أحدث الأخبارالعراقمحور المقاومة

(مُقاربةٌ استكشافيّةٌ؛ وانسجامُ الحدثِ مع الواقعِ) المَرجِعيّةُ الدّينيّةُ (لَمحةُ تاريخٍ؛ ورُؤيةُ حاضرٍ؛ وَبَصيرةُ مُستقبلٍ ) و(الفاتيكان) في النّجفِ الأشرفِ

مجلة تحليلات العصر الدولية - عَلِيّ الدِّلفيّ

في كُلِّ دولةٍ من دولِ العالمِ تتّجهُ العقولُ إلى استثمارِ مصادرِ القوّةِ في هذهِ الدّولةِ أو تلكَ؛ ولا شكَّ أنَّ المرجعيّةَ الدّينيّةَ في العِرَاقِ منْ أهمِّ وأقوى مصادرِ القوّةِ فيهِ؛ من هنا ونتيجة الصّراعِ على المصالحِ أصبحتِ المرجعيّةُ الدّينيّةُ هدفًا لسِهامِ أعداءِ العِرَاقِ لإضعافهِ ولا سيّما بَعْدَ الفتوى المباركةِ التي أجهضتْ صفحةً مِنْ صفحاتِ مشروعِ الشّرقِ الأوسطِ الجديدِ.
يُحدّثنا التّاريخُ أنَّ السّيّدَ الشّيرازيّ بعدَ إصدارِ فتواهِ بتحريمِ التّنباكِ التي أدّتْ إلى تَحرّرِ الاقتصادِ الإيرانيّ مِنْ (بريطانيا) رُؤيَ حزينًا بعدَ ذلكَ، فلمّا سألهُ البعضُ عن سببِ حزنهِ؟ أجاب ما مفاده: أنَّ الأعداءَ سينتبهونَ إلى قُوّةِ المرجعيّةِ الدّينيّةِ بعدَ أثرِ هذهِ الفتوى مِمّا يجعلهم في شغلٍ شاغلٍ لحياكةِ المؤامراتِ في سبيلِ إضعافِ المرجعيّةِ في أوساطِ المُجتمعِ.
يصفُ بَعْضُ المُستشرقينَ (الشّيعةَ) بأنّهم حزبٌ ثوريّ هدّامٌ، وهذا الوصفُ نِتاجٌ إلى تعارضِ مصلحةِ الشّعوبِ والأممِ التي يمثّلها هؤلاءِ المُستشرقينَ وأدبياتِ القراءةِ الشّيعيّةِ للإسلامِ الثوريّةِ، بَلْ وتعارض هذه المدرسة الشّيعيّة مع الدّولِ الإسلاميّةِ التّاريخيّةِ الثلاثِ (الأمويّةِ؛ والعباسيّةِ؛ والعثمانيّةِ)، ومنشأ التعارضِ أنَّ هذهِ الدّول الثلاث فرضتِ الإسلام الرّسميّ على الشّعوبِ المُتحكّمةِ بها حتّى نادى مناديهم أنَّه برئتِ الذّمةُ من يتبع غيرَ هؤلاءِ الفقهاءِ الأربعةِ وهُمْ: (أبو حنيفة؛ ومالك؛ والشافعيّ؛ والحنبليّ)؛ باعتبارِ هذهِ المذاهب هي الأقربُ في إضفاءِ المشروعيّةِ على فسادِ الحكّامِ وظلمهم، وهنا المدرسةُ الشّيعيّة كانتْ على طولِ الخطّ الرّساليّ في معارضةٍ مع هذهِ الأنظمةِ التي أرادتْ بكلِّ وسيلةِ استئصالِ الشّيعةِ منَ الوجودِ، والتّاريخُ زاخرٌ في عملياتِ الاستئصالِ وفق فتاوى وعّاظ السّلاطين! منْ هنا كانَ الحكمُ الاسلاميّ؛ وهو التقيّةُ؛ بارزًا في أدبيّاتِ الشّيعةِ كوسيلةٍ للحفاظِ على الوجودِ الشّيعيّ، وبالفعلِ نجحَ أئمّةُ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) في الحفاظِ على هذا الوجودِ؛ بل أعطوا لقادةِ شيعتهم بعدَ الغيبةِ الكبرى سبيلًا يتمثّلُ في أنّ التقيّةَ ديني ودين آبائي في الحفاظِ على هذا الوجودِ المباركِ، ولذلك نرى حملاتِ التّشنيعِ والتّسفيهِ من قبل وعّاظ السّلاطين على (مبدأ التقيّةِ) والذي هو إسلاميّ بحت.
وإنَّ قادةَ الشّيعةِ تمحوروا في مدارسَ علميّةٍ اتّخذتْ منَ الدّينِ أساسًا لهــا سُمّيتْ بالحوزاتِ العلميّةِ. وأوّلُ وأشهرُ وأعرقُ حوزةٍ علميّةٍ دينيّةٍ هي حوزةُ النّجفِ الأشرفِ، وكم من عواصفَ عصفتْ بالوجودِ الشّيعيّ وبحوزاتهم ولا سيّما حوزةُ النّجفِ الأشرفِ إلّا إنّها بقيتْ صامدةً وإنْ قدّمتِ الدّماءَ والتّقتيلَ والتّشريدَ لأبنائها وأبناء الشّيعةِ عمومًا.
وبعدَ وجودِ دولةٍ شيعيّةٍ رسمّيّةٍ في العصرِ الحديثِ؛ هي إيران والتي اتّسمتْ بالقوّةِ والمنعةِ لتضارعَ وتتفوّقَ في الممانعةِ على الدّولِ العربيّةِ مجتمعة أو فرادى وحاولَ النّظامُ السّياسيّ العربيّ البدويّ الطّائفيّ محاربتها من خلالِ محاربةِ الشّيعةِ في بلدانهم، فالعراق بنظامهِ (السّنّيّ) السّياسيّ الطّائفيّ شنَّ حربًا على إيران الشّيعيّةِ بدعمٍ عربيّ وخليجيّ لا محدود مع إذاقةِ الشّيعةِ في العِرَاقِ الأمرّين مِنْ تقتيلٍ ومقابرَ جماعيّةٍ وسجونٍ للتعذيبِ لا يمكن تصوّره في الخيالِ؛ والبحرين كذلك ثُمّ نجدُ (آل سعود) قد جيّشوا الجيوشَ مُنْذُ أعوامٍ ضدّ الشّيعةِ الحوثيّينَ.. والتّآمرُ مستمرٌّ إلــى يومنا هذا !!
والتّاريخُ ينبّئنا بأنَّ القياداتِ الشّيعيّةَ والمُتمثّلة بالحوزاتِ تعاطتْ بمنتهى الذَّكاءِ والاحترافِ مَعَ السّلطانِ الغاشمِ لتحافظَ على الوجودِ الشّيعيّ، وهذا التّراكمُ التّاريخيّ؛ الذي يمتدُّ قرابةَ الألفِ سنةٍ معِ تُراثٍ توجيهيّ لأهلِ البيتِ (عليهم السّلام) في سُبُلِ التّعاطي مَعَ الأحداثِ؛ جعلَ مراجعَ الشّيعةِ في الصّفوةِ العُليا من الحكمةِ والإنسانيّةِ؛ وبهذا حَكَمَ منصفو البشريّةِ قاطبةً إلّا فيمن قلبهُ مرضٌ وغرضٌ.
واليوم؛ بَعْدَ فتوى الجهادِ الكفائيّ المباركةِ؛ نجدُ حملةً شعواءَ ضدّ المرجعيّةِ باعتبارها العائق الرّئيس أمامَ مشروعِ الشّرقِ الأوسطِ الجديدِ، وَقَدْ تمّ تجنيدُ أدواتٍ داخليّةٍ؛ ورصدُ أموالٍ خليجيّةٍ طائلةٍ لتحقيقِ إسقاطِ قيمةِ المرجعيّةِ في نفوسِ النّاسِ، وانطلتْ هذه الحملةُ على السُّذّجِ والبلهاءِ لينساقوا مع البروبوغاندات المسلّطةِ على المجتمعِ، ويستسلموا لقصفِ عقولهم؛ ويرحّبوا بنظريّةِ غسيلِ الأدمغةِ من حيث يشعرون ولا يشعرونَ؛ وفاتَ الجميعُ أنَّ التّراكمَ التّاريخيّ لجهادِ الحوزةِ وتعاطيها مع الأحداثِ مع منظومةٍ توجيهيّةٍ لأهلِ البيت (عليهم السّلام) ستجعلُ مستهدفي المرجعيّةِ في المالِ أهلَ الخسارةِ والفشلِ. وها هو الفاتيكان بأعلى سلطتهِ البابويّةِ الدّينيّةِ والسّياسيّةِ المُتمثّلةِ بـالحبرِ الأعظم البابا خورخي ماريو بيرجوليو في حضرةِ حكمةِ سماحةِ السّيّدِ عليّ السّيستانيّ العظيمِ وبصيرتهِ وتواضعهِ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى