أحدث الأخبارالإسلامية

نهضة الحسين: مدرسة للثوار وطريق للنجاة والتحرر

لندن – د. أحمد الزين – السبت 30-07-2022:
العثر-يهلّ شهر محرم الحرام من هذا العام الهجري الجديد 1444 هـ، وهو محملا بتوترات امنية وعسكرية واصطفافات وتحالفات وانقسامات اقليمية ودولية.. ومثقلا بازمات كارثية على البشرية جمعاء، حيث عاشت وتعيش المجتمعات كافة ظروفا استثنائية صعبة من جراء انتشار وباء كورونا وجدري القرود وسلالاتهما.. ومن اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية، وما نتج عنها من تداعيات امنية وإنسانية واقنصادية خطيرة والتي تمخضت عنها ازمات كبرى في مجال الطاقة من النفط والغاز، وفي مجال الامن الغذائي العالمي بسبب عدم توفر كميات كافية من القمح والذرة والزيوت وعديد من السلع الغذائية المفقودة.. يوشك أن يتهدد العالم بموجة جديدة من الجوع والمجاعة والفقر والعوز والبؤس والشقاء.. وما يرافق ذلك من ارتفاع الاسعار وازدياد معدلات التضخم في معظم دول العالم.. مما ينذر بوضع الشعوب للعيش في ظروف معيشية وحياتية صعبة للغاية.. مما قد تؤدي الى غضب مئات الملايين من الجماهير.. واللجوء الى خيار إذكاء التظاهرات والاحتجاجات الشعبية واندلاع الثورات والانقلابات ضد حكوماتها وحكامها.. وهذا ما قد يدفع بعض الدول الكبرى الى خوض معارك جانبية متعددة بين حروب متنقلة سعيا لتحقيق بعض الاستقرار والسيطرة.. وفي محاولة لإعادة الرخاء الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية إسترضاء لشعوبها وتهدئتها.. مما قد يؤثر حدة التنافس والتناحر والتصادم والتقاتل الى زعزعة الامن والسلم العالمين.. وربما تجرّ تداعياتها الى حرب عالمية شاملة مدمرة ( لا سمح الله) لا تبقي ولا تذر..
عودة الى موضوعنا الاساسي، ونحن ندخل في شهر محرم الحرام.. كمحطة زمنية تستوقفنا لنستذكر احداثا حزينة من تاريخنا الإسلامي، حيث تتوهج حرارة حبّ الحسين في قلوب المؤمنين وتتفاعل العاطفة الوجدانية والانسانية في إستحضار مشاهد البطولة والآباء والمواقف التاريخية وملاحم الإستشهاد والتضحيات التي قدمها وأهل بيته (ع) وأصحابه الابرار في واقعة كربلاء التي حدثت نتيجة تراكمات وممارسات باطلة لحكام بني أمية من حبّ السلطة والمال والفساد والطغيان والجهل بأحكام الإسلام وما تبع ذلك من إنحلال إخلاقي وإنحراف الامة عن مسار الإيمان والقيم الاخلاقية والإنسانية الذي رسمه لهم النبي محمد (ص) فكادوا يسقُطُون فِي مهاوي الكُفر والضَّلال. لهذا قام سبطه الإمام الحسين (ع) بنهضته المباركة وتصدى لإعوجاج الفكر وسقوط رجال الامة ليعيدهم الى صوابهم ويهديهم الى طريق النجاة والرشاد، ويقوّم مسارهم الى الطريق المستقيم طريق الهداية والإيمان والتقوى والقيم والمثل والاخلاق.. وبالتالي ليحفظ رسالة الإسلام من الدنس والرجس.


لذلك بقيت نهضة الحسين (ع) خالدة على مدى التاريخ، وشكلت مدرسة ثورية تعلم الاجيال تلو الاجيال دروس الوفاء والآباء، والعطاء والفداء، والجهاد والتضحية والاستشهاد في سبيل الله لإحياء الدين.. وهي تتجدد كل عام وتستبطن فكر ثوري وثقافة واعية وحكم رشيدة واستدلالات واقعية نستلهم منها عُـبـر ودروس بليغة عن أهمية الصراع بين الحق والباطل، والمنازعة بين الخير والشرّ، ومعرفة التباين بين النور والظلام، والتمييز بين المساواة والفساد وبين العدل والظلم..
لقد جسّد الامام الحسين (ع) بإستشهاده ارقى معاني الإيثار والتضحية واسمى آيات البذل والعطاء والفداء وأعظم معاني القيم والمبادىء الانسانية.. كما احيى بنهضته السنّة الالهية العظيمة وعقيدة الثبات والجهاد (هيهات منا الذلة)، وهي مجاهدة الظالمين ومقارعة الطغاة من الحكام الجائرين ومواجهتهم وقتالهم مهما علا شأنهم وقوتهم وجبروتهم وطغيانهم.. تعظيما للخالق في عبادته وتحكيما لشرعه، وتقديسا للدين وزرعا للمعروف وردعا للمنكر، وتحقيقا للعدل وسحقا للظلم وإنهاءً للفساد.. أمتثالاً لأمر الله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}..
لذلك إنتماؤنا وارتباطنا وحبّنا للحسين لا يتجسد في البكاء واللطم والندب ولبس السواد فقط بل بالاقتداء بإيمانه وجهاده وفكره وأخلاقه وسيرته الناصعة.. والسير على خطاه التغييرية ونهجه الإصلاحي في رفض كل أنواع الظلم والفساد والطغيان والاستبداد والاضطهاد.. والاستعداد للتضحية بكل غالٍ ونفيس، والعمل الحقيقي الفاعل في إصلاح انفسنا أولا، ثم إسرتنا ثانيا، ثم مجتمعنا وأمتنا اخيرا.. وتغيير واقع الأمّة المرتهن باصناف النزاعات والخلافات والانقسامات والحروب الى افضل الحال في الوحدة والتمكين والترابط والتكافل والتكاتف.. إمتثالا لامر الله تعالى لقوله: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} ﴿التوبة-52﴾، هو الشهادة في سبيل الله أو النصر في سبيل تحقيق هذه الاهداف السامية، وكما قال الحسين (ع): “فوالله ما خرجتُ الا لطلب الاصلاح في أمّة جدي”…

“ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما”. لذا، هذه الثورة الحسينية تمثل أنموذجا عالميا ومشروعا رساليا إنسانيا لا تخص المسلمين من اتباع اهل البيت (ع) فقط بل هي قدوة واسوة ورسالة حضارية ودرسا ناطقا يحاكي نفوس أحرار العالم التواقة للحرية والتحرر من الاحتلال والظلم والاستبداد والطغيان والعبودية في كل زمان ومكان.
يقول الإمام موسى الصدر: “‏عاشوراء في أبعادها تتجاوز محنة عاطفية ومأساة بشرية بل أنها نموذج بأسبابها وتفاصيلها ونتائجها تعلّم الأجيال، كلّ الأجيال وتفتح أمام الأجيال، كلّ الأجيال، طرق النجاة وطريق الخلاص”. لذلك تتجسّد مفاهيم نهضة الإمام الحسين (ع) اليوم، في تثبيت حسن النية والارادة الصلبة والعزيمة لدعم حركات التحرر والمقاومة من اجل التعاون والتضامن والاستعداد للمواجهة والتصدي والصمود أمام أعداء الأمة، والوقوف بعزم وقوة ضد غطرسة وعدوان الظالمين أمريكا والكيان الصهيوني والتحالف الدولي الذين يمارسون الترويع والتهديد والإرهاب والقتل والاغتيالات بدم بارد، ويرتكبون أبشع أنواع الدمار والإجرام في حق الأطفال والنساء والعجزة في فلسطين واليمن وسوريا والعراق ولبنان.. لتمرير مشروع “الشرق الاوسط الجديد”، ومشروع “الديانات الابراهيمية”، وتأسيس حلف “ناتو عربي شرق أوسطي” يترأسه الكيان الصهيوني الغاصب من اجل توسيع سياسات التطبيع والخضوع والاستسلام على أيدي حكام الخليج من بني سعود وبني زايد وبني خليفة الطغاة المطبّعين داعمي الإرهاب ومؤسسي “داعش” الإرهابية.. الذين يعملون على تنفيذ اجندات المشروع الامريكي الصهيوني بإذكاء الحروب وإشعال الحرائق وإحتلال الاوطان وإخضاع شعوبها وتغيير الانظمة المعادية لها حماية لأمن “إسرائيل” وتقديم الدعم لها ماديا ولوجستيا للحفاظ على قوتها ولضمان تفوقها العسكري والنوعي في المنطقة، وتحقيقا لأطماعهم الاستعمارية والاقتصادية بالسيطرة والهيمنة ونهب النفط وثروات الشعوب ومصادرة قرارهم السيادي الحرّ.


فما احوج المستضعفون والمظلومون اليوم الى عقيدة الدين المحمدي الاصيل والفكر الكربلائي والجهاد الحسيني كي تثور وثثأر من الطغاة والغزاة، وتردع المجرمين والظالمين.. وتطبق تطبيقا صادقا لشعار ومفهوم “كونوا حسينيين مؤمنين”، بهدف وقف الحروب والمجازر والقتل والفتن، وإقامة قيم العدالة والمساواة، وحفظ الامن والسلام وحماية الإنسانية في الاوطان، والارتقاء بالبشرية نحو الثبات على مبادىء الاخلاق والشرف والمجد والشموخ والعلو والعزّة والكرامة ودوام انتصار الحق والعدل وتعزيز قيم الإيمان والإسلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى