أحدث الأخبارلبنانمحور المقاومة

مَن سيخلُف السيد نصرالله ورعيلهُ في قيادة حزبُ الله؟

مجلة تحليلات العصر الدولية - إسماعيل النجار

سؤال يخطر ببالي منذ زَمن وحاولت جاهداً أن أقوم بفتح خزنة ذاكرتي ونبش مآ تحتويه من معلومات قَيِّمة عن شخصيات كانت هي المبادرَة بتأسيس هذه المقاومة،
رِجالٌ منهم مَن قضَىَ نَحبَه، ومنهم مَن ينتظر وما بدلوا تبديلآ،
أيضاً قمت بجولة فكرية عميقة جداً نبشتُ بها ذاكرتي لتاريخ هذا الحزب ووجوه مؤسسيه وركزت على التحولات السياسية الكبيرة التي مَرَّ بها خلال مسيرته الطويلة منذ العام 1982 لغاية اليوم،

وصلت إلى بعض النتائج القَيِّمَة نتيجة إعادة رسم صورة الشخصيات التاريخية بذاكرتي التي إنطلقت من خلالها،
وركزت كثيراً على مسيرة هذا الحزب وعلى التلاحم الإجتماعي الكبير بينه وبين البيئة الحاضنة له من الجهتين :
(“العاطفيه” “العقائدية”)،
(والسياسية، “النمطية”) التي يمارس سياساته من خلالها على مستوى الداخل اللبناني وعلى مستوَى الإقليم،

في ظِل محاولات كبيرة قامت بها قيادته للفصل الجَدِّي بالتعاطي السياسي والعسكري بين مُكَونين أساسيين معاديين لهُ،
أحدهما داخلياً أعتبرهُ حزب الله خصماً سياسياً وليس عدواً رغم حِدَّة الخلاف بينهما،فقط كونه يتشكل من نسيج المجتمع اللبناني،ولإعتبارات تعود أسبابها إلى حرصه الشديد على العيش المشترَك والسلم الأهلي وتَمت ترجمته فعلياً على الأرض خلال تحرير منطقة الجنوب في ٢٥ أيار عام ٢٠٠٠….

ومُكوِّنٌ آخر خارجي هم الصهاينة الذين تم تصنيفهم في خانة الأعداء بحُكم الصراع المرير مع الكيان الغاصب والذين يشكلون عاموده الفقري وعصب حياته السياسية وممارساته اليومية.

إلتَفَّ الشيعة العقائديون والعلمانيون حول حزب الله وأيدوا مسيرتهُ وحفظوا له إنجازاته، ولم يبخلوا عليه بالدعم السياسي والمالي حتى بفلذات الأكباد.
كما إلتَفَ حوله الكثير من اللبنانيين من جميع ألوان الطَيف والمجتمع لوعيهم باكراً دوره الوطني والريادي الكبيرين،
ووعيهُم أهداف الكيان الصهيوني الطامعة في المنطقة العربية وثرواتها،
فأصبحَ وخلال سنوات يُشكِلُ رأس حربة مقاومَة إسرائيل،
إذ تحوَّل بعد فترة قصيرة من مقاومة تقاتل من أجل دحر العدو إلى قوة تصنع المعادلات وتحمي الثروات،
ثمَ إلى قوَّة إقليمية لها دورها وحضورها تَمت تجربتها خلال الغزو الداعشي السعودي للعراق وخلال الحرب الكونية على سوريا،

أثبت حزب الله قوتهُ وجدارتهُ وقدرتهُ وثباتهُ ونجاحهُ في كل الميادين على إختلافها،
حتى باتت دوَلٌ كثيرة ومنها روسيا العُظمَىَ تُعوِّلُ عليه في الكثير من الملمَّات الصعبة وتعتبرته حليفاً صادقاً قديراً يُعتَد بهِ ويُحسب له الف حساب،
أصبَح حزبُ الله يشكلُ خطراً إستراتيجياً على المصالح الأميركية في المنطقة،
وخطراً وجودياً يهدد أصل الكيان الصهيوني الغاصب، الأمر الذي أيقظَ رجعية العربان وصهيونيتهم التي كانت متجمدَة!.

منذ العام 1992 أنتخِبَ السيد حسن نصرالله أميناً عاماً للحزب ولا زال لغاية اليوم،
حيث إستطاع بقوَّة شكيمتهِ وشخصيتهِ وَبلاغتهِ وطلاقتهِ وصدقهِ وشجاعتهِ، من جمع كافة أفراد ومكونات المجتمع الشيعي تحديداً حوله في بلوكٍ كبير وصَلب قَلَّ نظيرهُ، وشَكَّل طوقاً حديدياً يصعُب إختراقه بسهولة.

وأصبحت البيئة الحاضنة للمقاومة بيئة فولاذية يصعُب إختراقها أيضاً لدرجة أن شخصية السيد نصرالله التي أثَرَت بهم كإشعة الشمس وحوَّلَت كل فرد من الطائفة الشيعية الى وسيلة إعلامية مُدافعه عن الحزب، ويَد منتجة تدعمه، وعين تراقب وتنقل المعلومات الى أجهزتهِ،
وذلك بسبب إيمانهم المطلق بخطهِ الذي يمثل فكره وعقيدتهُ التاريخية،
بعد استشهاد ولده السيد هادي وأُسِر جثتهُ من قِبَل الصهاينة، رفض سماحته إعتبار أسرها من قِبَلهم صيداً ثميناً تحوَّلَ لدى إسرائيل إلى مادة إبتزاز بوجه المقاومة،
فكان القرار من سماحته أن الشهيد هادي ليسَ أفضل من رفاقه الشهداء الأسرَىَ بل هوَ واحدٌ منهم من دون أيَة أفضلية،
كما أكدَ سماحة الأمين العام أنه لن يقبل بالمقايضة عليه إلَّا كفرد من أفراد الحزب المقاومين الشهداء الذين تحتفظ إسرائيل بجثثهم.

وصَلَ إيمان اللبنانيين عموماً والشيعة خصوصاً بالسيد نصرالله إلى حَد التسليم المُطلَق بكل ما تمتلكه هذه الطائفة من مقومات وطاقات بشرية ومادية وامتيازات،
حتى أصبحت قوَّة الحزب الجماهيرية أكبر بكثير من قدراته الصاروخية والعسكرية ووصَلَ عديد أفراده المدربين والمجهزين عشرات عشرات الآف من المقاتلين في كافة القطاعات العسكرية والتعبئة وغيرها.

شارفت أعمار قيادات مَن تَبَقوا على رأس قيادة الحزب ما فوق الستين عام بدءً من السيد نصرالله، والشيخ نعيم قاسم، والسيد ابراهيم أمين السيد، والشيخ محمد يزبك، والسيد هاشم صفي الدين، والحاج عبدالهادي حماده، وغيرهم من الموجودين خلف الجدار السميك.
يتبعهُم بالتراتبية جيلٌ أصغرَ منهم سِنَّاً من الرعيل الثاني يسيرون خلفهم وعلى أثارهم خطوةً بخطوَة.

إسرائيل التي عجِزَت لفترات طويلة عن إغتيال سماحة السيد نصرالله،
ونتيجة خوفها من الإقدام على العملية التي لا تعلم ولم تستطِع وضع سيناريو دقيق لعواقبها إذا ما فعلتها،
فضَّلَت اللجوء الى مراكز الدراسات الإستراتيجية لتشير عليها ما هوَ الأمر الأفضل للقيام بهِ،
وهذا ما تعتمده دائماً دوائر القرار الصهيونية. والتي أكدَت بأغلبيتها على الصبر الإستراتيجي للوصول إلى نهاية سعيدة لإسرائيل بموت طبقَة قيادية مؤثرَة على رأس الحزب ولو بعد سنوات،
وإستلام طبقة أخرىَ بديلة عنها تسمى بالرعيل الثاني من أصحاب الأيادي “الناعمة” فيه، حسب ما تسميها الدوائر الصهيونية، والتي حسب إعتقادها أن هذه الشخصيات لَم تَعتَد الخشونة،
بَل اعتادت ركوب السيارات الفاخرة، والسكن في الشقق الفخمة المُريحة والتي يسهُل الوصول إليها وتطويعها وتهديدها وترويضها ثم اقتيادها إلى نفس الحُفرة التي وقعَ بها ياسر عرفات ومنظمته نتيجة الرفاهية المطلقة التي تحولوا إليها وكانوا يعيشونها والتي أصبحت بعيدة كل البُعد عن نمط حياة القائد المقاوم،
منظمة التحرير الفلسطينية وقعت بهذا الفخ حيث جَرَّها تغاضي ياسر عرفات عنهم وعن حياة التَرَف التي كانوا يعيشونها وعن رفاهيتهم خلفه الى الحفرة الصهيونية التي لَم تُبقي من المنظمَة إلٍَا إسمها والتي تحاول إسرائيل اليوم مَحو هذا الإسم عبر استبداله بإسم السلطة الفلسطينية تمهيداً لموتهِ نهائياً ودفنهِ بعدما مات منذ اوسلو سريرياً.

إذاً إسرائيل تمسكت بالصبر الإستراتيحي في مقابل التهديد الوجودي لها من حزب الله بقيادة السيد حسن نصرالله،
وهيَ اليوم وتحديداً بعد الحصار المالي على لبنان والتحولات الكبيرة في المزاج الشعبي اللبناني والبيئة الشيعية نتيجة الضائقة الإقتصادية التي يمر بها الشعب بدأت تَنكَب على دراسة مَدَىَ تأثير رحيل السيد نصرالله على حزب الله لأنها تعتبر أن ما تبقىَ من جمهور يلتف حول هذا الحزب ينقسم الى عدة فئات،
منها فئَة تجذبه شخصية السيد القائد نصرالله سينتهي تأييدهُ للمقاومة مع رحيله عن الحياة،
ومنهم مَن هوَ مستفيد مادياً سيبتعد ما إن تأمَنَت له بدائل أو فُرَص أفضل،
ومنهم مَن سيرىَ أن حزب الله أصبح أوهن بكثير بعد رحيل السيد نصرالله، ونتيجة إستلام القيادة البرجوازية الناعمة للقيادة، سيُفَضِّل البعض الإبتعاد عن الحزب لأنه يعتقد أنه بقيادة هؤلاء سيذوب في الرخاء وليسَ في المقاومة وسيذوب هوَ وينتهي معهم،

هذا هو رأي الباحثين الإسرائيليين الإستراتيجيين، والعقل الصهيوني البارد الذي يرسم لمئات من السنين الطويلة.

مِن جهتنا نحن سنطرح على قيادة الحزب بعض الأسئلة المهمة،

هل تحَضَّرَت قيادة حزب الله لتلافي هكذا تقديرات صهيونية إن صَحَّت؟

وهل أن مسيرة الحزب ستنتهي برحيل قياداته العملاقة هذه التي صنعت القوة والعز والانتصارات وعلى رأسهم الأمين العام السيد نصرالله شخصياً؟

وهل حزب الله اليوم هوَ قوي فعلاً بشخص سيدهِ وأمينه العام فقط وبعد رحيلهُ سيشهد الحزب إنقسامات ومتغيرات قد تُخَيِّب آمال جمهوره وبيئته؟

نحنُ لسنا مؤهلين لأن نضع بين أيدي الناس اجوِبَة إستراتيجية على هذه الأسئلة المُحِقَة وعلى قيادات الحزب التي تُنَظِر له أن تتحدث عنه؟

لكننا نستطيع أن نبدي برأينا الشخصي ونُدلي بدلونا الصغير المتواضع، بحسب ما نرىَ ونسمع ونلمُس خلال ممارسة حياتنا اليومية كأبناء لهذه البيئة العاشقة للمقاومة.
فنحنُ نؤكد أن مسيرة حزب الله ليسَت حالة فريده أو جديدة في هذا العصر إنما هيَ تكملة لسلسلة حلقات تاريخية بدأت مع وفاة الرسول الأكرم عليه افضل الصلاة والسلام،
وثمَ إستشهاد إبن عمه الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه،
وثم تَبِعَهُ أبناؤهُ وأحفاده المعصومين حتى غيبَة الإمام الحُجَة المنتظر،
(عجل الله فرجه الشريف)

1__ عندما توفيَ الرسول الأكرم، انقسم المسلمون وتحاربوا ولم ينته دين مُحَمَّد (ع)
2__وبعد إستشهاد الأئِمَة أيضاً إستَمَرَّت المسيرة ولم تتأثَر بإستشهادهم إنما بقيَت مستمرة ولو جمر قابعٌ تحت الرماد،

من المؤكد أن إرادة الله أصبحت فوق إرادة الجميع وتجسدت هذه الإرادة بولادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في عصرنا هذا، والتي لم تضعف ولم تمُت مع موت مؤسسها الإمام الخميني العظيم،
لا بَل إشتَدَّ عودها وقسى أكثر فأكثَر،

خَط الإمام الحسين المتعلقة جذوره برسول الله وجبرائيل لا ينتهي إلَّا مع نهاية الحياة الدنيا،
لأن خطنا نهج وليسَ أشخاص يُعتَبرون وسيلة لحملهِ والسير به لفترة وجيزَة من هذا الزمان وينتهي الأمر.
لذلك بعد إستشهاد السيد عباس الموسوي لم ينتهي حزب الله،
فأنعم الله علينا بسماحة السيد المُفَدَّىَ،
وبعد رحيلهِ بعدَ عُمرٍ طويل سيحملُ الراية أبناؤهُ المخلصين وليسَ أصحاب الأكُف الناعمة كما يُرَوِّج الصهاينة ولا أصحاب الأنفُس والشخصيات النرجسية التي يراهنون عليها،

حزب الله برأيي أنا ككاتبٍ ومراقب سيتألَّق أكثر وسيبرز دوره الأكبر خلال حملة الدخول إلى فلسطين،
وأن مَن يراهن على تحللِهِ وأنتهائه،
بكل تأكيد أن رجال الله في حزب الله سيشهدون موتهُ هوَ وتحللُهُ هوَ، لأن في هذا الخط وعلى هذا النهج رجالٌ مؤمنون بهِ صادقون على العهد لن يسمحوا ولا بأي شكلٍ من الأشكال ببقاء النرجسيين بين صفوفهم وحتماً هم موجودون وبكثرَة، لكن خط الحسين باقٍ إنشاء الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى