أحدث الأخبارلبنانمحور المقاومة

هل آخِر العِلاج للأزمات اللبنانيّة المُتفاقمة انقِلابٌ يقوده قائد الجيش اللبناني؟ وما هي المُؤشِّرات التي تقود إلى هذا الافتراض؟ وحتى متى يبقى حاكم المصرف المركزي فوق الدّستور والسّلطات اللبنانيّة.. ومن الذي يدعم حُكمَه المُطلق؟

مجلة تحليلات العصر الدولية - عبدالباري عطوان

أثبت السيّد رياض سلامة حاكم المصرف المركزي اللبناني بأنّه الحاكم الفِعلي للبنان، باتّخاذه قرارًا من جانبٍ واحد برَفع الدّعم عن المحروقات في لبنان، والضّرب عرض الحائط برأي الرئيس ميشال عون والسيّد حسان دياب، رئيس الوزراء، وكُل المُعارضين لهذه الخطوة التي أدّت إلى إحداثِ شللٍ فيما تبقّى من أوجه الحياة في لبنان، بِما في ذلك انقِطاعُ الكهرباء والماء، وتوقّف مُعظم الأفران لاعتِمادها على المازوت غير المُتَوفِّر، وتعطّل السيّارات والمُواصلات.

ثمانون في المِئة من اللّبنانيين باتوا تحت خطّ الفقر، و36 بالمِئة منهم يعيشون الجُوع فِعليًّا، ولا يَجِدُون لقمة خُبز أو عُلبة حليب لأطفالهم، وكان السيّد حسان دياب رئيس الوزراء المُستقيل مُصيبًا عندما وصف القرار بأنّه “مُخالفٌ للقانون، ولا يُراعي واقع الأزمة المعيشيّة والاجتماعيّة العميقة، وستَكون تداعياته خطيرةً على البلد، وأضراره أكبر بكثير من منافع حماية التّوظيفات الإلزاميّة في مصرف لبنان، لأنّه يُدخِل البِلاد في المَجهول الاجتِماعي والمعيشي”، ولكنّ السيّد سلامة لا يهمّه فيما يبدو الأغلبيّة الفَقيرة المَسحوقة من الشّعب اللّبناني.

من المُفارقة أنّ السيّد وليد جنبلاط، زعيم الحزب “الاشتِراكي”، الذي من المُفترض أن يَقِف في خندق الفُقراء والجَوعى، من أبرز الدّاعمين لقرار رفع الدّعم وصاحبه رياض سلامة، جنبًا إلى جنبٍ مع “الدكتور” سمير جعجع زعيم حزب القوّات اللبنانيّة، والسّبب أنّ السِّلَع المدعومة يجري تهريبها إلى سورية، رُغم أنّ ما يحدث هو العكس تمامًا، فذِكْر كلمة “سورية” على مسامع السيّد جنبلاط ثلاث مرّات يُصيبه بغَيبوبةٍ.

مُعظم هذه الأزمات التي يعيشها لبنان حاليًّا مُفتَعلة، وتَقِف خلفها الولايات المتحدة الأمريكيّة وفرنسا، والهدف هو تركيع الشّعب اللّبناني وإغراق البِلاد في الفوضى، بِما يقود في نهاية المطاف إلى الاقتِتال الدّاخلي والحرب الأهليّة، أو التّمهيد لانقِلابٍ عسكريّ يتَولّى قائد الجيش من خِلاله السّلطة، ويُعلِن حالة الطّوارئ والأحكام العُرفيّة.

البِلاد بلا كهرباء، ولا ماء، ولا خُبز، ولا دواء، ولا خدمات عامّة، والحياة مُتوقِّفةٌ تمامًا، ولم تَعُد تُطاق، والاحتِقان يقترب بخُطى مُتسارعة من الانفِجار وينتظر الشّرارة، والذين يَقِفون خلف انفِجار مرفأ بيروت، وأزمة انهِيار اللّيرة، آخِر المُهتمّين، وأوّل المُتآمرين، ويُصَلُّون وِفق البُوصلة الأمريكيّة.

هل يُعقَل أنّ الجندي في الجيش اللّبناني يتَسوّل وجبات طعامه من أمريكا وفرنسا؟ هل يُعقَل ألا تَجِد عرباته الوقود للتَّحرُّك؟ ودُلّونا عن أيّ بَلدٍ في العالم يتَسوّل قائد جيشه المعونات الماليّة من دُوَلٍ أجنبيّةٍ غير لبنان؟

لا نعتقد أن السيّد نجيب ميقاتي رئيس الوزراء المُكَلَّف سينجح في مهمّته بتشكيل الحُكومة، ولا نعتقد أنّه سينجح في إخراج البِلاد من أزماتها حتى لو نجح في تشكيلها لأنّ القِوى الداخليّة والخارجيّة التي أفشلت حُكومة حسان دياب، ودفعت السيّد سعد الحريري للتَّخَلِّي عن المَهمّة لزِيادة الاحتِقان، ستُوَفِّر له، أيّ السيّد ميقاتي، فُرَص النّجاح.

أزمة المحروقات كان يُمكِن إيجاد حُلول لها، باستِيراد النّفط من إيران، وباللّيرة اللبنانيّة، ولكنّ أمريكا وإسرائيل هدّدتا بقصف النّاقلات الإيرانيّة، تمامًا مثلما فعلت بعرقلة النّفط القادم من العِراق للوصول إلى رفع الدّعم وإحداث حالة الشّلل الحاليّة، ولو كانت أمريكا وسفيرتها المُتَعجرفة في بيروت، تُريد حلّ الأزمة، لأوعزت لحُلفائها في السعوديّة ودول الخليج الأُخرى لإرسال سُفنها وناقلاتها إلى بيروت ولكنّها، أيّ أمريكا، تُريد التّأزيم وليس الانفِراج.

هُناك تسريبات تُؤكِّد أنّ الخطوة التّالية بعد التّجويع للشّعب اللّبناني، وتصعيب كُل أوجه المعيشة في وجهه، وبعد فشل مشروع الفتنة المُتَمَثِّل في مِصيَدة “خلدة” الطّائفيّة الدمويّة بين السنّة والشّيعة، وجرّ “حزب الله” إليها، هُناك تسريبات تُؤكِّد أنّ الجِهات التي تَقِف خلف المُؤامرة تُريد دفع الجيش اللّبناني إلى الواجهة، والتّحرّك بسُرعةٍ للسّيطرة على الحُكم، وحلّ البرلمان، وتجميد العمل بالدّستور وأحكامه.

الهدف من الزَّج بالجيش في الأزمة تحت ذريعة أنّ آخِر العِلاج هو الكيّ، إحداثُ انشِقاقٍ فيه على أرضيّةٍ طائفيّة ومذهبيّة، وتوريط “حزب الله” في الحرب الأهليّة التي ستترتّب على ذلك، وانتِشار فوضى السّلاح، في طُولِ البِلاد وعرضها لسَنواتٍ قادمة.

الذين يَقِفون خلف هذه المُؤامرة لا يَهمّهم من المُنتَصِر أو المَهزوم في هذه الحرب الأهليّة الوشيكة، مثلما لا يَهمّهم أعداد الضّحايا الهائلة من الشّعب اللّبناني الضّحيّة، وتدمير الدّولة اللبنانيّة، لأنّ الهدف هو استِنزاف “حزب الله” وأنصاره، ومُحاولة نزع سِلاحه، من أجل سلامة إسرائيل وضمان أمنها، وتبديد مخاوفها، وتمكينها من سرقة احتِياطات المال والغاز اللّبناني.

“حزب الله” الذي تَصدّى للمُؤامرة في سورية، ولعب دورًا كبيرًا في هزيمة الاحتِلال الأمريكي للعِراق، بإشعال فتيل المُقاومة، وإجبار هذا الاحتِلال على الرّحيل مهزومًا، بالتّعاون مع شُرفاء العِراق من كُلّ المذاهب والأعراق، سيَهزِم هذه المُؤامرة الأمريكيّة الإسرائيليّة الفرنسيّة، ونَختِم بالآية الكريمة، “ويمكرون، ويمكر الله، والله خير الماكرين” صدق الله العظيم.. والأيّام بيننا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى