أحدث الأخبارالعراقاليمنايرانسوريافلسطينلبنانمحور المقاومة

نواف الزرو: “المعركة بين الحروب” في سياق استراتيجية الحروب الصهيونية المفتوحة منذ 1948!

مجلة تحليلات العصر - نواف الزرو

في حكاية “المعركة/او الحرب بين الحروب” التي أخذت تهيمن في الآونة الاخيرة على الخطاب الاعلامي/ الحربي العدواني الصهيوني وعلى مشهد العمليات الحربية/ العسكرية الصهيونية برمته ، فإن هذه الاستراتيجية /اي المعركة او الحرب بين الحروب/ ليست اختراعا صهيونيا جديد أو حديثا، فإن كانت عمليات الاغتيالات ضد القيادات والعلماء، او عمليات التفجيرات، او عمليات الاقتحامات والمداهمات او غيرها كلها تأتي في سياق”المعركة /او الحرب بين الحروب”، فهذه الاغتيالات والعمليات والتفجيرات …الخ لم تتوقف في يوم من الايام منذ ما قبل النكبة واغتصاب فلسطين، بل هي تأتي في سياق الاستراتيجية الصهيونية الراسخة منذ بدايات المشروع الصهيوني وإقامة الكيان، والتي تتبناها المؤسسة/الامنية/ العسكرية الصهيونية على مدار الساعة، وهي “استراتيجية الحرب أولا و دائما ” أو “استراتيجية الحروب المفتوحة”.
وفي هذه الاستراتيجية كان الجنرال موشيه ديان أكد ذلك مبكرا جدا حينما تطرق في خطاب ألقاه أمام دفعة من خريجي كلية الأركان في الجيش الإسرائيلي عام 1968، للدكتور آرثر روبين، الذي أدار جهود الاستيطان اليهودي في فلسطين منذ عام 1920، بعد عودته من الخارج التي استمرت سنوات عشرة بناء على قرار من السلطات العثمانية، معتبرا إياه أحد الرواد الصهاينة القلائل الذين سعوا إلى الإجابة عن “المسألة العربية” في فلسطين (تأسست حركة “بريت شالوم” (ميثاق سلام) في منزل روبين في القدس في العام 1925). وبحسب ديان، تطورت الإجابة عند روبين ومرت عبر مراحل، فبعد أن أمل في العام 1923 بدمج المهاجرين اليهود في نسيج المشرق العربي، اقترح في العام 1925، تحت ضغط اعترافه بالاختلافات بين المهاجرين اليهود الأوروبيين وأبناء عمومتهم من السكان الأصليين، إنشاء “دولة ثنائية القومية” في فلسطين؛ وبحلول عام 1936، وبعد اندلاع الثورة العربية في فلسطين ضد الهجرة اليهودية والاحتلال البريطاني، خلص روبين إلى أن “قدرنا أن نكون في حالة حرب مستمرة مع العرب”( Moshe Dayan, A Soldier Reflects on Peace Hopes: address to graduating class at Army’s Staff and Command College, in Irene L. Gendzier, editor, A Middle East Reader (New York: Pegasus, 1969), pp. 407-417).
وذكّر ديان الجيل الجديد من الضباط في إسرائيل بأنهم ورثوا هذا المصير، وأن الحرب المستمرة هي الشرط الضروري لوجود الدولة التي ساعد روبين في إنشائها، وحارب ديان نفسه لتوسيعها. وقبيل إعلان تأسيس “إسرائيل”، صرّح يهودا ماغنيس أنه إن لم يكن مؤيدًا للدولة اليهودية، فذلك لأنه لا يريد الحرب مع العالم العربي. أدرك كل من روبين وماغنيس أن المغامرة الصهيونية السياسية ستؤدي الى الحرب، وفيما اختار روبين الدولة وقبِل الحرب، لم يقبل ماغنيس الحرب ورفض الدولة( Charles Glass, Jews Against Zion : Israeli Jewish Anti-Zionism, Journal of Palestine Studies, Vol.5 No. 1- 1976, p.57).
واستتباعا، تبنت المؤسسة الصهيونية وكل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على مدى اكثر من سبعين عاما نظرية روبين وديان في الحروب المفتوحة ضد الفلسطينيين والعرب، وفي مقدمتها ما اطلقوا عليه”الحرب أو المعركة بين الحروب”.
ولذلك نوثق ان كل سنوات المفاوضات الثلاثة والعشرين كانت هدرا ومضيعة للزمن والارض والحقوق، وتفويتا لفرص وخيارات افضل واقوى في المواجهة مع مشروع الاحتلال والتهويد الصهيوني، وكل سنوات المفاوضات القادمة-المحتملة- ستكون كذلك، بل ستعزز الهدر والضياع وفقدان البوصلة، ذلك ان حكاية السلام ليست واردة في الحسابات الصهيونية، وان كانت واردة فهي حسب المقاسات والمعايير والمفاهيم الصهيونية، التي تعني في الجوهر الغاء الآخر وحقوقه ومقومات وجودة، اذ “لا تتسع البلاد الا لدولة واحدة -منم وجهة نظرهم-هي دولة اليهود”.
لذلك ايضا تنشغل الدولة الصهيونية بقضاياها الاستراتيجية، إن على مستوى الاستيطان والتهويد واختطاف الارض والتاريخ، وإن على مستوى الجبهات الاخرى ضد الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي تنشغل فيه بحسابات البقاء والحروب المفتوحة مع لبنان، حيث نتابع تطورات مرعبة باتجاه حرب قادمة قد لا تبقي ولا تذر، والمؤشرات على ذلك كثيرة متراكمة على مدار الساعة.
ففي الاستيطان والتهويد والاختطاف اقرت حكومة نتنياهو مبكرا جدا- الاحد 201206-17 -فقط تشكيل لجنة وزارية خاصة برسم وتنفيذ سياسات الاستيطان، تتكون من غلاة الوزراء اليمينيين المؤيدين للاستيطان، وكأنهم في سباق مع الزمن يريدون نهب الارض وتزييف التاريخ ببناء حقائق الامر الواقع وبزمن قياسي، كي تكون فلسطين من المية للمية يهودية بالكامل.
وعلى المستوى العسكري جاء في تقرير ليديعوت احرونوت أن”إسرائيل” تستعد ليوم الحساب حيث تتدرب الجبهة الداخلية على خطة لإجلاء”الإسرائيليين”القاطنين شمالي ووسط”إسرائيل”إلي جنوبها إلى منطقة العرفا-النقب- وإيلات، وقد أطلق على الخطة “فندق النزلاء” والهدف من التدريب هو إخلاء مئات آلاف”الإسرائيليين” في إطار تعرض المدن الاسرائيلية لهجوم صاروخي كبير تضطر فيه الجبهة الداخلية لإخلاء مدن كاملة من سكانها.
فهل هي الحرب قادمة غدا…؟
وهل المسألة باتت مسألة وقت وتوقيت…؟!
فالذي يتابع الافكار والتصريحات والخطط والمناورات والقرارات والوقائع ومختلف الاجراءات الاسرائيلية اليومية على مختلف الجبهات الداخلية والخارجية شمالا وجنوبا، يستخلص بان الاوضاع تسير بقوة باتجاه حرب اخرى لا محالة، بل وكأن الحرب آتية في اي لحظة حتما…!، واي حرب وباي حجم…؟، وفق خطة”نزلاء الفندق”، يبدو ان الحرب ستكون على مستوى استراتيجي خطير ومدمر، وقد تكون على مستوى اقليمي مرعب….!.
ومثل هذا الاستخلاص ليس عبثيا او ضربة مندل، فتلك الدولة تتبنى منذ اختراعها ونشأتها استراتيجيات حربية على الارض والشعب والدول العربية، وفي مقدمتها استراتيجية “الحرب اولا ودائما”، كما جاء في تقرير صدر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار العدد رقم 42 من سلسلة “أوراق إسرائيلية” حمل عنوان “الحرب أولاً ودائمًا”، وشارك في اعداده عشرات الضباط والخبراء العسكريين الذي عقدوا اللقاءات التقويمية الاستخلاصية بعد هزيمة جيشهم في لبنان، واجمعوا على استراتيجية الحرب فقط مع العرب، باعتبارها دائما المخرج لهم، وتشمل هذه الورقة تفصيلات الخطة الخماسية للجيش الإسرائيلي، المسماة “خطة تيفن 2012”.
تتلبس الدولة الصهيونية والمجتمع الصهيوني ما يمكن ان نطلق عليه حالة”جنون الحروب والقتل والسطو والاستيلاء على الارض والتاريخ”، ولكنه على خلاف اي جنون قد يخطر بالبال، فانه جنون مدجج بالفكر والايديولوجيا والادبيات العنصرية الارهابية.
فهاهوافيغدور بيغن حفيد مناحيم بيغن أعلن مثلا قبل عشر سنوات في مقابلة اجرتها معه صحيفة “يديعوت احرونوت/2010-2-12 قائلا:” “تتدفق في عروقنا جميعا دماء قتلة”.
وفي التمهيد لسيناريوهات الحروب المنتظرة في عهده، كان نتنياهو اعلن امام مؤتمر سابان: لن يحل السلام قبل مواجهة ثلاثة تهديدات لاسرائيل هي: سعي ايران للحصول على سلاح نووي، وصواريخ حزب الله في لبنان والفصائل المسلحة في غزة التي تهدد اسرائيل، والثالث تحصين الامن الاسرائيلي/الجزيرة 2009/11/16″، ومنذ ذلك الوقت والمشهد في تصعيد مذهل على مختلف الجبهات العسكرية والاستيطانية التهويدية والسياسية والديبلوماسية والاعلامية السيكولوجية.
فالقصة اذن هنا ليست لقاءات وتصريحات روتينية وانما على تماس مباشر مع الاوضاع والتصعيدات الحربية في المنطقة.
وبالتاكيد نحن امام تطورات وقرارات حاسمة، فالتمادي الاجرامي الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وضد العرب يتجاوز في هذه الآونة كل الحدود والخطوط الحمراء، وهم في “اسرائيل” يجمعون على مواصلة اختطاف الوطن العربي في فلسطين من البحر الى النهر، ويهددون من يتجرأ من العرب على مواصلة التصدي بالويل والثبور..!.
الكاتب والمحلل الاسرائيلي الوف بن عقب على تصريحات نتنياهو في هآرتس تحت عنوان
“صدقوه..” قائلا:” في الاستراتيجية- يبدو ان نتنياهو يستعد لمحاربة ايران وحزب الله في الربيع القريب، مع ذوبان الثلوج وتفرق الغيوم، ويشهد بذلك الزيادة على ميزانية الامن واعداد الجبهة الداخلية للمواجهة، حتى اذا لم يهاجم نتنياهو اخر الامر فان عليه ان يكون مستعدا”.
الى ذلك فان متابعة حثيثة للخريطة السياسية الاسرائيلية تشير الى انهم في”اسرائيل” من ساسة وجنرالات وباحثين وخبراء يجمعون على خيار الحرب، بل انهم يتبنون استراتيجية الحرب المفتوحة.
وفي صميم هذا الاستخلاص كتب المحلل العسكري الكبير لديهم ايتان هابر(مدير مكتب رابين سابقا)في
يديعوت تحت عنوان:”حرب واحدة طويلة”يثبت:”التجربة الاسرائيلية تدل على ان اسرائيل في حالة حرب واحدة طويلة منذ 1948 (وهناك من يبدأ العد قبل ذلك ايضا)، وفقط اسماؤها تتغير، فهي حرب واحدة طويلة”.
وتحت عنوان “سلاح يوم الدين”.. كتب جدعون ليفي في هآرتس يقول:”مرة كل بضعة اسابيع ينبغي القاء الرعب في القلوب، مرة كل بضعة اشهر ينبغي نثر التهديدات ومرة كل سنة او سنتين ينبغي الخروج الى حرب صغيرة اخرى، تعاون اعمى وبشع بين جهاز الامن ووسائل الاعلام يضمن جولة اخرى”، ويضيف:”يقولون ان الحرب لا بد ستأتي، ربما في الشهر القادم”. ويستخلص ليفي:”في القيادة الامنية لا يسألون اذا كانت ستقع مواجهة عسكرية اخرى مع حماس – بل متى”، مرة اخرى يكتب بذاته كليشيه الحرب القادمة”.
وتحت عنوان”التاريخ والخدعة” كتب يونتان يفين في يديعوت يقول:”إذن ماذا سيكون؟ أسيكون السلام؟ أستكون حرب اخرى؟ بالتأكيد ستكون حرب اخرى، دوما توجد حروب، السؤال هو مع من ستكون الحرب اولا، مع ايران ام مع …، وربما اذا بقي ليبرمان وزير خارجية لما يكفي من الوقت، فستكون على أي حال حرب مع مصر”.
وحروبهم الطويلة و المفتوحة ليست عفوية، اذ تقف وراءها ثقافة وسيكولوجيا عنصرية عدوانية، فالكاتبة الإسرائيلية “أوريت دغاني” قرأت سيكولوجيا الاسرائيلييين وكثفت الخلاصة في “معاريف” قائلة:” أن الإسرائيليين يندفعون للحرب لأنهم يكرهون السلام، ويعتبرون أن القوة هي الخيار الوحيد لتحقيق الأهداف ليس فقط هذا بل إن الحروب تجري في عروقنا مجرى الدم”.
ولذلك نقول في الخلاصة المكثفة وفي سياق قراءتنا الاستراتيجية للعقلية الحربية الاسرائيلية: ان الاوضاع الاستراتيجية بالنسبة ل”اسرائيل” غير مريحة على الرغم من حالة التفكك والضعف والتطبيع العربي ، وبالتالي فهي لم تتوقف في استعداداتها لحرب اخرى قريبة تغير هذه الاوضاع من وجهة نظرها، وحسب الرسم البياني الاسرائيلي فان وقت وتوقيت هذه الحرب لن تطول الامور – فهناك في فلسطين جبهة مشتعلة ومرشحة لمزيد من التصعيد نظرا لمخططات الاحتلال الابادية للحقوق الفلسطينية المتآكلة، وهناك في لبنان هزيمة حارقة تكبدها الجيش الذي لا يقهر على يد حزب الله وتمزقت صورته الردعية بصورة مذهلة…؟!.
وهناك في سوريا انتصار سوري وتعاظم عسكري استراتيجي مقلق لتلك الدولة..؟!
وهناك في الافق المقروء حرب اقليمية تتزايد احتمالاتها على نحو خاص في ضوء تطورات الملف النووي الايراني….!.
كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى