحد، أورد آية الله السيد محمد كاظم القزويني –طاب ثراه- نص الحوار الذي دار بين هذا الوفد الذي تشكل من رؤوس المعتزلة منهم؛ عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وحفص بن سالم، وفي ظنهم أنهم يحسنون انتهاز الفرصة واستغلال حالة الارتباك وتشتت الآراء في الشام فيمن يخلف عبد الملك بن مروان، في حين نبههم الإمام الى القاعدة الهشّة التي يقفون عليها، علماً أنهم جاؤوه بواجهة علوية، ظنوا أنها تثير مشاعر الإمام وتدفعه للموافقة، والمتمثلة بنفس محمد بن عبد الله بن الحسن، المعروف بذي النفس الزكية.

نقتطف جزءاً من المحاورة لنر المستوى العلمي والمعرفي لقادة الانقلاب الذين يفترض بهم أن يقودوا الأمة الى الصلاح والفلاح بعد ظلم وانحراف الأمويين، فسأل الإمام الصادق، عمرو بن عبيد:

أخبرني يا عمرو، لو أن الأمة قلدتك أمرها و ولّتك بغير قتال ولا مؤونة وقيل لك: ولّها من شئت، من كنت تولّيها؟

قال: كنت أجعلها شورى بين المسلمين.

قال الامام: بين المسلمين كلهم؟

قال: نعم.

ثم قال له الامام: أخبرني –يا عمرو- أتتولّى أبا بكر وعمر، أم تتبرأ منهما؟

قال: أتولاهما

فقال له: فقد خالفتهما!

قال: كيف؟

قال له الامام: قد عهد عمر الى أبي بكر فبايعه ولم يشاور أحداً، ثم جعلها عمر شورى بين ستّة وأخرج منها جميع المهاجرين والانصار غير أولئك الستة من قريش، وأوصى فيهم شيئاً لا أراك ترضى به أنت ولا أصحابك اذا جعلتها شورى بين جميع المسلمين.

ثم بين له الإمام كيف هدد عمر من لم يكون معارضاً على التصويت لشخص واحد أن يضرب عنقه في قصة معروفة في التاريخ.

فأسقط في يدي هذا المعتزلي والسياسي الحديث العهد بالسياسة وايضاً جماعته “فخرجوا صاغرين”.

لا نزاهة مع الظالمين
مفهوم السياسة بيّن وجلّي عند الامام الصادق، فقد تجسدت في أروع صورها وأكمل مواصفاتها في عهد جدّه النبي الأكرم، ومن بعده أمير المؤمنين، وكيف أن السياسة كانت الوسيلة لنشر قيم السماء، والحدّ من الظلم والبغي والتجاوز على الحرمات وحقوق الآخرين، وبالمحصلة؛ فهي لخدمة الانسان، وليس في خدمة السياسي نفسه، فقد كان أمير الؤمنين مثال السياسي الورع والنزيه والفاضل، مع كل الصفات والخصال الاخلاقية، بيد أنه لم يستخدم السياسة لخدمة مصالحه الشخصية، بل وحتى لم يستفد منها للحفاظ على حياته، كما يفعل جميع الساسة اليوم، وفي جميع الازمان.

ولذا نجد البعض يتصور أن مستواه العلمي، وتجاربه، ومعارفه تشفع له في عدم الانزلاق فيما انزلق فيه غيره في دهاليز السلطة، من محاصصة، واستئثار بالاموال تحت مبررات ومسوغات عدّة.

فهذا أحد العبيد الذين حررهم الإمام زين العابدين، عليه السلام، زار الامام الصادق في الكوفة، واستشاره بالحصول على وظيفة حكومية، فمنعه الامام من مغبة التفكير بهذا، فخرج من عند الامام وذهب الى بيته وراح يفكر بأن ممانعة الامام لحصوله الوظيفة في حكومة الظالمين، خوفاً عليّ من ارتكاب الجور والظلم مثلهم، فعاد الى الإمام في اليوم التالي، وهو يحمل اليه الأيمان الغليظة بأنه لن يشترك في ظلم او جور خلال عمله الوظيفي، فلما ألحّ عليه بألايمان الغليظة رفع الإمام رأسه الى السماء وقال: تناول السماء أيسر عليك من ذلك”! بمعنى استحالة الحؤول دون الانزلاق في دهاليز الظلم والجور عند مجالسة من لا يهمه استلام رواتب ومخصصات وامتيازات بالملايين فيما يفتقد البعض الى سقف لبيته يقي أطفاله حرارة الشمس، ومطر الشتاء، ومن هو لا يجد المبلغ اللازم لمعالجة مريضه المشرف على الموت.

من هو عمر بن عبد العزيز؟
مما يؤسف له من بعض مثقفي الشيعة؛ من علماء وباحثين يهدون رداء النزاهة والعدل، والفضيلة لكل من سجل موقفاً ليناً وايجابياً مع الشيعة في التاريخ، ولو أن الامر مفهوماً الى حدٍ كبير، عندما يكون الشيعة تحت ضغط مريع من القمع والاضطهاد والمطاردة والقتل، بيد أن هذا لا يعني –بأي حال من الاحوال- عدم التفحّص في التاريخ للخروج بنتائج دقيقة تكشف الحقائق بعيداً عن مؤثرات المشاعر والعواطف، فكما ينظر البعض الى المأمون العباسي على أنه شخصية ايجابية تختلف عن سائر الحكام العباسيين، فان هنالك نظرة مماثلة الى عمر بن عبد العزيز، الحاكم الأموي الذي تسلم الحكم من سليمان بن عبد الملك سنة 99للهجرة، ومات سنة 101للهجرة، فقد بقي عامين فقط في الحكم.

يتحدث عنه السيد كاظم القزويني في كتابه بأنه كان “يعيش الترف والبذخ ويبذل الاموال الطائلة في سبيل مأكله ومشربه، حتى ذكر أنه كان يلبس الثوب الذي اشتراه بأربعمائة دينار ويقول: ما اخشنه؟! وكان قد تقنّع بقناع الدين والصلاح، مقدمة تمهيدية لوصوله الى السلطة”.

وما يكشفه السيد القزويني في كتابه يؤكد لنا تطابق شخصية بن عبد العزيز وشخصية المأمون الذي وصل الى قمة الحكم بعد تعرض الدولة العباسية الى تصدعات خطيرة بسبب كثرة المظالم في عهد أباه الرشيد، ثم اخاه الأمين، وشدة الانحرافات عن الدين والاخلاق مما دعاه لنقل مقر الخلافة الى خراسان، وهي خطوة غير مسبوقة في تاريخ الدولة الاسلامية حيث كانت العاصمة تراوح بين الحجاز والعراق، فسارع الى خطوات ترقيعية لإخفاء الوجه البشع للعباسيين، كان أبرزها تنصيب الامام الرضا ولياً للعهد، ونفس الموقف كان عليه عمر بن عبد العزيز، فقد كانت الدولة الأموية “مهددة بالسقوط، والاوضاع الاقتصادية متردية، والضرائب باهضة، أثقلت كاهل المسلمين، والأمن مفقود، وانتشار القتل والارهاب، الامر الذي دعاه الى تخفيف الضرائب، وتعديل الخطاب السياسي مع الشيعة، وابرز ما فعله لكسب ودّ الشيعة وضمان موقفهم الايجابي منه، إصداره الأمر بحظر لعن أمير المؤمنين من على المنابر والذي قد ساد قبله حوالي سبعين عاماً، كما بادر الى إعادة فدك الى ولد علي وفاطمة، عليهما السلام، الى جانب اعطاء هامش من الحريات والتخفيف من حدة القمع والاضطهاد المعروف من الحكام الأمويين.

ولكن هذا لن يشفع لابن عبد العزيز ولا لغيره ممن يصولون ويجولون في أروقة القصور المبنية على آلام وآهات المعذبين والجياع، فقد كشف الامام الباقر، عليه السلام، حقيقة هذا الرجل في وقت مبكر عندما رآه في المسجد النبوي، وكان صغيراً في السن، فقال، عليه السلام: “لَيلَينّ هذا الغلام –أي سيتولى السلطة- فيُظهر العدل، ثم يموت، فيبكي عليه أهل الارض ويلعنه أهل السماء، يجلس في مجلس لا حق له”.

إن قضية محورية مثل القيادة لن تسلم في معاييرها إلا اذا تطابقت مع نموذج سامٍ ومتكامل مثل حكم أمير المؤمنين، ومن قبله؛ ما مارسه رسول الله من الادارة والحكم وسياسة العباد والبلاد، فالقضية ليست بالسهولة التي يتصورها البعض ظانّاً بالاجتهاد والتحليل وسيلة لخلق معيار جديد للسياسة والحكم يتوافق مع الظروف الراهنة بغض النظر عن طبيعة هذه الظروف، والواقع المفروض على الامة، بما يسوّغ لاصحابها تبرير هذه الفكرة، وذلك القرار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى