أحدث الأخبارالعراق

موقف المرجعيّة من الانسداد.

محمّد صادق الهاشميّ
١٨/أيّار/٢٠٢٢

ينقسم الشيعة في العراق الآن إلى أقسام في تفسير موقف المرجعية من الانسداد،فمنهم من يقول إنّ المرجع أعرف بتكليفه،ومنهم من يقول أنّها أنهت علاقتها بالسياسيِّين ولم تدّخر جهدًا لتقوله في المرحلة المتقدمة، ومنهم من يقول أنّ الانسداد لاينتهي إلّا بها وإلّا فإنّ حتميّة انهيار العملية السياسية واردٌ جدًا، وسقوط الدماء أقرب ورودًا،وغير ذلك من التفاسير، وهنا عدد من الملاحظات :

١- المرجعية هي من أسّست العهد الجديد في العراق وأشرفت عليه مرحلةً مرحلة لبناء الدولة العراقية،وتأسيس دستور ضامن آمن للجميع وجميع المكونات،وهي من استمرّت بالتوجيه والنصح والإرشاد حتى لا تصل النوبة الى الانسداد،ولكن عدم الطاعة حال دون تجنّب ما نحن عليه اليوم، مع هذا أنّي لا أدّعي أنّ المرجعية تقف متفرّجة على مصير أُمّة يكاد أن ينتهي؛ بل ندرك أنّها أشدّ منا جميعًا حرصًا على الإسلام والمسلمين،ولكن لماذا لا تنظر الأُمّة الى تقصيرها؟!


٢- بخصوص الانسداد فإنَّ المرجعية عبر تأريخها لم تترك مجالًا للتوجيه حتى لاتصل الأمور الى ما وصلت إليه اليوم، وفي آخر بيان دعى المرجع الجمهور الى المشاركة الفاعلة، وقد حذّر حال عدم المشاركة من الانسداد الذي نعاني منه اليوم، فلماذا تراخت الأُمّة ولم تسمع تحذير المرجع واليوم تطالبه برفع الانسداد؟!

٣- كلّ مـــن ينتقد المرجعية أو يلومها فإنّــه ــ بالتاكيد ــ عليه أن يراجع البيانات والمواقف التي صدرت من المرجع ومن مكتبه منذ عام (2005) وتحت إشرافه ليتأكّد من أنَّ المرجعية لم تترك مجالًا للنصح والتوجيه، وليدقِّق الجميع بإنصاف ومن دون الميل الى المجاملات والميل النفسي ليرى ماذا طبّق القوم من كلام المرجع بخصوص الخدمات والوحدة والاهتمام بالمواطن ومغادرة الفساد وطلبها في الاعتماد على الخيّرين والطاقات المؤمنة،وحثّها في السير إلى بناء الدولة والترفّع عن المغانم وترجيح مصالح العراق ودولته وشعبه على المصالح الخاصة، فقد أحصيتُ ــ وبمراجعة لخطب المرجع الاعلى ــ فوجدتُ أنّها وضعت برنامجًا ونهجًا ومنهجًا يتضمّن كلّ ما ينهي الانسداد ويقوّي التأسيس لدولة العراق،إلّا أنَّ الأمر بقي دون تطبيق .

٤- فيما يخصّ الانسداد الذي عليه الحال السياسي الآن هل نحتاج الى فتوى مرجع في الأمور الواضحة بأنّ ضمان حق الشيعة ينطلق من الاشتراك الكلّي لتأسيس الحكومة حتى يُقال هناك أمر يحتاج الى موقف المرجعية؟

وهل سيستجيب القوم حال صدور أي توصية أو بيان الآن بينما هم القوم نفس القوم في عدم الإصغاء؟

أيُّها الأُخوة! أكتبُ هذا المقال بروحٍ صادقة دون مجاملة وأقول : نعم نحتاج الى بيان المرجعية في الأحوال كلّها، ولكن يبقى الكلام والبون كبير بين صدور رأي المرجع وبين تطبيقه والاستجابة له، وفي حال عدم الاستجابة له فإنّ رصيد الشيعة ينتهي ولم يبقَ لنا ما نرجع اليه عند الملمّات،وخير دليل أنّ المرجعية دعت الجمهور الى المشاركة في الانتخابات،وحذّرت من الانسداد ولكن ببالغ الأسف كانت الاستجابة دون المستوى، ومن يتصور أنّه قادر على الاستقواء بالسلاح والشارع فإنّ السلاح والشارع اليوم لايترك رابحًا.

أنا أحد الذين تحدّثوا عن موقف المرجعية، وطرح العديد من الاسئلة في هذا الخطب الداهم، إلّا أنّي أوجّه كلامي الى الجمهور، والسياسيّين،وإلى نفسي بالقول: هل ستستجيب الأحزاب لقول المرجع؟ والجواب واضح من خلال المواقف التي اتّخذها القوم دون مراعات توجيهات المرجع.


ومن هنا نحتاج جميعاً الى مراجعات جادّة لثقافة الجمهور والأحزاب، ورفع منسوب طاعتهم للمرجعية،وأَمَلي أن لا يستمر القدح بالحوزة والمرجعية حتى لا تسقط المرجعية جثة دون تأثير، وبالتأكيد إنّ المرجعية أحرص مِنّا جميعًا على الدماء والمستقبل السياسي الذي بنته بنفسها فلا داعي للقلق .

ومَن أراد موقف المرجعية حتى يطيع عليه أن يطيعها في كلّ شيء صدر عنها سابقا؛ فهي التي طالبت بإنهاء الفساد واللّجان الاقتصادية واحترام الدولة وعدم تحويل الوزارات الى مغانم،والتوجه الى الفقراء والمحرومين وإنهاء الطبقيّة،فأين أنتم من هذا ــ وأستثني البعض ــ فلا يحق لأحد أن يطالب المرجعية بموقفٍ ما منكم وهو يبني وجوده المالي والسياسي كأحد السلاطين بما يمتلكه من عقارات وتجارة من قوت الشعب العراقي .(( وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ))
نختم بالقول أيُّها الجمهور والسياسيّون عليكم بمراجعة ثقافتكم ومقدار طاعتكم للمرجعية كلّ المرجعية في النجف وقم، فالمرجع الخامنئي يعيش حياة الفقر، والمرجع السيستاني يعيش في بيت خَرِب استأجره هو وأُسرته، فما عليكم إلّا الاقتداء به ليحقَّ لكم الطلب من المرجعية التدخّل،فليس من الدين أن تؤمنوا ببعض الكتاب وتكفرون ببعضه .

سيّدي المرجع الكبير أيُّها الأب والقلب الحاني، ليس لنا سواك في الدنيا فأنتَ الملجأ الحصين الذي نلجأ اليه ((يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ))

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى