أحدث الأخبارشؤون آسيويةفلسطين

هل كان هتلر يهوديًّا؟ وهل سيعتذر بوتين لإسرائيل على تصريحات لافروف التي كشفت هذه الحقيقة؟ وكيف ستكون انعِكاسات هذه الأزمة الروسيّة الإسرائيليّة المُتفاقمة على مِنطقة الشّرق الأوسط وسورية وإيران وفِلسطين على وجْه الخُصوص؟

👤عبدالباري عطوان ـ فلسطين

⚪ تشهد العلاقات الروسيّة الإسرائيليّة هذه الأيّام تَأزُّمًا غير مسبوق على أرضيّة تصريحات جريئة، ومُفاجئة، أدلى بها سيرغي لافروف وزير الخارجيّة الروسي لمحطّةٍ تلفزيونيّة إيطاليّة قال فيها إن الزعيم النازي هتلر من أصولٍ يهوديّة، وأضاف “مُنذ فترة طويلة ونحن نسمع حُكماء من اليهود يقولون إن أكبر مُعادٍ للساميّة هو من اليهود أنفسهم”.

رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت ردّ قائلًا “مِثل هذه الأكاذيب تهدف إلى اتّهام اليهود أنفسهم بأبشع الجرائم في التاريخ التي ارتكبت ضدّهم (المحرقة)”، لكن يائير لابيد وزير الخارجيّة الذي اتّهم روسيا بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عندما قال “إن القول بأنّ هتلر من أصلٍ يهوديّ يُماثل القول إن اليهود قتلوا أنفسهم، واتّهام لهم بمُعاداة الساميّة هو أحط مُستويات العُنصريّة”، وقال “إنها تصريحات مُشينة لا تُغتَفر وخطأ تاريخي فادح ونتوقّع اعتِذارًا”.

صحيفة “الديلي ميل” البريطانيّة كشفت في تقريرٍ لها نشرته في العاشر من آب (أغسطس) عام 2019، أنّ جدّ هتلر كان يهوديًّا، وقام مُتعاطفون مع النازيّة بإلغاء أصله الحقيقيّ من السجلّات الرسميّة، حيث قدّم الدكتور ليونارد ساكس أدلّةً على أن جدّة هتلر ماريا آنا شيكل جروبر التي رفضت الكشف عن هُويّة عشيقها حملت بطفلها الوحيد (والد هتلر) من شخصٍ يهوديّ يعيش في مدينة جراتس بالنمسا.


ونشر الدكتور ساكس هذه الدّراسة في مجلّة الدّراسات الأوروبيّة، وقالت الصّحيفة إن أوّل من كشف أصول هتلر اليهوديّة هو هانز فرانك المُحامي الشّخصي لهتلر الذي كشف عن أدلّةٍ عام 1930 أنّ جدّ الزعيم النازي عاش في المنزل الذي عملت فيه جدّته، ولكنّ مُؤرّخين آخرين شكّكوا في صحّة هذه الرّوايات.

السّؤال الذي يطرح نفسه الآن ليس حول صحّة أصول هتلر اليهوديّة من عدمها، وإنّما حول الأسباب التي دفعت لافروف إلى الإدلاء بهذه التّصريحات وفي هذا التّوقيت أوّلًا، وما إذا كانت روسيا ستعتذر عنها تلبيةً للطّلب الإسرائيلي ثانيًا، وكيف ستنعكس هذه الأزمة على السّياسات الروسيّة في مِنطقة الشّرق الأوسط وسورية وفِلسطين وإيران على وجه الخُصوص ثالثًا.

قبل الإجابة على هذه الأسئلة الجوهريّة نكاد نجزم بأنّ لافروف لا يُمكن أن يُدلي بهذه التّصريحات الخطيرة دون التّنسيق مع رئيسه فلاديمير بوتين، وأخذ مُوافقته لحساسيّة هذا المِلف الذي يتناول عُلاقات استراتيجيّة روسيّة مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي.

الإجابة على السّؤال الأوّل: لا نعتقد أن الرئيس الروسي بوتين سيعتذر عن تصريحاتِ وزير خارجيّته بهذه السّهولة، وتلبيةً لطلب الحُكومة الإسرائيليّة، فمَن يعرف الرّجل وكبريائه، وشخصيّته القويّة التي لا تعرف المُرونة والتّراجع، يُؤكّدون هذه الحقيقة.

الإجابة عن السّؤال الثاني: التّوقيت جاء على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة أيضًا، ويعكس حالةً من الاستياء الروسي من الموقف الإسرائيلي الدّاعم لأمريكا في حرب أوكرانيا، وتصريحات وزير الخارجيّة لابيد التي قال مُنذ اليوم الأوّل بأن تل أبيب ستقف في خندق الحُلفاء الأمريكان، واتّهم روسيا بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، وقدّمت حُكومته خُوَذ حرب وسُترات واقية من الرّصاص لأجهزة الإنقاذ الأوكرانيّة، وسمحت للرئيس زيلينسكي بإلقاء خطاب أمام الكنيست “يُشبّه فيه الغزو الروسي لبِلاده بالغزو النازي”.

الإجابة على السّؤال الثالث: هذه الأزمة إذا تطوّرت وتفاقمت، ولم يتم تطويقها، وهذا هو الأكثر ترجيحًا حتى الآن، قد يؤدّي إلى حُدوث تغييرٍٍ جذريّ في سياسة روسيا في الشّرق الأوسط، وبالتّحديد في سورية والعِراق وإيران وفِلسطين، من حيث عدم مُعارضة المشروع النووي الإيراني، وإعطاء الضّوء الأخضر لسورية وإيران باستِخدام بطاريّات صواريخ “إس 300” بالرّد على أيّ عُدوان إسرائيلي يستهدف العُمُق السوري، وربّما تزويد البلدين (إيران وسورية) بمنظومات صواريخ “إس 400” الأكثر تطوّرًا.


روسيا التي تتواجد في قواعد استراتيجيّة في سورية باتت مُجاورةً جُغرافيًّا “لإسرائيل”، وصعّدت لهجتها ضدّ الاحتِلال، وجرائم الحرب الإسرائيليّة في الأيّام الأخيرة وتصريحات لافروف موضع الغضب الإسرائيلي هي رسائل تُفيد باحتماليّة حُدوث التّغييرات والمُراجعات الجذريّة في السّياسة الروسيّة.

روسيا التي تخوض حاليًّا حربًا عالميّة في أوكرانيا لا يُمكن أن تقبل بالمواقف “المُتذبذبة” و”المُنافقة” المُدّعية الحِياد الكاذب، خاصَّةً من “إسرائيل” وتركيا، وباتت تُقدّر مواقف الحُلفاء العرب والمُسلمين الذين أيّدوا تدخّلها مُنذ اليوم الأوّل في أوكرانيا “لحِماية حُلفائها” من أُصولٍ روسيّة، مِثل سورية وإيران، أو الذين قاوموا الضّغوط الأمريكيّة مِثل السعوديّة ومِصر والإمارات ورفضوا زيادة إنتاج النفط والغاز لتخفيض الأسعار، أو تعويض أيّ حظر لنظيريهما الروسيين (الغاز والنفط) تطبيقًا للعُقوبات الأمريكيّة.

“إسرائيل” التي رفضت السّلام ودمّرت كُل مُبادراته بغُرورها وغطرستها وتغوّلت في أعمال القتل والإجرام والإهانة للفِلسطينيين تحت احتِلالها، تدفع حاليًّا ثمن هذه السّياسات غاليًا، وبدأت تعيش في حالةٍ من التأزّم والقلق والعُزلة غير مسبوقة، وخسارتها لروسيا إذا تأكّدت ستكون مُكلفةً جدًّا أيضًا.

⚪ المقال يعبر عن رأي الكاتب
ـ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى