أحدث الأخبارفلسطينمحور المقاومة

نحو مجلس تشريعي أكثر وطنية وثورية وتمثيلا شعبيا

مجلة تحليلات العصر الدولية - عماد عفانة

خلفية تاريخية
يعلم الجميع أن المجلس التشريعي الفلسطيني هو أحد إفرازات أوسلو شكلا ومضمونا، حتى أن أوسلو هي من حدد عدد أعضاءه، وقد أصر الراحل أبو عمار على تكوين مجلس تشريعي كأحد مكونات الدولة التي كان يطمح إلى اقامتها، ورغم توفر عناصر الدولة الأخرى كالأرض والشعب، فقد افتقرت الدولة المنشودة إلى السيادة التي احتفظ بها كيان العدو.
ونعلم جميعا أن أول انتخابات للمجلس التشريعي جرت في العام 1996، وكانت انتخابات شبه صورية، لأن أبو عمار أو بالأصح حكومة المنتدى في حينه، هي من تحكم بالنتائج وبالأصوات وبهويات الفائزين، حيث حرص أبو عمار على ادخال عدد من المحسوبين على التيار الإسلامي للمجلس رغم مقاطعة حركتي حماس والجهاد الإسلامي للانتخابات، كي يعطي انطباع بتمثيل الجميع، تطبيقا لنظريته “ديموقراطية سكر زيادة”، كما أعطى الطائفة النصرانية عدد مقاعد أكبر من عددهم التمثيلي، إضافة لمقاعد أخرى للمرأة وللطائفية السامرية اليهودية…الخ.
كان يطمح الشعب الفلسطيني أن يكون له مجلس تشريعي يمثل طموحاته وآماله، وأن يدافع عن حقوقه، وأن يسن قوانين تحقق له المساواة والعدالة، إلا أن الوظيفة الصورية للمجلس التشريعي الأول استلزمت العمل بكوكتيل من القوانين الإنجليزية والعثمانية والفرنسية والأردنية والمصرية، وكأن المجلس التشريعي كان يمثل الدول التي مرت على فلسطين احتلالاً او انتداباً أو سيطرةً مهما كان اسمها، وليس الشعب الفلسطيني الذي كان خارج لتوه من انتفاضة ثورية طافحة بالتضحيات والبطولات.
انتخابات الاحتواء والتوريط
اما في العام 2006م فقد جرت انتخابات المجلس التشريعي للمرة الثانية، حيث شهدت النتائج مفاجآت اعتبرها البعض غير متوقعة، فيما ذهب البعض الآخر لاعتبار النتائج متوقعة من مراكز الأبحاث والاستخبارات الغربية التي أصرت على اشراك حماس فيها، لتحصد أكبر عدد من المقاعد، ضمن سياسة الاحتواء والتوريط التي نرى نتائجها المأساوية اليوم.
ولا يخفى عليكم ما تبع ذلكم من أحداث مؤسفة في العام 2007م- لكنها مرسومة ومعدة من دوائر مخابراتية- حيث وقع ما يسمى بالانقسام الذي أدى الى تجميد عمل المجلس التشريعي، وصولا إلى حله في العام 2018م، وما بين 2007 و2018 تم تغييب أكثر من 40 نائبا اغلبيتهم الساحقة من حماس خلف قضبان السجون.
احتباس سياسي
حتى وصلنا إلى مجلس تشريعي منحل وغير موجود في الضفة المحتلة، ومجلس تشريعي يصر على الانعقاد في جلسات خطابية بروتوكولية في غزة، التي لم تعترف بحل المجلس التشريعي لأنه قرار مخالف للقانون، وصادر عن غير ذي صفة استنادا الى انتهاء مدة ولاية محمود عباس منذ 2009م.
إلا أنه وفي هذا العام 2021م أعلن محمود عباس عن اجراء الانتخابات التشريعية، وقد أعلنت حماس وكثير من الأحزاب والقوائم الانتخابية نيتها المشاركة فيها، وقد استبشر الجميع بأن تمثل هذه الانتخابات ضوء في نهاية نفق الانقسام، لصالح الشروع في مسار سياسي توافقي قادر على مواجهة الظروف بالغة التعقيد التي تواجه الشعب والقضية الفلسطينية.
إلا أن عباس عاد ونكث بوعده ونكص على عقبيه، وقام بإلغاء العملية الانتخابية التي كان مقررا اجراؤها في 22مايو الماضي، بحجة منع الاحتلال اجراؤها في القدس، مع أنه كان يمكن تحويل اجراء العملية الانتخابية في القدس إلى معركة كانت ستجد تأييدا وطنيا ودوليا، وسوف تمثل احراجا بالغ السوء للاحتلال الذي يمنع اجراء عملية انتخابية ديموقراطية.
فدخلت الحالة الفلسطينية في حالة استعصاء سياسي مرة أخرى، بعدما وصلت مساعي المصالحة إلى طريق مسدود، وسط حالة من الاحتقان الشعبي على مستوى الوطن.
أما وقد وصلنا إلى هذه الحالة من الاحتباس على كافة المستويات، فإننا في غزة، في هذا الجزء الذي يعتبره البعض الجزء الوحيد المحرر من الوطن، في هذا الجزء الوحيد القادر على اسناد صمود شعبنا في مختلف أنحاء الوطن والانتصار لقضاياهم الوطنية الجامعة، كما حدث ابان معركة سيقف القدس التي انتصرت فيها غزة لمقدساتنا ولشعبنا المرابط في عرصات القدس والمسجد الأقصى المبارك.
غزة هذه التي الزمتها الظروف حمل عبئ التمثيل الحقيقي لكل قوى التحرر والانعتاق في حدود الوطن وخارجه، يقع على عاتقها مواصلة حمل هذا العبء لجهة صناعة قاعدة تمثيلية ثورية تمثل جماهير شعبنا.
بناء مجلس تشريعي ثوري
ويمكن تحقيق ذلك عبر عدد من الخطوات على النحو التالي:
– الطلب من كافة أعضاء المجلس التشريعي في غزة بالتنحي طوعا، بعد مضي 15 عاما على انتخابهم، حيث كيرت سنهم، وخملت همتهم، وتقادمت مشاريعهم، وغابت أسمائهم وحتى صورهم من ذاكرة من انتخبهم.
– الاستناد إلى السجل الانتخابي لدى لجنة الانتخابات الفلسطينية، للتعرف على كافة القوائم التي رشحت نفسها للمشاركة في الانتخابات التي كان من المقرر اجراؤها في مايو الماضي.
– الطلب من كل قائمة انتخابية تسمية عدد من مرشحيها، من ذوي القدرة والكفاءة الفائقة شباب وشياب، عدد يناسب وزنها الانتخابي بشكل تقريبي، ليكونوا أعضاء في مجلس تشريعي تمثيلي يعبر حقيقة عن نبض الجماهير.
– إفساح المجال لهذا المجلس التشريعي ليكون مجلس ثوري بما تعنيه الكلمة من معنى، فلا رواتب، ولا سيارات فارهة، ولا مرافقين ولا أية مظاهر تميزهم عن بقية أبناء شعبهم كما درجت عليه العادة في المجالس السابقة.
– تقسيم هؤلاء النواب الجدد على محافظات الوطن، ليحملوا همهم ويوصلوا صوتهم ويعملوا قدر المستطاع على الاستجابة لاحتياجاتهم.
– الاشتراط على المجلس التشريعي الثوري وقادته الجدد، أن يعملوا على تحويل المجلس التشريعي إلى مظلة جامعة للكل الوطني، وإلى قبلة للجماهير يعقدون فيه مناشطهم وفعالياتهم الوطنية المختلفة، ليشكل حاجز شعبي قوي آخر امام كل من يريد أن يفرط أو يبيع أو يتعاون مع الاحتلال، أو يعرقل وحدة شعبنا في خنادق المقاومة.
– فضلا عن تحويل هذا المجلس الجديد إلى أداة رقابية فاعلة على أداء اللجنة الحكومية التي تدير أمور الناس في غزة، لجهة تأمين أفضل خدمات للناس، والقضاء على كل المظاهر التي تتنافى وقيم وحاجات شعب مقاوم يعاني من الحصار منذ 15 عاما.
– التخلص من كافة القوانين الأجنبية التي تحكم واقعنا، والتعويض عنها بإقرار قوانين تناسب واقعنا، وتلبي احتياجاتنا، وتحاكي شرعنا الحنيف وقيم مجتمعنا الوطنية والأخلاقية.
السياسي والقائد الحقيقي ليس هو من يبرع في إصدار الأوامر، بل هو من يقدم قدوة حقيقية للجماهير، وقيادة غزة الثورية يقع عاتقها الكف عن الغرق في اصلاح ما فسد من تفاصيل الحكم وإدارة شأن الناس، لجهة تفويض المجلس التشريعي الثوري الجديد القيام بهذه المهمة، للتفرغ وبكل قوة وهمة لمشروع تحرير حقيقي ومثمر في كافة أرجاء الوطن، بما يساهم ببناء قواعد مقاومة حيث أمكن داخل الحدود وخارجها، فنحن أولى من العدو ببناء تحالفات وبناء قواعد عمل وانطلاق نحو التحرير والعودة.
انعكاسات ذلك على الواقع الفلسطيني
– سيحرك هذا المشروع الماء السياسي الذي اسن بعد15 على آخر عملية انتخابية.
– سيعطي فرصة وأمل للشباب ولعموم الشعب بإمكانية التغيير والتخلص من القوالب الجامدة التي حكمت واقعنا.
– سيشكل خلاص من أحد افرازات أوسلو، وتحويله عوضا عن ذلك إلى أداة ثورية للتمثيل والتعبئة والتوحد في خنادق المقاومة.
– ستخلق واقعا تمثيلا حقيقيا سيجبر الأخرين على التعامل معه، لأنه سيكون نتاج عملية توافقية تعويضا عن استعصاء العملية الانتخابية.
– سيصنع قبلة وطنية توافقية ثورية أخرى، تعبر بشكل حقيقي عن قيم وأخلاق وسلوك من يقع على عاتقهم تمثيل شعب ثائر.
– سيجبر محمود عباس وفريقه على الاستجابة لمطلب الكل الفلسطيني بإجراء العملية الانتخابية، خوفا من أن يسرق منهم المجلس الجديد الأضواء وأحقية التمثيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى