أحدث الأخبارالعراقمحور المقاومة

نخب غيرت وبدلت واخرى فشلت وتلاشت

مجلة تحليلات العصر الدولية - حامد البياتي

لااحد ينكر ان لبعض النخب والقادة والثوار كاريزاما نافذة وكانها سلطان لايقاوم في اسقاط شفرات ووشوم مجتمعاتها واحلال اخرى جديدة وفق اجندتها وايدلوجيتها ومرئياتها، واضحت مدارس متوارثة في فنونها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وادناه رشقة من الاضواء نسلطها على بعض منها٠

فلاديمير لينين الثوري الروسي الماركسي البلشفي السياسي المحامي والمنظر الفكري، قاد الثورة البلشفية على القومين الذين انتصروا على القيصر في فبروير من عام ١٩١٧ بعد ان سحقت ثورتهم في عام ١٩٠٥م، وبهذا فقدوا احلامهم على يده في نفس العام من شهر اكتوبر، فبدل وجه روسيا وروحها، اذ جعل همه الاول في الاقتصاد، لذا انبرى في تحطيم الاقطاع والنبلاء وبابوات الكنيسة وصلبانهم ونواقيسهم الصدأه، وانتزع الثروات من قبضتهم، فمن لان وخضع له سلم وبقي على قيد الحياة، ومن ابى فكان الموت والسجن مصيره او النفي الى سيبريا الجليدية٠
وهو اول شيوعي في العالم يصل الى السلطة، واسس الاتحاد السوفيتي الكبير في عام ١٩٢٢ من جمهوريات مختلفة الاروميات والعروق فصنع منها كتلة بقيادة روسيا والتي اصبحت فيما بعد من اكبر القوى العالمية، وقد توفي في شتاء عام ١٩٢٤ اثر نوبة دماغية تاركا ورائه انجازا شيوعا ماكان حتى كارل ماركس يتوقع حجمه وتاثيره٠

ماوتسي تونغ صيني النسب والحسب، ماركسي الهوى والمشرب، اجتهد في اللينية واستنبط منها احكاما على ذوقه ومزاجه وبذلك صنع الماوية كنهج ومدرسة، فرضها بالبطشوالجبر على شعبه المؤمن بالكونفشيوسية كفلسفة اخلاقية وسلوكية وطقوسية وتقاليد عملية لاتخلو من رقة دينية ولمسة الهية وهي تنتسب الى كونفوشيوس الذي ظهر في القرن السادس قبل الميلاد ولكنها تفتقر للعقائد وعلم الكلام العميق٠
ابتدا بالاصلاح الاقتصادي والزراعي وقد شفع ذلك بقوة رهيبة وابادة جماعية، ويكفي في احدى قراراته الدموية مايغني عن السرد، اذ امر باغراق ١١ مليونا كونفوشيسيا بالبحر الصيني لانهم كانوا مدمنين الافيون بدلا من ان يقوم على علاجهم وتبرئتهم من هذا الداء واعطائهم فرصة جديدة لاثراء الحياة بما يستطيعون٠

هو تشي منه الفيتنامي الذي تميز باسلوبه الناعم مع شعبه ذي الاكثرية البوذية والاقلية النصرانية، نفخ بانفاسة في اللينية ليصنع شيوعيته على مقاسه، فعفى وتجاوز عن كل من عارض ثورته وحاربها وهو الاكرم بين معاشر الشيوعيين الذين يتسلون بقتل من يخالفهم، كما قام بفتح المعسكرات الثقافية لايضاح ابجديات نظرياته، قاتل الاستعمارين، الفرنسي والامريكي، وكان حلمه الذي لم يكد يفارق اجفانه ان يجمع النصفين الفيتنامين التي تدور على ارضه حربا بالوكالة في حقبة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وبين الراسمالية بعميلها نغو دينة ديم، وقد توفي في عام ١٩٦٩ دون ان يحقق حلمه في الوحدة الذي تمت في عام ١٩٧٥م٠وقد ذاقت امريكا لاول مرة مرارة الهزيمة على ايدي الفيتنامين٠

كمال اتاتورك الضابط التركي الذي قضى بمعاوله العلمانية على الدولة الاسلامية العثمانية والخلافة في عام ١٩٢٤ ليبني على ركامها دولته القومية الحداثوية التنويرية كما يزعم، لذلك قام باخضاع كل مفاصل الحياة الى التغريب قسريا، فمنع الاذان والصلوات جمعة وجماعة وقراءة القران الا باللغة التركية، وغير الكتابة من حروفها العربية الى اللاتينية، وحرم الزي الاسلامي والحجاب، وتلاعب في التاريخ وجعله صراعا مع العرب، وتمرد على ماتبقى من الدولة العثمانية وارثها وتركتها وثقافتها، وقد توفي في عام ١٩٣٨ مخلفا ورائه دستورا علمانيا ليس فيه للدين من بصمة ولا حتى اشارة ولم يشابه في الدول كلها الا فرنسا العلمانية التي كذبت وارتدت وخرجت عن قيمها الجمهورية التي تتغنى بها وابتدات في التضيق على الاسلام فقط ولم تمس بسوء اليهودية والنصرانية ولا حتى المجوسية٠

الشاه محمد رضا الذي خلع على نفسه البهلوي، وهو منافسا شديدا لاتاتورك في الذيلية لبريطانيا، وخصوصا في التغريب والتفرنج، دخل في صراع مرير ليس مع اسرائيل التي خصها بعلاقة حميمية وانما مع الحجاب الذي اوصى جلاوزته المدججة بالاسلحة بخلعه عن رؤوس النساء وغلق المدارس الدينية وحفظة القران والحوزات العلمية وفي اهم المدن الايرانية كاصفهان وشيراز وطهران وترك مدينة قم لصحرائها القاحلة ولمياهها المالحة الاجاج، لهذا ارتفعت منارتها العلمية والثقافية دون غيرها، ومنع العمامة الا للمجتهدين والمراجع، وفرض القبعة البهلوية على الرجال، كما انه سعى لاحياء الجاهلية من خلال احياء الثقافات الساسانية والزرادشتية والفارسية القديمة وفي نفس الوقت خنق الثقافة الحسينية وشعائرها ومنبرها الناطق الرسمي للاسلام المحمدي العلوي، ولولا قوة التشيع وعمقة في الضمير الايراني لكانت ايران دولة ثالثة بدستورها العلماني٠

واما التي فشلت وتلاشت او في طريقها للتلاشي فهي كثيرة ولكننا سنكتفي بواحدة، وهي اشدها بداوة واغلظها حمقا ومتمثلة بابن العوجة، صدام التكريتي، الذي كان همه الاول تغير الجغرافية المذهبية الشيعية الغالبة في العراق، فابتدع طرقا مشيطنة بذلك، منها قتل العلماء ورجالات الفكر وتسفير المجاميع الشعبية بحجة اصلها الفارسي وتفجيره حروبا مع الجارة ايران ليطحن الشيعة بعضهم بعضا، ومع الاكراد حيث اي اصابة في الطرفين ظفر له، واما صنيعه بالانتفاضة الشعبانية المباركة فحديث اوجاع وشجون، فقد سفك من الدم الشيعي مايبرأ حتى الشيطان منه ، وكذلك منحه للجنسية العراقية للفلسطينين والسودانين وغيرهم، ولكنه لم يفلح في سعيه، لان غالبية المدن شيعية في جذورها ووجودها ومنذ بكرة ابيها، ككربلاء والنجف والحلة والبصرة واكثرية الجنوب والوسط، لان معظم القبائل التي نزحت الى العراق من اليمن والجزيرة اعتنقت المذهب الامامي ومنذ مايزيد عن المئتين سنة، وقد تبلور ذلك وتجلى في الحشود المليونية التي زحفت نحو قبر سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام منذ اختفائه في البالوعة٠

بوسعنا التاكيد ان كل النماذج التي ذكرت هي لاتخرج عن دائرة الديكتاتورية ولانستثني منها احد ولكن بعضها تحلت بلون من العقلانية والموضوعية فبقت وتطورت والاخرى كانت عمياء صماء ورهاء ففقدت مواقعها ولم يبقى منها الا اثرا بعد ان كانت عينا٠

قال تعالى في كتابه المجيد ( واحلوا قومهم دار البوار )٠
صدق الله العلي العظيم٠

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى