أحدث الأخبارالعراقمحور المقاومة

موقف الرأي العام المكوناتي العراقي من الحركات الإسلامية المكوناتية

مجلة تحليلات العصر الدولية - علي المؤمن

نشير ــ ابتداءً ــ الى أن موضوع البحث إشكاليٌّ ومتشابك منهجياً، ولذلك ينبغي تفكيكه وفض التشابك بين ظواهره، للوصول الى النتائج العلمية المطلوية. ويعود ذلك لسببين:

الأول: عدم وجود رأي عام عراقي في أية ظاهرة أو قضية داخلية وخارجية؛ لأن الرأي العام العراقي مقسّم مكوناتياً وفق التقسيم المكوناتي الثلاثي المتعارف للشعب العراقي، فهناك رأي عام سني عربي ورأي عام سني كردي ورأي عام شيعي، لكل منها همومه وهواجسه وطموحاته وتطلعاته وأنساقة وسياقات تشكيله الخاصة. وبالتالي؛ لايوجد رأي عام وطني شامل. لكن هناك قواسم مشتركة بسيطة بين أقسام الرأي العام المكوناتية هذه، يمكن أن تشكل شبه رأي عام وطني حيال قضية أو واقعة معينة.

الثاني: عدم وجود حركة إسلامية عراقية واحدة تنتمي الى اجتماع ديني واحد، بل هناك حركة إسلامية شيعية وحركة إسلامية سنية عربية وحركة إسلامية سنية كردية. وبالتالي؛ لاتوجد حركة إسلامية عراقية يمكن أن يكون هناك رأي عام عراقي شامل تجاهها أو تجاه قضاياها وماتفرزه من ظواهر، فلكل مكون رأي عام غالب تجاه كل من هذه التقسيمات الحركية الإسلامية.

والفصائل الحركية الإسلامية المقصودة في البحث هي الفصائل الأساسية التالية:
1- الحركة الإسلامية الشيعية: أهم فصائلها: حزب الدعوة الإسلامية، التيار الصدري، منظمة بدر، المجلس الأعلى الإسلامي، حزب الفضيلة، تيار الحكمة، حركة عصائب أهل الحق، فصائل الحشد الشعبي الشيعية، الإتحاد الإسلامي لتركمان العراق والمؤتمر العام للكرد الفيليين.

2- الحركة الإسلامية السنية العربية: أهم فصائلها: الحزب الإسلامي وغيره من الجماعات الممثلة لفكر جماعة الإخوان المسلمين وبعض الجماعات السلفية السياسية.

3- الحركة الإسلامية السنية الكردية: أهم فصائلها: الجماعة الإسلامية والإتحاد الإسلامي الكردستاني.

ولا ينطبق التصنيف المذكور على الجماعات السلفية الجهادية (الوهابية)، كمنظمة القاعدة وتنظيم داعش؛ لأنها تنظيمات موسمية إرهابية مسلحة وليست حركات إسلامية في المفهوم المتعارف للحركة الإسلامية، رغم أنها تصنف نفسها ممثلة حصرية للإسلام عموماً وأهل السنة خصوصاً.
وبناء على التفكيك المكوناتي المذكور للحركات الإسلامية العراقية، فقد استدعت الضرورة المنهجية أيضاً تفكيك مواقف كل رأي عام مكوناتي من كل حركة إسلامية مكوناتية. ولكننا؛ ركزنا على موقف الرأي العام الشيعي من الحركة الإسلامية الشيعية؛ لأنهما الفاعلان الأساسيان في الاجتماع السياسي العراقي الحالي، ولأن الصراع الدائر بعد العام 2003 ظل مركّزاً على كسب الرأي العام الشيعي أو صناعة أو توجيهه، وخاصة فيما يرتبط بموقفه من الحركة الإسلامية الشيعية.

* الرأي العام السني العربي:

موقف الرأي العام السني العربي من الحركة الإسلامية الكردية السنية هو موقف متشابك؛ لأن الجمهور السني لايفرق غالباً بين الأحزاب العلمانية الكردية والحركات الإسلامية الكردية؛ فهم بالنسبة له كرد فقط، والموقف منهم كانت تصنعه مواقف النظام في بغداد من الكرد، بسياساته وإعلامه وفتاوى مؤسسته الدينية. ولكن بعد العام 2003 بات هذا الموقف ناظراً الى الحضور الشيعي في السلطة المركزية.

أما موقف الرأي العام السني تجاه الحركة الإسلامية الشيعية فهو يستند الى اتجاه عام سني موروث، أو بالأحرى الى وعي تاريخي نمطي تراكمي سلبي. وقد كرّست سلوكيات الدولة العراقية الطائفية هذا الوعي بعد العام 1921، وضخّمته في زمن سلطة البعث الأولى، ووصل ذروته خلال سلطة البعث الثانية بعد العام 1979. وكانت أهم عناصر إعادة تشكيل هذا الوعي وتضخيمه:
أ‌- إعلام الدولة وسلوكها
ب‌- الحرب العراقية الإيرانية
ت‌- المؤسسة الدينية السنية الرسمية
ث‌- تفاعل الوعي التراكمي التاريخي.

وقد ظل موقف الرأي العام السني العربي متماهياً مع أدبيات الدولة العراقية وسلطتها في النظرة الى الإسلاميين الشيعة، لأن الرأي العام السني كان حتى العام 2003 حاضناً للرأي العام الذي تصنعه مؤسسات الدولة، كونها دولة سنية وتفرز سلطات طائفية سنية تلقائياً وخطاباً طائفياً سياسياً. فكان خطاب الدولة والرأي العام السني العراقي يشتركان في توصيف الإسلاميين الشيعة بأنهم إرهابيين، عملاء، خونة، شروك، عجم. حتى أن مفردة (عجمي) التي تعني (إيراني)، تحمل دلالة في الوعي السني العراقي الحديث أسوء بكثير من مفردتي (اليهودي) و(الصهيوني)، وهكذا بالنسبة لمصطلح (شروكي)، الذي يوصف به المواطن الجنوبي العراقي، فهو يعني الإنسان المتخلف البدائي في فكره وسلوكه وملبسه.

والملفت للنظر أن سياسات الدولة العراقية وقوة الضخ الدعائي لسلطاتها، وخاصة خلال فترة حكم البعث، تسببت في تسرب كثير من أدبياتها الى جزء من الجمهور الشيعي في الوسط والجنوب، وهو الجزء الذي تشرّب ثقافة السلطة وحزب البعث، حتى بات متماهياً مع الرأي العام السني في الموقف من الحركة الإسلامية العراقية.

وازداد الموقف السني السلبي النمطي، احتقاناً ونفوراً من الحركة الإسلامية الشيعية بعد العام 2003، بسبب حضور الإسلاميين الشيعة في مفاصل الدولة العراقية التي يعتبرها الرأي العام السني دولته وخندقه وسلطته، في حين لم يكن الشيعي عموماً والشيعي الإسلامي خصوصاً يزاحمان السني في السلطة ويشاركانه في قيادة البلد قبل العام 2003، بل كان جزء من الشيعة يحارب من أجل السلطة السنية ويصدح بالأشعار والأغاني، إيماناً أو خوفاً. وإذا كان الرأي العام السني قبل العام 2003، يعد الشيعة المصطفّين مع البعث ضد المرجعية الشيعية أو ضد الإسلاميين الشيعة أو ضد إيران، بأنهم حطب حروب البعث، وأنهم عبيد ومغفلون ومسخّرون، كما يعد الشيعة المعارضين للبعث بأنهم إرهابيين وعملاء وخونة وعجم وشروك؛ فكيف به وهو يرى هولاء الشيعة العجم والشروك والخونة وقد أصبحوا شركاء للسنة في قيادة الدولة والحكم بعد العام 2003؟!. لذلك؛ كانت افرازات السلوك السياسي السني المحتقن أزاء هذا التغيير والرافض له وللعراق الجديد برمته، هو تعبير عن وعي العقل السني بذاته وبالآخر المختلف مذهبياً (الشيعة) أو المختلف قومياً (الكرد).

* الرأي العام الكردي السني:

ظل موقف الرأي العام الكردي السني قبل العام 2003، متعاطفاً مع الشيعة عموماً والتيار الإسلامي الشيعي خصوصاً. وقد صنع هذا الرأي عناصر كثيرة، أهمها:
أ‌- المواقف الإيجابية للمرجعية النجفية والحوزة العلمية من قضية الكرد
ب‌- المظلومية المشتركة التي كان الشيعة والكرد يعانيانها من سلطة بغداد
ت‌- النضال المشترك ضد سلطة البعث
ث‌- الخطاب الإعلامي والسياسي المتعاطف المشترك.

ولكن؛ حدث تبدل تدريجي في الرأي العام الكردي تجاه الشيعة عموماً بعد العام 2003، نتيجة المماحكات والتباينات السياسية وتضارب المصالح، حتى بات الرأي العام الشيعي يعد نفسه ممثلاً عن العراق الجديد وأميناً على دولته وحريصاً على مصالحه، وأن الكرد يعملون ضد مصالح الوطن. وانعكس ذلك على شكل حرب إعلامية ودعائية ساهمت بشكل كبير في إعادة تشكيل الرأي العام الكردي تجاه الشيعة عموماً والحاكمين الإسلاميين الشيعة خصوصاً. وكان التوجيه الإعلامي والدعائي والسياسي البعثي والمحلي والإقليمي السني المنظم، يساهم بقوة في تكريس الوعي السلبي الكردي تجاه الشيعة.
بيد أن الرأي العام الكردي هذا ليس مستقراً وثابتاً، بل هو عرضة للتحول والتغيير، وفق المواقف والأحداث، أي أنه ليس وعياً تراكمياً تاريخياً أو اتجاهاً عاماً، بل هو وعي انفعالي مؤقت صنعته المواقف والأحداث.

^ الرأي العام الشيعي:

لايلتفت الرأي العام الشيعي ــ غالباً ــ الى الفرق بين الحركات القومية والعلمانية السنية العربية والحركات الإسلامية السنية العربية، إذ يصنِّفهم مذهبياً ويعدّهم جميعاً سنة. وهكذا بالنسبة الى نظرته الى الكرد وحركاتهم؛ فهو لايصنفهم مذهبياً، بل قومياً فقط. وهكذا هي نظرة الرأي العام الكردي السني والعربي السني الى الشيعي، إذ يصنفانه مذهبياً ولايلتفتان الى التنوع القومي الشيعي، فالشيعي عندهم هو شيعي، سواء كان كردياً أو فيلياً أو تركمانياً أوعربياً أو شبكياً. ولذلك؛ فإن موقف الرأي العام الشيعي من الحركة الإسلامية الكردية والحركة الإسلامية السنية، هو الموقف نفسه من الكرد والسنة عموماً، والأحزاب الكردية والسنية خصوصاً.

وربما تكون التصنيفات المذكورة أقرب الى الواقع، وهي تتطابق مع تصنيف المكونات الثلاثة لأنفسها أيضاً، إذ يصنف الكرد أنفسهم قومياً غالباً، كما يصنف الشيعة والسنة العرب نفسيهما مذهبياً غالباً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى