أحدث الأخبارالخليج الفارسيةالسعوديةالكويتشؤون امريكيةقطر

“هآرتس”،ما الذي بحث عنه كوشنير فعلاً في دول الخليج؟

مجلة تحليلات العصر الدولية - تسفي برئيل

في يوم الثلاثاء الماضي، وبعد يومين على عودة جاريد كوشنير، صهر الرئيس دونالد ترامب، من زيارة إلى دول الخليج، أعلن وزير خارجية الكويت حدوث اختراق على طريق حل النزاع بين دول الخليج وبين قطر. زعماء دول عربية سارعوا إلى الثناء على التقدم الذي من المفترض أن ينهي نزاعاً نشب قبل نحو 3 سنوات ونصف السنة. وأعربت مصر، المشارِكة في فرض العقوبات الاقتصادية على قطر، كما السعودية، والبحرين، ودولة الإمارات، عن ارتياحها لحدوث التقدم، وأيضاً الأردن والكويت عرّابا المصالحة، وحتى إيران. إذا أثمرت المفاوضات السرية عن اتفاق فإن في امكان ترامب أن يسجل لنفسه خطوة سياسية ربما يمكن أن تؤدي إلى إضافة قطر إلى الدول العربية التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل.
لكن هذه الأجواء الإيجابية من المناسب أن تترافق بملاحظة تحذيرية. اتفاق إنهاء النزاع لم يوقَّع بعد، وأوضحت قطر أنها لن توافق على حل بينها وبين السعودية فقط، وهي تطالب باتفاق يشمل كل الدول التي فرضت عليها حصاراً، ويسمح لها بأن تواصل انتهاج سياسة خارجية مستقلة، من دون المس بسيادتها. كما أوضحت أن التطبيع مع إسرائيل ليس مطروحاً على جدول أعمالها. حتى الآن ليس واضحاً على ماذا وافقت السعودية، وما إذا كانت الإمارات، التي تعارض المصالحة في هذه الأثناء، ستوقّع الاتفاق. كما ليس من الواضح ماذا سيكون موقف مصر التي توجد بينها وبين قطر حسابات عسيرة بسبب تأييد الأخيرة لحركة الإخوان المسلمين.
قبل فرض العقوبات على قطر وضع خصومها 13 شرطاً للحؤول دون ذلك، بينها تقليص علاقاتها مع إيران واقتصارها على العلاقات التجارية فقط، إزالة القاعدة العسكرية التركية من أراضيها، وإغلاق قناة الجزيرة وكل وسائل الإعلام الأُخرى التي تموّلها، ووقف دعم المنظمات الإرهابية، والامتناع من التدخل في شؤون دول المنطقة. رفضت قطر كل هذه الشروط، وبدلاً من الاستسلام والخضوع، وعلى الرغم من الأضرار الاقتصادية الهائلة التي تكبدتها، فإنها امتصت الضربة وأظهرت قدرة على إقامة بنية تحتية للإنتاج المحلي تلبّي حاجاتها الحيوية تقريباً من دون حدود، وواصلت تسويق نفطها وغازها، والمحافظة على موقعها كحليف حيوي للولايات المتحدة التي تحتفط بأكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط على أراضيها، والاستعداد لاستضافة كأس العالم في كرة القدم في سنة 2022.
النزاع بين قطر ودول الخليج، وخصوصاً السعودية، ورّط ترامب في منظومة علاقات معقدة. فقد كان عليه المحافظة على علاقات جيدة مع الدولتين من دون أن يُظهر تفضيلاً لأي منهما. على سبيل المثال امتنع من التدخل مباشرة في المعركة في ليبيا، التي وقفت فيها السعودية ومصر والإمارات إلى جانب الجنرال الانفصالي خليفة حفتر، في مواجهة الكويت وقطر وتركيا، التي أيدت الحكومة المعترَف بها. وبحسب موقع The Intercept، فإن وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون خسر وظيفته، من بين أمور أُخرى، بسبب هذا النزاع، ولأنه حاول ثني السعودية والإمارات عن مهاجمة قطر. تيلرسون لم يكن يعلم بأن هاتين الدولتين على وشك أن تفرضا حصاراً على قطر، بينما كوشنير علِم بالحصار قبل 3 أشهر من فرضه. ترامب أثنى على الحصار واتهم قطر بتمويل المنظمات الإرهابية “بمستوى عالٍ جداً”، بينما شكّك تيلرسون في تدخّلها في تمويل الإرهاب، والبنتاغون أثنى على مساهمة قطر المهمة في الحرب ضد الإرهاب.
لكوشنير علاقات وثيقة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المعتاد على إجراء محادثات ليلية معه وتبادُل رسائل بواسطة الواتسآب، لكنه في الوقت عينه هو مدين بالشكر لقطر على المساعدة التي قدمتها قبل نحو عامين، كما يبدو من دون أن تعرف، لشركته الاستثمارية قبل الانتخابات الرئاسية. تورطت شركة الاستثمارات التابعة لعائلة كوشنير بدفعات لبرج “الجادة الخامسة رقم 666” في نيويورك، واستعانت بعقد ضمان وقّعته مع شركة الاستثمارات الضخمة بروكفيلد التي يملك صندوق الاستثمار القطري نحو 9% فيها.
هل من المحتمل أن سفرة كوشنير الأخيرة في دول الخليج لم تكن تهدف إلى الدفع قدماً بحل نزاع محلي أو التطبيع بين السعودية وإسرائيل، بل إعداد الأرضية المالية له ولعائلة ترامب قبيل مغادرته البيت الأبيض؟ محللون أميركيون كثيرون يعتقدون أن ترامب وأفراد عائلته سيحاولون استغلال علاقاته السياسية مع دول الخليج للحصول على عقود استثمارات عقارية بأحجام تبلغ مئات ملايين الدولارات.
المحافظة على علاقات تجارية مع رئيس أميركي يؤكد أنه لا ينوي مغادرة الساحة السياسية هي خطوة مطلوبة. هكذا تصرفت السعودية مع بوش الأب وحصدت أرباحاً مع بوش الابن.
ليس من المتوقع أن تؤدي الأسابيع الأخيرة، التي بقيت لترامب في البيت الأبيض، إلى تحولات سياسية كبيرة. السعودية قررت في هذه الأثناء تأجيل عملية التطبيع وانتظار دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض لمحاولة الحصول على شهادات صلاحية وتطهير اسم محمد بن سلمان في مقابل التطبيع مع إسرائيل. في الوقت عينه تستطيع السعودية تمديد المفاوضات مع قطر عدة أسابيع وحتى أكثر، من دون أن يتسبب لها ذلك بأي ضرر. لكن عندما يعلن بايدن أنه ينوي “فحص وضع حقوق الإنسان في السعودية”، والعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، فإن السعودية بحاجة إلى رص الصفوف وتقليل المعارك وسط دول الخليج لتشكيل سور واقٍ ضد السياسة الأميركية الجديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى