أحدث الأخبارشؤون امريكية

هل يكرر بايدن بأفغانستان ما فعله ترامب مع إيران، وكيف سترد طالبان إذا رفض الانسحاب؟

مجلة تحليلات العصر / المصدر : عربي بوست

هل يستمر التورط الأمريكي في أفغانستان، بعد إعلان إدارة الرئيس الجديد جون بايدن أنها ستراجع اتفاق السلام الذي أبرمه الرئيس السابق دونالد ترامب مع طالبان، ويتضمن انسحاب القوات الأمريكية بالتزامن مع إطلاق عملية سلام في البلاد.

ويريد البيت الأبيض أراد التأكد من أن طالبان “تفي بالتزاماتها”، وضمن ذلك الحد من العنف وقطع العلاقات مع الإرهابيين، وتحدث جيك سوليفان، كبير المستشارين الأمنيين للرئيس بايدن، مع المسؤولين الأفغان لتأكيد أنه سيتم إجراء هذه المراجعة.

وبعد سنوات من الغزو الأمريكي لأفغانستان، أعادت الحركة تجميع صفوفها كقوة متمردة، وبحلول عام 2018 كانت نشطة في أكثر من ثلثي أفغانستان، مهددةً الحكومة المنتخبة.

وقال نائب الرئيس الأفغاني، أمر الله صالح، لـ”BBC”، في وقت سابق من هذا الشهر، إنه يعتقد أن الولايات المتحدة قد تنازلت كثيراً لطالبان كجزء من الاتفاقية.

ومع تصاعد الحديث عن مراجعة الاتفاقية وما يسمى الوجود الأمريكي المسؤول في أفغانستان، تبدو هذه المراجعة للاتفاقية أشبه كثيراً بانسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، الذي أبرمه سلفه باراك أوباما، بدعوى أن الاتفاق مزرٍ وقدّم تنازلات لإيران (وهو أمر قد يكون حقيقياً)، وقد يكون ذلك علامة على أن النكوص الأمريكي عن الاتفاقات ليس صفة جمهورية فقط.

ولكن الأهم بالنسبة للأمريكيين، أن موقف بايدن الجديد سيجدد التورط الأمريكي يأفغانستان في مواجهة حركة مسلحة تبدو أقل براغماتية من الإيرانيين وأكثر استعداداً لدفع ثمن باهظ مقابل مواقفها المتعنتة.

وبينما رد الإيرانيون على انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، بتسريع محسوب وخطير في الوقت ذاته لوتيرة تخصيب اليورانيوم، فإن طالبان قد تعيد حربها ضد الوجود الأمريكي، وهو الأمر الذي قد يكون مفيداً بالأساس للحكومة الأفغانية الموالية للغرب.

ولكن الشعور الرسالي الذي بات يميز الليبراليين واليساريين الغربيين، يجعلهم يرون أن من حقهم حماية الشعب الأفغاني من تطرف طالبان، عبر التحالف مع النخبة التي تحكم أفغانستان رغم براغماتيتها وتفككها، لأنها تجيد فقط مخاطبة الغرب كما يريد.

أربعة رؤساء حاربوا طالبان
الرئيس جو بايدن الآن هو رابع زعيم أمريكي يُشرف على الحرب الأمريكية في أفغانستان. إذ ورث عملية سلام هشة ولمّح أعضاء حكومته إلى أنّهم سيعملون على دفعها إلى الأمام لإنهاء التورط الأمريكي في أفغانستان.

ويأتي بايدن للحكم بعد أن عقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في فبراير/شباط عام 2020، صفقةً مع طالبان لانسحاب القوات الأمريكية وقوات الناتو بحلول الأول من مايو/أيار عام 2021.

وفي مقابل ذلك، حصلت الولايات المتحدة على تأكيدات والتزام من طالبان ببدء محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية. وبعد 40 عاماً من سفك الدماء، ونحو 20 عاماً من التدخل الأمريكي المباشر في أفغانستان، لا شك في أن إدارة بايدن عليها أن تمنح فرصةً لتلك المحادثات. والتوصل إلى تسوية شامل تُنهي تمرد طالبان سيكون الحل الأمثل أمام الولايات المتحدة لإنهاء تدخلها العسكري في البلاد، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Affairs الأمريكية.

لكن المحادثات الأفغانية البطيئة ما يزال أمامها وقتٌ قبل تحقيق السلام. إذ ما تزال حركة طالبان والحكومة الأفغانية في خلاف حول عدد من القضايا الأساسية، ومنها ما إذا كان على البلاد أن تظل جمهورية أو تحتفظ بأي من سمات الديمقراطية الانتخابية. ولا يرى كلا الطرفين أنّه استنفد خياراته العسكرية رغم المفاوضات.

هل تحترم إدارة بايدن الاتفاق مع طالبان أم تعطي الأولوية لقلقها من عودة القاعدة؟
وبالتالي سيتعيّن على إدارة بايدن اتخاذ قرارٍ سريع بشأن ما إذا كانت ستحترم اتفاق ترامب بسحب جميع القوات في الربيع، أم ستُطيل أمد المهمة العسكرية إلى أجلٍ غير مسمى، وهو ما قد يهدد بتمديد أجل التورط الأمريكي في حرب أفغانستان، التي هي أصلاً أطول حرب خاضتها أمريكا.

ودافع بعض المحللين عن دعوات الانسحاب بغضّ النظر عن وضعية محادثات السلام، لإنهاء التورط الأمريكي في أفغانستان مجادلين بأنّ الهدف الأمريكي الأساسي المتمثل في تفكيك تنظيم القاعدة قد تحقّق قبل وقتٍ طويل. بينما دعا آخرون، وبينهم مسؤولون بارزون سابقون، إلى الاستمرار في استخدام القوات والقوة النارية الأمريكية للحيلولة دون تفوّق طالبان على الحكومة الأفغانية، أو حتى التوصل إلى تسوية سلام على الأقل.

الانسحاب المسؤول
وبالنظر إلى أوجه القصور في الخيارين -الرحيل الفوري أو البقاء إلى أجلٍ غير مسمى- فقد هيمنت فكرة تبدو وسطية على الخطاب السياسي الأفغاني: وهي “الانسحاب المسؤول”. والانسحاب المسؤول هو مفهوم مرن بشكلٍ ملائم يحمل وعداً بإنهاء “الحرب التي لا تنتهي” وإنهاء التورط الأمريكي في أفغانستان، مع الاستمرار في عمليات مكافحة الإرهاب.

وبدا أنّ بايدن نفسه يروج لنسخةٍ من “الانسحاب المسؤول” خلال حملته الانتخابية، قبل أن توقع إدارة ترامب صفقتها مع طالبان. وفي مقابلة أجراها مع برنامج Face the Nation يوم 23 فبراير/شباط 2020، قال بايدن إنّ الولايات المتحدة عليها الاحتفاظ بقوات “صغيرة للغاية” من أجل مكافحة الإرهاب والحيلولة دون عودة تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية (داعش) إلى الظهور من جديد.

ورغم جاذبية الفكرة، فإنها شبه مستحيلة عملياً. فبغض النظر عما سيحدث في عملية السلام، ستجد إدارة بايدن أنّ عليها اختيار مسارٍ أكثر حسماً فيما يتعلق بأفغانستان قريباً، حسب المجلة الأمريكية.

لماذا ستؤدي الحلول الوسطية إلى إطالة أمد التورط الأمريكي في أفغانستان؟
ليست هناك فرصةٌ فعلياً لأن توافق طالبان على السماح للولايات المتحدة بأن تحتفظ بقوات لمكافحة الإرهاب على أرض أفغانستان لأجلٍ غير مسمى.

إذ إنّ فعل ذلك يتطلّب من الحركة التخلّي عن مطلبها الأول والسبب الذي تراه منطقياً لعملها العسكري: وهو رحيل كافة القوات الأجنبية. ولأنّهم يفضلون التماسك، فلن يعقد قادة طالبان أي اتفاقية لن يستطيعوا إقناع بقية أفراد الحركة بها، خاصةً بعد موافقة إدارة ترامب على سحب جميع القوات الأمريكية بحلول مايو/أيار.

ولا يمكن استبعاد احتمالية أن تحتوي حكومة أفغانية مستقبلية على عناصر من طالبان توافق على التعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، لكن واشنطن لا تستطيع الاعتماد على ذلك بكل تأكيد.

القوى الإقليمية تريد خروج القوات الأمريكية
كما أنّ حركة طالبان ليست العقبة الوحيدة أمام الوجود الأمريكي لمكافحة الإرهاب إلى أجلٍ غير مسمى. فمن أجل التفاوض على أي صفقة وتنفيذها، ستحتاج الولايات المتحدة دعم الدول الإقليمية مثل الصين، وإيران، وباكستان، وروسيا، وكلها دول لا تريد وجود قواعد عسكرية أمريكية دائمة في أفغانستان.

لدرجة أن دعم تلك الدول لجهود السلام الأمريكية سببه هو أنّها تتطلع إلى اتفاقٍ يبشر برحيل القوات الأمريكية. وقد عززت الصفقة بين الولايات المتحدة وطالبان من تلك التطلعات. وفي حال تخلت الولايات المتحدة عن الصفقة لإبقاء قواتها في أفغانستان، فربما تقرر باكستان تحديداً زيادة دعمها لطالبان.

التورط الأمريكي في أفغانستان
وربما تفشل عملية السلام بالطبع، وفي هذه الحالة ستصير مسألة الدعم الإقليمي محل نقاش. وحينها، لن تستطيع الولايات المتحدة الاحتفاظ بقوات مكافحة إرهاب أمريكية فقط، بل سيستمر التورط الأمريكي في أفغانستان.

وأخيراً، لن تستطيع الولايات المتحدة أن تحتفظ بقواعد في أفغانستان لأغراضها وحدها، مع منع الدعم العملياتي من جانب مضيفها وشريكها في مكافحة الإرهاب. إذ سيتعيّن على الولايات المتحدة أن تواصل تقديم الدعم الأساسي للجيش الأفغاني على الأقل في معركته الوجودية مع طالبان.

فبغياب ذلك الدعم، لن تجتاح طالبان البلاد سريعاً، ولكن المعركة ستحتدم وستفقد كابول بعض مكاسبها، وسيطول التورط الأمريكي في أفغانستان، وفي حال شعور قوات الحكومة الأفغانية بأنّه قد تم التخلي عنها، فسوف ترتفع مخاطر وقوع هجمات داخلية ضد الأفراد الأمريكيين. وبعبارةٍ أخرى، من المستحيل فصل مكافحة الإرهاب داخل أفغانستان عن التصدي للعمل العسكري لطالبان.

الحل هو شراء مزيد من الوقت
يجب على إدارة بايدن أن تقبل بعدم وجود حل وسطي عملي من أجل “الانسحاب المسؤول”، حسب مجلة Foreign Affairs.

وعلى واشنطن بدلاً من ذلك أن تحاول التوصل لاتفاق مع طالبان بتمديد الموعد النهائي لسحب القوات في مايو/أيار، واستخدام هذه الخطوة لقياس مدى التزام الحركة بالتوصل إلى صفقة سلام تمثل النتيجة المثالية لأفغانستان والولايات المتحدة، رغم أنّه أمرٌ مستبعد.

وثلاثة أشهر ليست وقتاً كافياً للتوصل إلى أي نوع من الصفقات، إلّا في حال كانت صفقة تضمن تنازلات غير عادية لطالبان، وتعتمد على دعم الانتهازيين بين المعارضين السياسيين لحكومة الرئيس أشرف غني، وتتضمّن موافقة الولايات المتحدة بالنهاية على الانقلاب ضده. وصفقةٌ من هذا النوع لن تترك الولايات المتحدة بشعورٍ من الثقة بتخفيف مخاوفها الأمنية.

ثم استخدام قوات عاملة عن بعد
وعلى المدى البعيد، ستحتاج الولايات المتحدة قدرات مكافحة إرهاب لا تعتمد على الوجود العسكري الأمريكي الدائم في أفغانستان، الذي يؤدي إلى استمرار التورط الأمريكي في أفغانستان بتعقيداته المعروفة.

ويجب على إدارة بايدن العمل بسلاسة من أجل تطوير هذه الخيارات، وتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب مع دول أخرى بجنوب ووسط آسيا، وضمان القدرة الأمريكية على شنّ عمليات في أفغانستان من خارج البلاد، ووضع ترتيبات سرية لمراقبة والتصدي للأنشطة الإرهابية العابرة للحدود.

وستكون بعض هذه الأمور مشحونةً سياسياً، وربما لا تكون فعالةً معاً بقدر الترتيب الأمريكي القائم داخل أفغانستان. لكن البديل الوحيد هو مهمة مكافحة إرهاب وتمردٍ متداخلة إلى أجلٍ غير مسمى، وبالتالي استمرار التورط الأمريكي في أفغانستان.

و”الانسحاب المسؤول” ليس خياراً فعلياً أمام الولايات المتحدة في أفغانستان، لأنه يعني الإبقاء على وجود دائم لمكافحة الإرهاب في البلاد خلال السنوات المقبلة.

ونتيجةً لذلك، تواجه إدارة بايدن الخيار نفسه الذي أرهق الإدارات السابقة: مهمة عسكرية إلى أجل غير مسمى لا تزيد أمان الأمريكيين، مقابل انسحاب سيرى محللو الحكومة الأمريكية أنّه غير خالٍ من المتاعب بالنسبة للولايات المتحدة ومن المرجح أن يعجل بتفكيك الحكومة الأفغانية.

وعدم استساغة كلا الخيارين قد يكون سبباً كافياً لإقناع إدارة بايدن بضرورة الضغط من أجل تسوية سلام قليلة الاحتمالية لأطول وقتٍ ممكن. ولكن في النهاية، سيتعيّن عليها اتخاذ القرار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى