أحدث الأخبارشؤون امريكية

واشنطن متّهَماً هذه المرة! بصناعة الأسلحة البيولوجية

الأخبار- محمد مرعي

للمرة الأولى تجد واشنطن نفسها موضع اتهام بالعمل على تطوير أسلحة بيولوجية. فقد درجت العادة على أن يُخصّص هذا النوع من الاتهامات لحكومات على غير وفاق مع «المركز» الأميركي، كسوريا وتهمة الكيماوي، إلى أسلحة الدمار الشامل في العراق، التي لم تُثبت الولايات المتحدة أياً منهما.
توجهت موسكو إلى مجلس الأمن، مزودة بملف من 69 صفحة، بعد طلبها عقد اجتماع طارئ، بهدف مناقشة ملفّ المختبرات البيولوجية في أوكرانيا. هذه المختبرات شكّلت مادة محورية في التغطية الإعلامية للحرب المستعرة بين روسيا وأوكرانيا، في ظل ما كشفت عنه موسكو من أهداف سرية وعسكرية لهذه المنشآت، ترفض حتى الآن كييف وواشنطن الاعتراف بها. تجد واشنطن نفسها للمرة الأولى في قفص الاتهام الذي صنعته لخصومها على مدار السنوات الماضية، إذ تجلب موسكو إلى الطاولة مستندات بحوزتها، تتحدث عما يدور داخل جدران عشرات المختبرات البيولوجية التي دعمتها واشنطن بمئات ملايين الدولارات، للقيام بأنشطة مشبوهة.
بدايةً، فإن تمويل الولايات المتحدة لهذه المختبرات في أوكرانيا ليس بالأمر السري، والمتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، لم يكن يكشف عن «أسرار» عندما تحدّث في السابع من الشهر الجاري عن تمويل أميركي بـ 200 مليون دولار لأبحاث مخبرية تجرى في الدولة السوفياتية السابقة، فهذه المعلومات موجودة على صفحة وزارة الدفاع الأميركية، كما على موقع السفارة الأميركية في كييف.
الجهة المموّلة لمختبرات أوكرانيا المشبوهة هي «برنامج الحدّ من التهديدات البيولوجية»، التابع لوزارة الدفاع الأميركية. ويدّعي البرنامج العمل من أجل الحدّ ممّا يسميه «التهديد البيولوجي»، كما يكشف أنه «أقام شراكة مع جمهورية أوكرانيا منذ عام 2005 لدعم قدرات الكشف والتشخيص البيولوجية السلمية والآمنة والحد من التهديدات التي تشكلها مسببات الأمراض». ويؤكد البرنامج أن الولايات المتحدة استثمرت حوالى 200 مليون دولار في أوكرانيا منذ عام 2005، ودعمت 46 مختبراً و«منشأة صحية» وموقع تشخيص في أوكرانيا وأن محاربة فيروس كورونا هو أحد أهدافه.

وقد بدأ برنامج الحدّ من التهديدات التعاونية التابع لوزارة الدفاع الأميركية عمله البيولوجي مع أوكرانيا «لتقليل المخاطر التي يمثّلها برنامج الأسلحة البيولوجية غير القانوني للاتحاد السوفياتي السابق، والذي ترك مواد بيولوجية غير آمنة في الدول التي خلفها انهيار الاتحاد».
هذه عيّنة من المعلومات المذكورة على صفحة البرنامج، التي تحوي تفاصيل كثيرة. لكن المبلغ المذكور لافت للانتباه، فـ 200 مليون دولار مبلغ هائل من أجل أبحاث مخبرية لا غير، في دولة أجنبية، يصدف أنها مجاورة لأكبر خصم سياسي للولايات المتحدة. كما أن هذا المبلغ كاف ليعطينا فكرة عن حجم «الاستثمارات» الأميركية السياسية داخل أوكرانيا خلال حقبة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، من تمويل لجماعات المجتمع المدني، وصولاً إلى الدعم العسكري الذي نرى نتائجه على الأرض اليوم.
ما هو مكتوب على صفحات الحكومة الأميركية على الإنترنت، كرّرته نائبة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، في جلسة الاستماع أمام مجلس الشيوخ. وللعلم، إن نولاند شخصية معروفة جداً في أوكرانيا، كونها شغلت دور صلة الوصل بين الإدارة الأميركية و«الثورة» الأوكرانية الموالية للغرب في عام 2014.
الطبيعة المشبوهة للأنشطة التي تحصل داخل مختبرات أوكرانيا خلقت بلبلة في الإعلام الأميركي، الذي فجأةً وجد نفسه مضطراً إلى نفي أي صلة تربط بين واشنطن وهذه المختبرات. فمثلاً، أفرد موقع «vox» شرحاً طويلاً، وبدا كأن أحد المحامين المكلّفين إيجاد ثغرات في عقود الأعمال أخذ على عاتقه فحص كلمة نولاند التي ألقتها أمام مجلس الشيوخ، فقط لإثبات أن واشنطن «لا تُدير» هذه المختبرات، بل تخصص الأموال لها وحسب.
اليوم، نشهد دعوات أميركية كثيرة لتحييد هذه الجراثيم الخطيرة عن الصراع والعمل على تأمينها من الاستهداف، أو منع الجنود الروس من الوصول إليها. قبل أسبوعين، شهدنا أعمالاً تخريبية بالقرب من مفاعل زابوروجيا النووي، أدت إلى اشتعال مبنى تابع للمنشأة النووية، فيما أُلقي باللوم على القوات الروسية، فهل ما نشهده اليوم من نشر مكثّف لأخبار تتحدث عن خطر وصول الروس إلى المختبرات البيولوجية في أوكرانيا، مقدّمة لعمل تخريبيّ آخر، تُلصق تهمته بعدها بالقوات الروسية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى