أحدث الأخبارفلسطين

هنية واستراتيجية الخطة الشاملة

مجلة تحليلات العصر الدولية

تخطت “إسرائيل” العقبة الفلسطينية في طريقها لاختراق العالم العربي، منذ توقيعها اتفاق اوسلو الكارثي مع منظمة التحرير الفلسطينية 1994، مقابل الاعتراف المتبادل، ودون تحرير شبر واحد من الوطن.
وتدرجت “اسرائيل” في عملية الاختراق لعواصم العرب، باستخدام مختلف السبل والوسائل، السياسية والدبلوماسية والاعلامية والتجارية والعسكرية، ضمن خطة بارعة، وصولا حد الاندماج في المنطقة عن طريق سياسة التطبيع مع بعض الدول، وهي تطمح لأن تصبح هي اللاعب الأساسي في المنطقة لفرض هيمنتها على الشرق الأوسط، خاصة بعد تغييب الدول الكبيرة في المنطقة خلف أزماتها المستحكمة.
فمصر تم تغييبها في جب اتفاقات كامب ديفيد، وها هي غارقة في فقرها وفي أزمانها، والعراق تم ازاحته عن المشهد بالتدمير والتقسيم الذي ما زال مستمرا، وسوريا تم تفتيتها بحيث أصبحت مقسمة بين الدول الاستعمارية، لتتربع “اسرائيل” على عرش المنطقة، تستخدم عصاها لتضرب كل من يعارضها دون أن يردعها احد، اللهم سوى غزة الذي تصفع عار العرب وتعلي صوتها، القصف بالقصف والقتل بالقتل.
غني عن القول إن “إسرائيل” لا تسعى لبناء علاقات استراتيجية مع العرب من خلال التطبيع، وانما تعمل على استخدام العرب لبناء مصالحها والحيلولة دون نهضة الأمة العربية من جديد.
فانظروا إن أرتم الى حال كل الدول العربية وحتى غير العربية التي طبعت مع الاحتلال الصهيوني، وهل أصبح حالهم أفضل بعد التطبيع أم أسوأ، وكيف امسو أكثر تبعية واكبر قابلية للاستخدام وليس التحالف مع العدو الاستعماري.
مصر كيف كانت دولة قطبية ومركزية وكيف أمست دولة تابعة لإمارات الخليج الثرية.
الأردن غارق في فقره وفي ديونه، ولم تخرجه التكنلوجيا والوعود الصهيونية من جب الفقر والعوز.
جنوب السودان، وهل أصبح بعد الانشقاق عن السودان سنغافورة الافريقية، أم انه غارق في صراعاته الداخلية، ويعيش على فتات مساعدات الاخرين.
وحتى أرتيريا التي طبعت مع العدو تعيش أزمات متفاقمة داخليا، وخارجيا مع الادارة الامريكية، ولم تفلح “اسرائيل” ذات اليد الطويلة والحلول السحرية في اخراجها من هذه الازمات.
أما السلطة الفلسطينية التي اختارت السلام والتطبيع، بل والدخول في جحر وعار التنسيق الامني الذي جعلته مقدسا، فحدث ولا حرج، فأعادت “اسرائيل” احتلال الضفة وتسعى لابتلاعها وضمها، وانهت ابتلاع وتهويد القدس ونقلت السفارة الامريكية اليها، وغزة محاصرة منذ 15 سنة، مع غياب أي أفق لمستقبل لهذه السلطة التي استخدمتها “اسرائيل” كجسر لبناء صورتها التوراتية، ولاختراق العالمين العربي والاسلامي، وتثبيت وجودها كلاعب مركزي في المنطقة.
مع هذا الواقع، لا يسعنا الا ان نعتبر أن كل عملية تطبيع مع هذا العدو المجرم، هو طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني الذي يتألم أمام هذا العار، لكنه في ذات الوقت يصر على خيار الصمود، فلا خيار أمام شعبنا سوى الانتصار أو الانتصار.
الأمر الذي يفرض على الفلسطينيين أكثر من أي وقت مضى بناء استراتيجية وخطة شاملة طالب بها اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية حماس خلال مشاركته في ندوة سياسية نظمتها مؤسسة القدس الدولية في الذكرى الـ51 لإحراق المسجد الأقصى.
واستراتيجية هنية ذات ثلاث ابعاد:
وتقوم الاستراتيجية في بعدها الأول في ضرورة استعادة الوحدة الوطنية، وترتيب البيت الفلسطيني، والاتفاق على مرجعية قيادية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة بنائها على أسس تضمن مشاركة الجميع.
مع وجوب الاتفاق على استراتيجية نضالية طويلة النفس بكل ما تحمل كلمة النضال والكفاح من وسائل وأساليب من أجل تحقيق تطلعات شعبنا وأهدافه.
فيما يتمثل البعد الثاني في المقاومة الشاملة؛ الشعبية والقانونية والإنسانية والسياسية والحقوقية، وفي مقدمتها المقاومة العسكرية،؛ لأن العدو قائم على منطق القوة والتدمير والإرهاب، فلا بد لشعبنا من مراكمة القوة، واعتماد المقاومة خيارًا استراتيجيا لطرد المحتلين.
وعن البعد الثالث قال هنية: نحن مطالبون أكثر من أي وقت مضى بترتيب علاقاتنا بمحيطنا العربي والإسلامي، وبناء كتلة صلبة في المنطقة من أجل دعم شعبنا وتعزيز صمود أهلنا في القدس، فقضية القدس وفلسطين قضية ذات بعد عربي وإسلامي وإنساني.
فيما يحدونا الأمل أن يتمكن هنية من خلاله موقعه كقائد لأكبر حركة فلسطينية مقاومة، وكقائد لأكثر حركة تعول عليها شعوب وحركات واحزاب عالمنا العربي والاسلامي، ومن خلال مكانه خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة والمحاصرة، أن يتمكن هنية مع جميع اخوانه المناضلين في قيادة حماس، من اخراج هذه الأقوال من مربع التنطير إلى ميدان التطبيق والتنفيذ، مع كل ما قد يتطلبه ذلك من جهود مضنية ومن تحديات كبيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى