أحدث الأخبار

هل تنجح معادلة الامن مقابل السياسة

شارل أيوب
الديار
هل تنجح معادلة الامن مقابل السياسة

عادة تبادل الدول الكبرى ضرباتها الامنية من دول العالم الثالث دون المبادلة بالسياسة، وتلبية المطالب السياسية لدول العالم الثالث.

والعلاقة الاميركية السورية مقطوعة، وهنالك تواجد عسكري اميركي في سوريا خارج عن سيادة الدولة السورية ومن دون موافقتها.

ولقد كشف اللواء عباس ابراهيم مدير عام الامن العام اللبناني والذي يتولى الاتصالات بين الولايات المتحدة وسوريا بشأن مفقودين اميركيين في سوريا، اختفوا اثناء الحرب التي اجتاحت الدولة السورية. وفي حديث للواء ابراهيم، كشف انه تلقى دعوة من السلطات الاميركية، وتحديدا من مستشارية الامن القومي، ومن موقعه كمدير عام للامن العام اللبناني، لزيارة واشنطن واجراء محادثات مع كبار المسؤولين الاميركيين فيها. وطبعا المفاوضات تركزت على البحث مع سوريا بشأن معرفة مصير المفقودين الاميركيين بمن فيهم اوستن تايس. وأضاف ابراهيم انه اجتمع بكبار الموظفين في البيت الابيض والمخابرات ووزارة الخارجية. وزيارة مدير عام الامن العام اللبناني عباس ابراهيم لواشنطن هي الاولى في عهد الرئيس بايدن الذي خلف الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب في رئاسة الولايات المتحدة، واجتمع اللواء عباس ابراهيم ثلاث مرات على ما كشفه لمجلة الامن العام اللبناني التي صدرت امس مع والدة الصحافي اوستن تايس، وببراعة فائقة تكلم اللواء عباس ابراهيم عن الموضوع ديبلوماسيا دون ان يكشف الاسرار، بل اعطى عناوين للمواضيع، لان مهمته دقيقة للغاية، ومن طباع اللواء عباس ابراهيم انه لا يكشف الاسرار الا بعد انجاز المهمات.

الولايات المتحدة تريد ان يعود الاميركيون المفقودون في سوريا اليها خصوصا ان ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن تحتاج الى هذا الانجاز كي يفوز الديموقراطيون بالانتخابات النيابية في الكونغرس ومجلس الشيوخ، والتي تجري بعد اشهر قليلة. ولذلك تم توجيه الدعوة الى اللواء عباس ابراهيم من الادارة الاميركية لزيارة واشنطن لاستكمال المفاوضات التي كان قد بدأها في عهد الرئيس ترامب وتوقفت بعد سقوط ترامب في الانتخابات الرئاسية ومجيء الرئيس جو بايدن الى سدّة الحكم.


اميركا تريد المفقودين في سوريا خصوصا الصحافي اوستن تايس، والذي عمل في الجيش الاميركي في سلاح البحرية، قبل ان يصبح صحافيا، وقد فقد في سوريا سنة 2012. ومقابل الطلب الاميركي هنالك طلب سوري بعودة العلاقات الديبلوماسية بين الولايات المتحدة وسوريا وانسحاب الجيش الاميركي من منطقة الرقة، وهي منطقة تقع في شمال وسط سوريا، على الضفة الشمالية لنهر الفرات على بعد 200 كيلومتر شرق مدينة حلب، ويعتمد اقتصادها على الزراعة وعلى الحقول النفطية المجاورة، وفيها اثارا مهمة جدا تعود للعصر العباسي.

تحدث اللواء ابراهيم لمجلة الامن العام اللبناني وكشف امورا هامة بعناوينها العريضة، دون ان يدخل في التفاصيل، لكن المبدأ الذي تعتمده الدول الكبرى مع دول العالم الثالث، هو عقبة في وجه المهمة اذا اصرت الولايات المتحدة على عدم مبادلة السياسة مقابل الامن، فلا تستطيع الولايات المتحدة ان تطلب من سوريا طلبا امنيا هاما يتعلق باميركيين خاصة الصحافي اوستن تايس دون ان تقدم لسوريا المبدأ السياسي مقابل ذلك، واهم ما في الامر العلاقات الديبلوماسية بين واشنطن ودمشق ومبدأ انسحاب الجيش الاميركي من منطقة الرقة حيث يدعم الجيش الاميركي قوات «قسد»، والجيش الاميركي موجود في منطقة الرقة دون التنسيق مع الدولة السورية، ويعتبر وجوده خارجا عن السيادة وخرقا للسيادة السورية، كدولة اجتازت مرحلة الحرب واستعادت 80 بالمئة من اراضيها وتعمل على اعادة السيادة السورية الى كل اراضيها والى الشعب السوري.

اللواء ابراهيم نجح في المفاوضات وتوضيح الامور للاميركيين وللسوريين، بعدما استمع الى وجهتي النظر، ووضع الامور في نصابها، والان يعود النجاح للمهمة الى الجواب الاميركي التي ستعطيه واشنطن الى اللواء ابراهيم بشأن العلاقات الديبلوماسية وبشأن الانسحاب من الرقة. وتدرس الادارة الاميركية تحضير الجواب كي ترسله عبر الوسيط اللواء ابراهيم الى دمشق ولا شك ان واشنطن حصلت على اشارات بشأن المفقودين الاميركيين في سوريا لكن اللواء ابراهيم لم يكشف اي شيء بهذا الشأن في حديثه لمجلة الامن العام او في احاديثه مع المسؤولين الذين التقاهم في لبنان.

قد تقدم واشنطن على خطوة تحسين علاقاتها الديبلوماسية مع دمشق، والرئيس جو بايدن الذي كان نائب الرئيس الاميركي اوباما اجواؤه ايجابية تجاه سوريا لكنه طبعا يأخذ برأي الكونغرس الاميركي ووزارة الدفاع البنتاغون، واذا كنا ذكرنا الرئيس اوباما فلأن الرئيس الاميركي الاسبق اوباما حافظ على علاقة مقبولة مع سوريا على عكس الرئيس السابق ترامب الذي كان عدائيا جدا ضد سوريا، وارسل القوات الاميركية لتتوزع في مناطق في شمال سوريا، على المدى الواسع تحت عنوان القتال ضد داعش.
وفعليا لم يقاتل الجيش الاميركي داعش بقوة، بل دعم قوات «قسد» ودعم الاكراد وتواجد مع الوجود الروسي الشرعي الذي جاء بطلب من سوريا والوجود الايراني المحدود، والذي وافقت على وجوده السلطات السورية، وهو ليس جيشا ايرانيا بقدر ما هم مستشارون عسكريون ايرانيون وقوة ايرانية صغيرة قليلة العدد.


الامر متوقف على معادلة السياسة مقابل الامن اذا تجاوبت الولايات المتحدة مع طلب السوري بمبادرة طلباتها الاميركية الامنية بخطوات ديبلوماسية، فان الامور ستنجح، وسيعود المفقودون الاميركيون في سوريا الى الولايات المتحدة والذين مصيرهم مجهول ولم يتم الكشف ما اذا كانوا قد قتلوا في الحرب ام هم في السجون السورية، لكن، لا يمكن ان يتم اجراء المحادثات وتوجيه دعوة للواء عباس ابراهيم الوسيط بين اميركا وسوريا لزيارة واشنطن ما لم تكن واشنطن لديها اشارات ان المفقودين في سوريا ما زالوا احياء او بعضهم ما زال على قيد الحياة، وقد يكون بعضهم قد توفي، لكن الارجح انهم احياء في السجون السورية وفق ما ذكرت بعض وسائل الاعلام، لكن دون تأكيد ذلك ودون اي مستند.

عودة المفقودين الاميركيين الى الولايات المتحدة ستعطي الرئيس جو بايدن شعبية بعد ان فقد جزءا من شعبيته بعد انتخابه، وسيعطي الديموقراطيين قوة شعبية ايضا، مما يجعلهم قد ينجحون في كسب مقاعد في مجلس الشيوخ الاميركي، حيث يحتاج الرئيس الاميركي الى مجلس الشيوخ والكونغرس لتعزيز سلطاته والحصول على دعم، خاصة من مجلس الشيوخ الذي يتقاسم مقاعده الديموقراطيون والجمهوريون بالنصف. الموضوع الان هو على طاولة الرئيس الاميركي جو بايدن الذي كان مسافرا، وعاد الى الولايات المتحدة وسيكون عليه اتخاذ القرار بشأن العلاقات الديبلوماسية مع سوريا، وكيفية اعادتها، او اعادة جزء منها، كذلك الجواب بخصوص الانسحاب من منطقة الرقة الهامة، وعندها تكون سوريا قد حققت مكسبا كبيرا دوليا وفي الوقت ذاته يحقق بايدن مكسبا هاما في الانتخابات التشريعية للكونغرس الاميركي ومجلس الشيوخ.

وسيشكل ايضا نجاحا للبنان من خلال الوساطة التي قام بها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي قام بالمهمة بالاتصال بين دمشق وواشنطن، حيث ان المبادرة جاءت من واشنطن لدعوته لزيارتها والاجتماع بكبار المسؤولين في الخارجية والامن الاميركي ومستشارية الامن القومي في البيت الابيض.

اسابيع قليلة وتظهر النتائج، فاذا جاء الجواب الاميركي ايجابيا، تكون سوريا قد حققت خطوة هامة عبر علاقاتها القوية مع روسيا، وفي الوقت ذاته في اعادة جزء من علاقاتها مع الولايات المتحدة، وفتح الابواب بينهما رغم ازمة اوكرانيا التي تباعد بين روسيا والولايات المتحدة.

الفريقان يحتاجان لبعضهما البعض، الولايات المتحدة وادارة بايدن يحتاجان لاعادة المفقودين الاميركيين في سوريا، وخاصة اوستن تايس الصحافي الاميركي، وسوريا بحاجة لاعادة علاقاتها الديبلوماسية ولو جزئيا مع اميركا.


الكرة الان هي في الملعب الاميركي. وبانتظار جواب الادارة الاميركية ستنجلي الامور، وعلى كل حال، لن يكون الامر سحريا، بل خطوات خلف خطوات وجواب خلف جواب، لكن اغلب الظن ان الامور ستسير باتجاه ايجابي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى