أحدث الأخبارشؤون آسيوية

نتنياهو أدخل إسرائيل في أنفاق غزة.. وبايدن ينتشلها

مجلة تحليلات العصر الدولية - سميح صعب

لم تكن دموع النائبة الديموقراطية من أصل فلسطيني رشيدة طليب التي ذرفتها خلال كلمة وجدانية في الكونغرس الأميركي، هي التي حملت الرئيس الأميركي جو بايدن على إجراء 6 مكالمات هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف حربه على غزة، وإنما لأن إسرائيل كادت تدخل في نفق.    لا يُعرف عن بايدن معاناته من نقص في التعاطف مع إسرائيل، وهو القائل إن المرء لا يحتاج أن يكون يهودياً كي يكون صهيونياً، وما فتىء يُردّد أن أهم لقاء أجراه في مسيرته السياسية المديدة، كان مع غولدا مائير عام 1973. وفي عام 2010 خلال زيارة لإسرائيل بصفته نائباً للرئيس السابق باراك أوباما، أعلن نتنياهو في حضوره عن مشروع إستيطاني في القدس الشرقية، في خطوة شكلت إحراجاً كبيراً له، لكن بايدن ابتلع كبرياءه، ولم يوجه أي إنتقاد للحكومة الإسرائيلية. ومرت السنون، وإذا بنتنياهو يقف بشراسة مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في انتخابات 2020. وردّ عليه بايدن بتأخير الإتصال به لمدة شهر من تاريخ دخوله البيت الأبيض وبعد سريان الكثير من الإنتقادات من الجمهوريين الذين شكّكوا في ولاء الرئيس الديموقراطي لإسرائيل. وتجاهل بايدن تحذيرات نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين، ودخل في مفاوضات غير مباشرة مع طهران في فيينا بهدف إحياء الإتفاق النووي لعام 2015، الأمر الذي شكّل أول إفتراق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، على رغم أن الرئيس الأميركي لم يكن يعتزم مقاربة القضية الفلسطينية في ولايته، كي لا يصطدم به مباشرة، ويكرّر تجربة باراك أوباما. أراد نتنياهو اختبار بايدن وفتح معركة حول ولاء الرئيس الديموقراطي لإسرائيل مقارنة بترامب، الذي يراقب ما يجري من ملعب الغولف في منتجع مارالاغو بفلوريدا وأتت أحداث حي الشيخ جرّاح وما تلاها من حرب على غزة لتشكل الإختبار الحقيقي للعلاقة بين الرجلين. بايدن منح الوقت لنتنياهو كي يخرج من الحرب بنتيجة ترضيه وتحفظ له ماء الوجه. بيد أنه مع تعثر إسرائيل في الحرب وتحوّلها إلى مجرد هجمات تطاول المدنيين والأحياء السكنية، لم يعد في استطاعته مماشاته في حملته، نظراً لتصاعد الضغوط عليه من رموز الجناح اليساري في الحزب الديموقراطي، الذين كانوا يريدون من بايدن ان يذهب أبعد في تحذير رئيس الوزراء الإسرائيلي. والخميس الماضي، استلزم بايدن مكالمتين هاتفيتين مع نتنياهو في يوم واحد لحمله على إتخاذ قرار بوقف الحرب، التي من الواضح أن إسرائيل لم تحقق الهدف الذي وضعته نصب أعينها منذ فشل ليلة “الخدعة البرية” التي أرادت منها إصطياد مقاتلي النخبة في “حماس” في الأنفاق، وما تلا ذلك من هجمات لتدمير الأبراج والأحياء السكنية، كان الهدف منها فقط الحط من معنويات الغزيين عبر بث الرعب والدمار. حصد نتنياهو من الحرب عكس ما توخاه. وعدا عن توحيد الفلسطينيين من “البحر إلى النهر” في إضراب عام غير مسبوق منذ 1948، دفع ببايدن إلى إضافة القضية الفلسطينية إلى جدول أولوياته في الشرق الأوسط، بعدما كان الأمر مقتصراً على إحياء الإتفاق النووي مع إيران ووقف حرب اليمن. اليوم، أعادت حرب غزة تسليط الضوء على القضية الفلسطينية، وكذلك على الإستفزازات بحق فلسطينيي الشيخ جرّاح، وفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، ليكتشف الفلسطينيون أنهم كلهم مُحتلون. لم يكن هذا غرض نتنياهو من الحرب. صحيح أنه كان يبحث عن “صورة النصر” في غزة كي يقول للإسرائيليين أنه السياسي الوحيد القادر على حمايتهم وتالياً إفشال أي محاولة لإستبعاده عن رئاسة الحكومة الإسرائيلية، كما أنه كان يطارد “مترو حماس” تحت الأرض، لكنه أيضاً أراد اختبار بايدن وفتح معركة حول ولاء الرئيس الديموقراطي لإسرائيل مقارنة بترامب، الذي يراقب ما يجري من ملعب الغولف في منتجع مارالاغو بولاية فلوريدا ويعد بالساعات موعد الإنتخابات الرئاسية عام 2024 لإستعادة البيت الأبيض. ما يحمل الولايات المتحدة على التدخل فقط، هو عندما ترى أن أمنها القومي مهدد، وإسرائيل جزء لا يتجزأ من الأمن القومي الأميركي وبعد 11 يوماً من الحرب، بات نتنياهو نفسه في حاجة إلى من ينقذه من نفق غزة. والضغط الذي مارسه بايدن كان من قبيل الخوف على إسرائيل من المسار الذي وضعها عليه نتنياهو، وليس من قبيل استفاقة ضمير أميركية على حقوق الفلسطينيين، أو حرصاً على الدم الفلسطيني، على رغم ترداد بايدن اللازمة الوجدانية عن حقوق الإنسان. لكن هذه لازمة موجهة لابتزاز الصين وروسيا وليس إسرائيل. ومن باب التذكير فقط، كانت الولايات المتحدة آخر دولة قاطعت نظام الأبارتهيد في جنوب أفريقيا. ولن تهرع اليوم لتفعل العكس في إسرائيل. لكن ما يحمل الولايات المتحدة على التدخل فقط، هو عندما ترى أن أمنها القومي مهدد، وإسرائيل جزء لا يتجزأ من الأمن القومي الأميركي. وهنا يتعين التوقف قليلاً عند رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي، الذي قال كلاماً واضحاً لنظيره الإسرائيلي أفيف كوخافي، مفاده أن استمرار الحرب على غزة يهدد بتوسعها إلى مناطق أخرى. وفعلاً توسيع الحرب سيجر إلى تورط أميركي فيها، وهذا ما لا يريده بايدن الذي يقول إنه يريد إنهاء “الحروب الأبدية” للولايات المتحدة. هنا حصل التناقض الصارخ مع نتنياهو الذي عينه على إيران ويعلم أنه لا يمكنه الذهاب إلى حرب معها إذا لم تكن أميركا إلى جانبه. فهل أحبط بايدن فكرة التوريط التي عمل عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي؟ إقرأ على موقع 180  “1+5+العقوبات”.. أول كلام بايدن مع إيران! وإذا أبحنا لأنفسنا الإستغراق أكثر في التحليل، نجد أن نتنياهو لم يكن يقصف غزة فقط، بل هدفه كان الدفع بالمنطقة إلى مكان يستحيل فيه إحياء الإتفاق النووي، ويستحيل فيه ترميم العلاقات السعودية – الإيرانية، ويستحيل فيه الحديث مجدداً عن حل الدولتين، ويستحيل فيه مساءلة إسرائيل عن تصرفاتها حيال الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية وداخل “الخط الأخضر”، وإنما أخذها في الوقت نفسه إلى المكان الذي أراد لها ترامب وصهره جاريد كوشنر والإنجيليون المتجددون أن تكون فيه، بناء على خرافة خيالية مفتعلة. تعثرت خطة نتنياهو في غزة وضاع في أنفاقها، فسارع بايدن إلى إنقاذ إسرائيل من نفسها!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى