أحدث الأخبارشؤون آسيوية

نشأة الطالبان وفرقها عن الوهابية وداعش واخوان المسلمين

مجلة تحليلات العصر الدولية

بقلم: متابع

الفكر السلفي ليس بالضرورة متطرف… السلفية هي في الاساس الاقتداء بالسلف، ال البيت هم من السلف الصالح و لكننا أيضا نقتدي بالصحابة و هم أيضا من السلف… الاقتداء بهم يعني بسيرتهم و فهمهم للكتاب و السنة كونهم اخذوا عن الرسول مباشرة و نهلوا من انوار صحبته… هذا اجمالا محل اجماع من اهل السنة… الان هناك تقسيمات و مدارس فكرية عديدة في كيفية التعاطي مع موضوع القدوة، هناك مثلا الظاهريون الذين يأخذون النص على ظاهره ما امكن، و هناك المقاصديون الذين يحاولون استنباط المقصد من الحكم لتنزيله على مسائل شرعية مشابهة. و كل له اصل في الدين.
الوهابية جائت في سياق محدد هو انتشار الجهل و البدع في صحراء الجزيرة العربية المنعزلة بما يصل للشرك في كثير من الاحيان. و هو ما انعكس برد فعل هو التمسك الشديد بظاهر النصوص، و التوسع في تصنيف المحدثات المعيشية كبدع، و النزعة الى تكفير المخالف و ان بالفروع و ذلك يعود بشكل كبير الى العزلة و البعد عن مخالطة اصحاب المذاهب و الاديان بل و الافكار المغايرة و ليست المخالفة فقط. النتيجة كانت التشدد الوهابي.
لكن عموم حواضر الاسلام في الشام و مصر و العراق لم يكن هذا فهمهم و لا تطبيقهم للدين… و ذلك بسبب فهمهم المتسق مع مقاصد الدين و تاريخ حواضرهم الحافل بالاحتكاك بالاخرين مما عنى توسع المدارك و تطور الأفهام.
المهم أن التشدد الوهابي تحالف مع ال سعود و هم طالبوا سلطة و دنيا… و نتج عن ذلك وضع نشاز يفرض فيه الدين من السلطة بدل ان تحمله القلوب، و يقترب فيه العلماء من السلاطين بعد ان كان التاريخ الاسلامي على طوله يشهد حفاظ العلماء على مسافة من السلاطين بما يضمن نزاهتهم و يحقق الثقة في جماعة الفقهاء.
طبعا جاءت الطفرة النفطية لتوفر لهذا الفكر وسائل الامتداد و الانتشار، و هو ما تصادف مع فترة الجهاد الافغاني ضد الاحتلال السوفييتي، و زادت طبيعة الثقافة الافغانية المنغلقة و المحافظة من تأثيره على فكر ما سيصبح لاحقا حركة طلاب المدارس الدينية او “الطالبان”.
الان حركة طالبان ظلت محصورة في جغرافيتها و سياقها، فلم تحاول الحركة الامتداد او اخذ بعد اقليمي… او على الاقل لم يكن هناك مجال لذلك بسبب فترة حكمهم البسيطة لخمس سنوات فقط قبل احداث ١١ سبتمبر.
إيواء طالبان للقاعدة كان امتدادا لايواء المجاهدين العرب الذين ساعدوا الافغان في دحر السوفييت، و هو ايضا نابع من الثقافة و الاخلاق القبلية التي توجب ايواء الضيف و الغريب كما لدى قبائل العرب.
طبعا هناك فرق بين الأفغان العرب و الذين لا خلاف على جهادهم و تضحياتهم و الذين ظلموا و تنكرت لهم دولهم و ضيقت عليهم في ارزاقهم بل و سجنت و عذبت منهم بعد عودتهم من افغانستان، كما شكل اغتيال الشيخ عبدالله عزام -و الذي لم يكن دوما على وفاق مع الظواهري و بن لادن- نقطة فاصلة في تغييب المرجعية الفقهية و المنهجية السليمة لهؤلاء في اصعب وقت احتاجوه فيه. و كانت نتيجة تلك العوامل مجتمعة انضمام أكثر هؤلاء للقاعدة و مشروعها و الذي تبلور عقب حرب الخليج بضرورة خروج الامريكان من الجزيرة العربية بعد دخولهم بدعوة ال سعود و مباركة مشايخهم الذين تمت السيطرة عليهم و اخذ الفتاوى منهم سواء بالترغيب أو الترهيب أو التدليس…
مرة أخرى داعش كانت نتاج سنوات من الاحتقان الطائفي عقب اسقاط نظام صدام، و تطورا للفكر الوهابي في أسوأ ما فيه (تكفير الاخر و العنف في التعاطي معه و ظن احتكار الصواب) و لكن هذه المرة مصحوبا بضعف واضح في الاجتهاد و الفقه (كل الاحاديث التي ساقها البغدادي في خطبته في جامع الموصل كانت مصنفة ضعيفة او موضوعة، أيضا صار عندهم مبايعة البغدادي شرطا للايمان و الا يكفرون الشخص و يقتلونه).
حالة داعش كانت من جهة القشة التي تعلق بها الكثير من السنة و البعثيين و جنود الجيش السابق لاسترداد بعض حقوقهم التي سلبها النظام الطائفي الذي صنعته امريكا و غذته إيران، و من جهة اخرى تم استغلال تلك الحالة من قبل اجهزة المخابرات لكل العالم على الاطلاق لمحاولة جني مكاسب او ضرب الخصوم، سواء مكاسب شخصية (كما المالكي الذي اصدر امر الانسحاب من الموصل ظنا ان جيشه سيعيد دخولها في وقت قصير للظهور بمظهر المنتصر) او على مستوى الدول (الغرب لتشويه الاسلام، الانظمة العربية لوصم الثورات بالارهاب و تبرير جرائمهم بحق الثوار كما في سوريا، الخليج لمحاربة الشيعة و ايران، تركيا لمحاربة الاكراد و منعم من اقامة دولة، اسرائيل لكل تلك الاسباب معا… الخ). و بطبيعة الحال هذا المسخ المسمى داعش لم يعش طويلا…
الان الوهابية السلفية كفكر مستقل اضمحلت لفقدانها دعم المنبع و هو النظام السعودي، لكن اصول الفكر السلفي الصحيحة التي تحدثت عنها اولا باقية لانها لا تنفصل عن الدين.
بالنسبة للاخوان كفكر و حركة هم من سياق منفصل تماما عن الوهابية بل و على النقيض في كل شيء سواء البيئة الحضارية، و التعامل مع المخالف، و النظرة العامة للدين و دوره في حياة الفرد و المجتمع و الامم… فكر الاخوان اشمل و حركتهم مؤسسة على السلمية و التسامح و حسن الخلق… و باسهم كان دائما موجها لقوى الاستعمار و التغريب… لكن هناك امران حصلا مع الاخوان في فترة حكم عبد الناصر… الاول هو كم شديد و متوحش من الظلم و الاضطهاد، خاصة ما عاشه و تعرض له المرشد الثاني للجماعة سيد قطب، و هو ما افرز لدى الرجل افكارا في سجنه كانت ردة فعل لذلك الظلم، مع الاشارة ان الرجل لم يكن عالما او فقيها وان كان مفكرا فذا… لكن تلك الافكار وجدت طريقها لدى بعض ضعاف العلم و بنوا عليها فكرا تكفيريا انفصلوا به عن الجماعة الام و التي بقيت تحت مرشديها اللاحقين ملتزمة بالسلمية و البعد عن الفكر التكفيري. الامر الاخر هو تبني السعودية لهم و ايوائها لكثير منهم و ذلك بسبب خلافها مع عبد الناصر بسبب عدة مسائل اهمها الفكر الثوري الاشتراكي لناصر و الذي يحارب بطبيعة الحال الانظمة الملكية، و اصطدام عبد الناصر مع السعودية في اليمن و الذي هو بالنسبة لهم حديقتهم الخلفية… ما ادى لايواء السعودية في حينه للعديد من افراد الجماعة، و هكذا حصل تأثر تيار منهم بالسلفية و لكن دون التطرف الوهابي… لكنهم ظلوا دائما متمايزين عن الفكر الوهابي السعودي و على مسافة منه.
الان كما سبق و ذكرت طالبان جماعة افعانية اولا و اخيرا، و هكذا عندما حصل تراجع الفكر السلفي الوهابي الذي تبنوه في البداية من جهة، و اضف الى ذلك مراجعاتهم الداخلية لتجربتهم في الحكم و المقاومة، انتج حالة اكثر اعتدالا و براغماتية في التعاطي مع مختلف القضايا، و هو ما يبدو في التطبيق اقرب لتجربة الاخوان، و ان كتنوا لا يزالون في البدايات، لكنني اعتقد انهم سيقتربون اكثر فاكثر من فكر الاخوان و منهجيتهم و ارائهم الفقهية بمرور الوقت… لانه كما ترى الفكر الوهابي لا يستطيع الحكم لانه قائم على استمرار الحرب و مدافعة الغير و التنظير لما يحرم دونما تقديم حلول واقعية و عملية لمختلف مسائل الحياة، على عكس الاخوان تماما….
علاقة طالبان بايران هي ان ايران ببساطة حاربت النفوذ و الوجود الامريكي على حدودها الشرقية عبر دعم طالبان بشكل سري، و طالبان الان اما ترد الجميل او تفي ببنود تفاهمات سرية بين الجانبين.
امريكا لم تترك اي سلاح لانه لو اضطرت للانسحاب بشل تترك فيه اسلحة ستقوم بقصفها و لن تتركها لطالبان… و لكن الانسحاب الامريكي تم بتفاهم مع طالبان للخروج من افغانستان عبر مفاوضات رعتها قطر على مدى عدة سنوات سابقة… و كانت امريكا تظن ان الجيش الافغاني يستطيع الوقوف بوجه طالبان بسبب العدد -٣٠٠ الف الجيش مقابل ٧٥ الف طالبان- و العدة التي زودته بها -مقابل سلاح طالبان المتواضع نسبيا-، لكنهم بسبب غرورهم نسوا العامل الاهم و هو العقيدة و الدافعية للقتال… و هو ما لم يتوفر للجيش الافغاني الذي كان دافعه النقود بينما لم تدفع رواتبه لعدة اشهر سابقة بسبب فساد الحكومة المركزية.
في النهاية امريكا لم تترك اسلحتها، الجيش الافغاني هو من ترك اسلحته الامريكية، و هناك فرق كبير بين الاثنين…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى