أحدث الأخبارشؤون آسيويةفلسطينمحور المقاومة

هل ستنجح عملية تنوفا في القضاء على المقاومة في غزة؟

مجلة تحليلات العصر الدولية - عميرة أيسر

عمل الكيان الصهيوني منذ نشأته الاستيطانية سنة 1948م، على تحييد والقضاء على كل التهديدات الأمنية التي مثلتها الدول والحركات العربية المقاومة، اعتماداً على قوته العسكرية الهائلة، المستمدة من العلاقات الاستراتيجية الطبيعية التي نسجها مع الدول الغربية الكبرى، التي أمدته بكل ما يحتاجه من أجل البقاء والاستمرار والتفوق، من الناحيتين الأمنية والاقتصادية، وتعتبر أمريكا بمثابة الرافعة الاستراتيجية ، والبلد الذي أحبط كل المحاولات الإقليمية أو حتى الدولية، لإدانة جرائمه التي ارتكبها في حق الشعب الفلسطيني، أو جيرانه العرب، وعرقل كل المشاريع والقرارات الأممية التي تهدف لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967م.
ولكن بالرغم من كل الدعم الذي يحظى به الكيان الصهيوني، الذي يمتلك السلاح النووي منذ الستينات من القرن المنصرم، ومباركة وموافقة دولية، يعجز منذ 30سنة عن كسر شوكة المقاومات الإقليمية التي ألحقت به هزائم كبرى مذلة، بمختلف أيديولوجياتها الفكرية أو توجيهاتها العلمانية أو اليسارية أو الدينية، إذ أن المواجهات العسكرية ضدّ هذا الكيان السرطاني، لم يقتصر على قطاع عزة أو جنوب لبنان، بل امتدت لتشمل العراق وسوريا واليمن، و كل شبر محتل  في منطقة الشرق الأوسط.
حيث أن خبراؤه العسكريين والأمنيين، دربوا الكثير من المرتزقة في هذه الدول، وسلحوهم لتخريب تلك الدول وتدميرها، ولا ننسى الدور البارز لقوات النخبة الإسرائيلية في ذلك، والتي نفذت الكثير من الهجمات السّرية، التي لا ينشر عنها الإعلام العربي شيئا في العادة، وأضحت تمثل تحدياً كبيراً لأمن الكثير من الدول العربية، ومنها وحدة شالداغ التي تعتبر قوات النخبة سلاح الجو الصهيوني، وتعرف أيضا ً بالوحدة رقم 5101، أو لواء غولاني الذي نفذت فرقة تابعة للكتيبة 12فيه، عملية نوعية عالية السرية على الحدود مع سوريا، حيث قامت قوات العدو الإسرائيلي بتدبير نقطة عسكرية سورية، تقع بالقرب من المنطقة العازلة المنصوص عليها في اتفاقية فصل القوات الموقعة عام 1974م، والتي لا يسمح بموجبها للقوات الصهيونية بالتواجد هناك، ولا حتىّ مجرد إقامة نقاط مراقبة. كما ذكر موقع الحرة بتاريخ 5أفريل/نيسان 2021م، في مقال بعنوان ( عملية سرية… فيديو يوثق تسلل جنود إسرائيليين لتدمير نقطة عسكرية سورية).
فإسرائيل التي أصبحت تفكر بشكل جدي  وجذري في إنهاء تلك التهديدات التي أصبحت تشكل خطراً وجودياً على أمنها القومي، وذلك بتسخير كل بناها التحتية الأمنية، و مراكزها البحثية، وخبراءها العسكريين والاستراتيجيين ،  وبالأخص بعد هزيمتها المذلة على يد فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة في حرب غزة 2014م، والتي تعتبر الحرب الرابعة التي تشنها على القطاع المحاصر، وفشل الجيش الاسرائيلي في تلك الحرب في تحقيق أهدافه الكبرى، والتي حدد فيها نتنياهو بنك أهداف تمثل في تدمير منظومة أنفاق المقاومة، وتجريدها من السّلاح، ووضع حد نهائي للتهديد الذي تمثله المقاومة في غزة للأمن الاسرائيلي، وهي الأهداف التي فشل الصهاينة في تحقيقها، بعد 51 يوماً من الحرب، وبالتالي تحول الجيش الاسرائيلي كمادة دسمة للسخرية والتهكم في الإعلام الدولي. كما ذكر موقع الجزيرة للدراسات، بتاريخ 24ماي/أيار 2021م، في مقال بعنوان( حرب غزة الرابعة، فشل إسرائيلي وتصدر فلسطين.).
فتلك الحرب  اعتبرت نقطة تحول وانعطاف استراتيجي كبير في المؤسسة الأمنية الصهيونية، و التي أدرك صناع القرار فيها بأن الحل الوحيد أمامهم  للتخلص من المقاومة الفلسطينية في القطاع بما فيها حركة حماس، بالإضافة لحزب الله في جنوب لبنان، لن يكون إلاّ بشنّ حرب شاملة كبرى تشترك فيها مختلف الوحدات والألوية العسكرية، وفروع القوات المسلحة الإسرائيلية المختلفة، وذلك بالتنسيق الكامل مع الأجهزة الاستخباراتية كالشاباك والموساد وأمان، وإنشاء وحدة لقوات نخبة النخبة، تكلف بمهمة الاختراق السريع والمدمر لتحصينات المقاومة تحت الأرض، تلك الخطة العسكرية التي بدأ تنفيذها اعتماداً على نظرية بناء القوات المسلحة، والتي تعتبر أحد العلوم النظرية العسكرية التي تدرس في الاكاديميات العليا، والتي تُعرف بأنها منظومة من التدابير والمبادئ السّياسية والاقتصادية والعلمية والعسكرية، والأيدلوجية والاجتماعية والقانونية والتنظيمية لبناء القوة العسكرية، وتحديد الاتجاهات الرئيسية لتطوير القوات المسلحة، وتحديد شكلها وقوامها المطلوب وأعدادها وتجهيزها للدفاع عن الدولة، بشكل يؤمّن التعامل مع التهديدات الداخلية والخارجية المحتملة. كما ذكر موقع المعهد المصري للدراسات، في شهر أفريل/نيسان 2020م، في مقال بعنوان( أركان الجيش الاسرائيلي:الخطط
والتحديات).
فهذه الخطة العسكري التي بدأت بإيعاز من وزير الدفاع الاسرائيلي بيني غانتس، لرئيس هيئة أركان جيشه أفيف كوخافي، بضرورة تطبيق خطته الخمسية المتعددة السنوات ” تونفا”، والتي تعني الزخم أو الحصاد السريع بالعبرية، وتقدر تكلفتها المالية بحوالي 20مليون دولار، وسيستغرق أنجازها 5سنوات، وسيتم الانتهاء منها في سنة2025م، مثلما ذكر موقع INDÉPENDANT عربي، بتاريخ 3ديسمبر/ كانون الأول 2021م، في مقال بعنوان ( إسرائيل تجمع بنك أهداف إلكترونياً من غزة لخطة “تنوفا”).
فهذه الحرب المستقبلية  ستعتمد على تكنولوجيا عسكرية سرية لم تستخدم من  قبل، بالإضافة للاعتماد الكلي على شل مراكز القيادة والسيطرة والتحكم لدى المقاومة الفلسطينية في المرحلة الأولى من الحرب، وذلك عن طريق القيام بشنّ هجمات سيبرانية مكثفة و مركزة، لقطع الاتصال  بين مختلف الوحدات القتالية المتواجدة في ميدان المعركة، وهذا ما سيعطي الأفضلية لوحدات الكوموندوس الإسرائيلية  كلواء جفعاتي، لتوجيه ضربة برية خاطفة، وتحييد معظم القدرات القتالية للمقاومة الفلسطينية في غزة، وفي طليعتها قوات كتائب عز الدين القسام، التابعة لحماس.
فالقيادة السّياسية والعسكرية في تل أبيب، التي باتت ترى في تعاظم قدرات فصائل المقاومة الفلسطينية العائق الرئيسي أمامها لإحكام سيطرتها على كل شبر في فلسطين التاريخية و ابتلاعها، وإقامة مملكة إسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل إلى الفرات، تعلم جيداً بأن مهمتها شبه مستحيلة بوجود أذرع إقليمية مسلحة، مدعومة من طرف إيران لن تسمح لها بالاستفراد بالمقاومة في غزة، وأن عملية كهذه ستؤدي حتماً لنشوب حرب كبرى في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى