أحدث الأخبارشؤون امريكية

واشنطن تقرع الباب الإيراني عبر سويسرا.. فلا يأتي الجواب

مجلة تحليلات العصر الدولية

علي منتظري

لم تعد الوساطة مجرد دور ديبلوماسي. هي حرفة ومهنة بكل معنى الكلمة. من يدرس في الأكاديميات الدبلوماسية يدرك معنى الإستثمار في هكذا قطاعات لا تدر فوائد سياسية أو معنوية وحسب، بل مادية بإمتياز. سويسرا هي النموذج الثاني بعد السويد بعدد التفويضات الممنوحة لكل منهما دولياً.

حظيت زيارة وزير خارجية سويسرا إغناسيو كاسيس إلى إيران، لمدة يومين، بتحليلات في الصحافة الإيرانية والعالمية، نظراً لحساسية وأهمية الملف الذي ترعاه سويسرا، أي لعب دور الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران، وهو دور تلعبه منذ العام 1980، التاريخ الذي بدأت فيه بتمثيل المصالح الأميركية في إيران (القائم بأعمال واشنطن في طهران)، وذلك غداة إندلاع أزمة رهائن السفارة الأميركية في طهران. كما تمثل سويسرا مصالح مصر في إيران منذ العام 1979 ومصالح السعودية منذ العام 2017 ومصالح كندا منذ العام 2019.

كان لافتاً للإنتباه أنه وبرغم أزمة كورونا التي تتفاقم عالمياً ولا يزال الشعب الإيراني يدفع أثمان هذه الجائحة (حوالي 400 ألف إصابة وأكثر من 22 ألف حالة وفاة)، قرر وزير الخارجية السويسري أن يستهل برنامجه الايراني بزيارة مدينة أصفهان، حيث نشر صوراً تحاكي زيارته لمواقع تاريخية وأثرية في هذه المدينة التي قال عمها إنها “مرواريد” (لؤلؤة) الشرق الأوسط.

سياسياً، إلتقت العديد من تحليلات المواقع الإخبارية الايرانية عند القول إن الهدف الأساسي لزيارة كاسيس “هو محاولة إيجاد أرضية مناسبة من أجل فتح باب الحوار بين طهران واشنطن والتخفيف من حدة التوتر بين البلدين”، غير أن النتائج لم تصب بالضرورة في هذه الخانة.

وما رسّخ هذا الإنطباع هو الإتصال الذي أجراه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بنظيره السويسري اغناسيو كاسيس قبيل توجه الأخير إلى طهران حيث ناقش معه محاولات سويسرا لعب دورٍ في حل المشاكل بين ايران وأميركا.

كما أن العديد من التحليلات الأجنبية وضعت الزيارة في خانة محاولة إيجاد قناة للحوار بين طهران وواشنطن.

وكعادة الإيرانيين، حاولوا التقليل من البعد الأميركي وتكثيف البعد الثنائي، عبر قولهم إن الزيارة تأتي لمناسبة مرور مئة عام على إقامة علاقات دبلوماسية بين ايران وسويسرا. وما لم تقله طهران أوردته الصحافة، بالإشارة إلى تزامن زيارة كاسيس مع “الإحتفال” بمرور 40 عاما على تمثيل سويسرا المصالح الأميركية في إيران!

كان برنامج الضيف السويسري حافلاً بالمواعيد التي شملت رئيس الجمهورية حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، وتركزت المحادثات على العلاقات الثنائية ولا سيما متابعة القناة المالية السويسرية الخاصة ومسائل إقليمية ودولية.

لم يحقق كاسيس نتائج إيجابية في فتح ابواب الحوار الأميركية الإيرانية، إذ أن إيران ما زالت متمسكة بشروطها المتمثلة بعودة الولايات المتحدة إلى الإتفاق النووي وإلغاءها جميع العقوبات التي فرضتها على ايران، قبل الجلوس مجدداً إلى طاولة المفاوضات الثنائية

الجدير ذكره أن سويسرا افتتحت قناة مالية لتقديم المساعدات الإنسانية والدوائية لايران في شهر شباط/فبراير الماضي، وذلك بالتزامن مع إنتشار فيروس كورونا في ايران، وأُجريت أول صفقة عبر هذه القناة في شهر تموز/يوليو الماضي (صفقة أدوية)، وتحاول ايران حالياً الإستفادة من هذه القناة في تعاملاتها مع جميع الدول وليس مع سويسرا فقط وهذا الأمر استحوذ على القسم الأكبر من محادثات وزير خارجية سويسرا مع المسؤولين الايرانيين.

وقال وزير خارجية ايران إن القناة المالية السويسرية الخاصة والإتفاق النووي “والسياسات العدائية التي تتبناها واشنطن في مواجهة ايران كانت من ضمن المفاوضات الثنائية”. هنا، نلاحظ أن محمد جواد ظريف أشار ضمناً إلى وجود حوار مع نظيره السويسري في ما يتعلق بالخلافات الايرانية الأميركية، وإذا عُدنا إلى ما تم نشره عن لقاء كاسيس بروحاني، نرى أن الملف الأميركي ـ الإيراني سيطر على هذه المحادثات بوضوح، فالرئيس روحاني أدان خلال اللقاء سياسة العقوبات الأميركية على ايران بشدة، وطالب سويسرا والدول الأخرى بالوقوف في وجه “البلطجة الأميركية”، على حد تعبيره.

وحسب مصادر إيرانية غير رسمية، ثمة إعتقاد أن أحد أهداف زيارة كاسيس إلى ايران هو محاولة التوسط بين ايران والولايات المتحدة وصولاً إلى فتح حوار ثنائي بين طهران وواشنطن، ولكن بالنظر إلى الموقف الصريح للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي من هذه المفاوضات، وكذلك بيان مجلس الأمن القومي الأعلى الايراني، لم يحقق وزير خارجية سويسرا نتائج إيجابية في هذا المجال، إذ أن إيران ما زالت متمسكة بشروطها المتمثلة بعودة الولايات المتحدة إلى الإتفاق النووي وإلغاءها جميع العقوبات التي فرضتها على ايران، قبل الجلوس مجدداً إلى طاولة المفاوضات الثنائية.

يذكر أن سويسرا ساهمت في إبرام عمليات تبادل معتقلين بين الولايات المتحدة وإيران وآخرها في شهر حزيران/يونيو الماضي عندما نجحت وساطتها في تأمين إفراج السلطات الإيرانية عن المعتقل الأميركي مايكل وايت.

من الواضح أن طهران تفضل عدم الإخلال بقواعد الإشتباك بينها وبين الإدارة الأميركية حالياً في إنتظار ما ستسفر عنه الإنتخابات الأميركية في 3 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.. أما بعدها، “فلكل حادث حديث.. ولكل مقام مقال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى