أحدث الأخبارايرانشؤون امريكيةمحور المقاومة

“هآرتس”، دعوة الولايات المتحدة إيران إلى العودة إلى المفاوضات تشير إلى فشل سياسة إسرائيل

مجلة تحليلات العصر الدولية - آلون بانكس

أكثر من الأهمية المعلنة ومن التداعيات الجيو – سياسية المحتملة، لاتفاق “التعاون الاستراتيجي” الذي وقّعته الصين وإيران يوم السبت هناك أهمية أُخرى لهذا الاتفاق. فهو يشكل دليلاً على فشل السياسة الأميركية – الإسرائيلية حيال إيران، على الأقل خلال السنوات الثلاث الأخيرة. “الضغط الأقصى” أثمر نتائج إيجابية ضئيلة. إذا أضفنا إلى ذلك التحرك الأميركي لتقديم مخطط وصيغة لاستئناف المفاوضات مع إيران على اتفاق نووي، على أساس “متزامن” وتدريجي من جانب الطرفين، يبدو أن السياسة الإسرائيلية استنفدت نفسها وتتطلب إعادة نظر كاملة.
انسحبت الولايات المتحدة بصورة أحادية الجانب من الاتفاق النووي في سنة 2018. وهي لم تقدم قط خطة بديلة، ولم تجنّد حلفاءها، وأعلنت تطبيق استراتيجية “الضغط الأقصى” – استئناف وتشديد العقوبات على افتراض أن اقتصاد إيران سينهار، وبذلك ستعزلها وتجبرها على العودة إلى المفاوضات بشروط أُخرى محسّنة؛ ومع ازدياد الضغط من المحتمل حدوث اضطرابات داخلية، وربما تغيير للنظام.
باستثناء إسرائيل التي دفعت وضغطت في سنتيْ 2017-2018 من أجل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق – وابتهجت للقرار الجريء الذي اتخذه الرئيس السابق دونالد ترامب – فإن أياً من الدول الأُخرى الموقّعة على الاتفاق: الصين، روسيا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، لم تؤيد الخطوة الأميركية. عندما بدأت إيران بتخصيب اليوارنيوم منتهكة بصورة فاضحة وجوهرية الاتفاق الذي بقيت ملتزمة به رسمياً – أعلنت إسرائيل، التي عارضت الاتفاق منذ لحظة توقيعه، والولايات المتحدة التي انتهكته عندما انسحبت منه، أن هذا دليلاً على أن إيران تخرق الاتفاقات.
سجل الإنجازات في السنوات الثلاث الأخيرة يتضمن البنود التالية: لدى إيران اليوم نحو 12 ضعفاً مما كان لديها من اليورانيوم المخصب عشية الاتفاق في صيف 2015؛ وهي تحتفظ بوجود عسكري من خلال وكلائها وتنظيمات ترعاها في الجولان ولبنان، بالقرب من حدود إسرائيل؛ كما وقّعت اتفاقاً استراتيجياً مع الصين، وبغض النظر عن حجمه ونوعية مكوناته، فإنها ليست معزولة عن العالم. تُجري الولايات المتحدة مفاوضات غير مباشرة مع إيران لاستئناف الاتفاق النووي بتأييد من الأوروبيين، مع زيادة محتملة ممكنة: تعاون مع الصين في هذه المسألة. وبحسب كل المقاييس، إنه نجاح استراتيجي وسياسي.
الاتفاق بين بيجين وطهران لا علاقة له مباشرة بالاتفاق النووي، لكنه يؤثر في البنية الاستراتيجية للمربع المعقد المؤلف من الولايات المتحدة والصين وإيران وإسرائيل. إلى أي حد هو معقد؟ هذه هي الخطوط العريضة للمربع: الولايات المتحدة وإسرائيل هما حليفتان مقربتان. الصين تتحول بصورة تدريجية إلى شريكة تجارية مركزية لإسرائيل وتستثمر كثيراً في البنى التحتية. تعتبر الولايات المتحدة الصين خصماً استراتيجياً، وتحدياً سياسياً يمكن أن يتحول إلى عدو. الصين توقّع اتفاقاً شاملاً مع إيران- التي تعتبرها إسرائيل مصدر قلق إقليمي، وراعية للإرهاب، وخطراً وجودياً إذا حصلت على سلاح نووي.
هناك وجهتا نظر أساسيتان لتحليل الاتفاق الصيني – الإيراني، وكلتاهما متساويتان في الصلاحية والجدوى. وجهة النظر الأولى تقدم واقعاً بسيطاً- لا يمكن الاستخفاف بتوقيع اتفاق استراتيجي لمدة 25 عاماً، تبلغ قيمته 400 مليار دولار، ويتضمن مكونات طاقة وتكنولوجيا وبنى تحتية وتعاوناً عسكرياً، كما يجب عدم التقليل من أهميته أو القول إنه لن تكون له أهمية جيو-سياسية وتداعيات سياسية على إسرائيل في المستقبل القريب. ويدل الاتفاق رغم أنه لن يدخل في حيّز التنفيذ قبل عامين، على أن إيران لم تنهَر وليست على حافة الانهيار نتيجة العقوبات الأميركية القاسية. ثانياً؛ عثرت إيران على مظلة قوية ولو محدودة، وكسرت الحصار الذي أمِلت واشنطن والقدس أن تظل فيه. للصين وإيران المصلحة نفسها، وإن بدرجات متفاوتة، في إضعاف الولايات المتحدة. ولإسرائيل مصلحة أساسية وواضحة في أن تكون قوية وموثوقاً بها ومنخرطة. لذا فإن للاتفاق أهمية كبيرة.
وجهة النظر الثانية، تضع الاتفاق في اطار نسبي وترى فيه جزءاً لا يتجزأ، من السياسة الخارجية للصين من دون أن يكون مركزياً فيها. وهو لا ينطوي على هدف أو منطق استراتيجي يسعى لتقويض النظام في الشرق الأوسط. كما أن الصين غير معنية بتحويل المنطقة إلى منطقة عنف وتوتر، وليس لديها نيات للوساطة، ولا تطلعات إلى صنع السلام، وتتجنب عموماً التدخل في نزاعات إقليمية. من الناحية الاقتصادية تُظهر الصين قوة كبيرة، وتريد من الناحية السياسية عرض عضلاتها، لكنها عسكرياً تتجنب أي منطقة تعرّض استثماراتها المالية للخطر وتستنزف رأس مالها السياسي.
يوجد أيضاً تضارب في المصالح بين الصين وإيران. بيجين مهتمة بأسعار نفط منخفضة، ولطهران مصلحة حيوية في أسعار مرتفعة. تعطي الصين أهمية لعلاقاتها التكنولوجية مع إسرائيل – الأمر الذي لا ترضى عنه الولايات المتحدة – وثمة شك في أن الاتفاق مع إيران يعرّض هذه العلاقات للخطر من زاوية التكلفة – الفائدة. تستهلك الصين 14.5مليون برميل نفط يومياً. وللمقارنة تستهلك الولايات المتحدة قرابة 21 مليون برميل. مصدر 44% من استيراد الصين هو الشرق الأوسط، في الأساس من السعودية. حتى السنة الأخيرة كان الاستيراد من إيران نحو 3%. لكن اليوم ارتفعت حصة إيران إلى 7% – نحو مليون برميل يومياً – وهو ما يشكل نصف صادرات طهران في هذا القطاع. وكما ذكرنا، الصين تتجنب بؤر النزاع، وثمة شك في أن تقوم بتزويد إيران بتكنولوجيا صواريخ بحرية متطورة أو منظومات صواريخ كاملة تشكل تهديداً لإسرائيل.
للاتفاق دلالة سياسية واقتصادية خاصة. للصين اتفاقات تفاهم مع 140 دولة، بينها إيران، تجعل من هذه الدول أعضاء في مبادرة “الحزام والطريق” – الأساس المركزي للسياسة الخارجية الصينية التي أعلنها الرئيس شي جي بينغ في سنة 2013. المقصود سياسة خارجية وتجارة هدفها الاستراتيجي الربط بين آسيا وأفريقيا، والشرق الأوسط وأوروبا، بواسطة شبكة من الطرق البرية والبحرية المؤدية إلى مدن صناعية وموانىء. أهدافها المعلنة تحقيق اندماج اقتصادي إقليمي واقامة خطوط وسلاسل توريد ناجعة. وبغض النظر عن التضامن الإنساني وحب مساعدة الغير، فإن للصين مصلحة أساسية أكبر – توسيع مجال نفوذها وقوتها السياسية، وخلق تبعية مالية، وبناء مخزون من الرافعات وأدوات الضغط.
هذه الخطة التي تعتمد على “طريق الحرير”، هي خطة ثنائية البعد. “طريق حرير اقتصادية” تربط الصين بجنوب شرق آسيا وغربها، وبروسيا وأوروبا بوسائل برية. “طريق حرير بحرية” تربط موانىء الصين بموانىء جنوب آسيا، وجنوب المحيط الهادىء، والشرق الأوسط، والحوض الشرقي للبحر المتوسط، وشمال أفريقيا وجنوب أوروبا.
تقوم الصين ببناء البنى التحتية للمواصلات والاتصالات. الاستثمارات التي تقدمها الصين هي ذات “جودة عالية”، أي تقليص المخاطر المالية مع درجة مرتفعة نسبياً من اليقين – تشمل بناء مرافىء، طرقات، سكك حديدية، مطارات، اتصالات، محطات طاقة وكل ما هو مطلوب تقنياً ومالياً لدعمها. إذا ألقينا نظرة على الخريطة وجدنا أن إيران تشكل حلقة في البعدين البري والبحري.
المفارقة أن الاتفاق بين الصين وإيران، وفي المقابل المحاولة الأميركية لاستئناف المفاوضات على الاتفاق النووي، يمكن أن يضعا إسرائيل في وضع جديد – ومن المحتمل في ما يتعلق بالمسألة الإيرانية تحديداً يمكن أن يجد بايدن والرئيس الصيني سبيلاً للتعاون وتبديد التوترات. وثمة احتمال كبير جداً أن النهج المتطرف لإسرائيل إزاء إيران وإزاء الاتفاق النووي أن يجعلها على خلاف مع واشنطن وبيجين في آن معاً. الأمر الذي يتطلب تفاهمات جديدة مع الولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى