أحدث الأخبارالخليج الفارسيةالسعودية

يا قادة المملكة السعودية: لا تقتلوا السفراء

مجلة تحليلات العصر الدولية - عماد عفانة

إذا كان السفير في الاسلام رسول، فالرسل لا تُقتل، وهو عرف كان وما زال معمول به على مرّ الزمان، وقد أقرّه النبي صلى الله عليه وسلم، فعن نعيم بن مسعود الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما [أي لرسولي مسيلمة الكذاب] حين قرأ كتاب مسيلمة: ما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال، قال صلى الله عليه وسلم: (أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما).
فانه لا يجوز الاستمرار في تغييب المجاهد الدكتور محمد الخضري الذين كان بمثابة سفير للمقاومة الفلسطينية التي تقودها حركة المقاومة الاسلامية حماس، خلف القضبان بما يهدد حياته.
*
وإنا والله لنربأ بقادة المملكة السعودية، الذين يتولون رعاية وحماية الحرمين الشرفين، وقبلة المسلمين، ومهوى القلوب وشغاف الأفئدة، أن يقعوا في وصف النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ).
فاذا كان الغدر محرّم في حال الحرب مع الكفار، لوصية رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: (اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا …)
فان الغدر ونقض العهد مع المسلمين الذين يدافعون عن أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، نيابة عن الأمة أشد حرمة واثما.
فلا يليق بالمملكة ذات الأيادي البيضاء والمشهود لها مع الثورة الفلسطينية ومشوارها النضالي على مر الزمان، والتي مدتها بالمال، ودعمت صمود مخيمات اللاجئين فيها، عبر دعمها المتواصل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، والتي وقفت إلى جانب الحق الفلسطيني في مختلف المحافل الدولية والأممية بصوتها وبثقلها الدبلوماسي والسياسي.
لا يليق بها أن تبقي مجاهد فلسطيني معروف، يبلغ من العمر83 عاماً في السجن على مدى العامين الماضيين، دون تهمة حقيقية، رغم ما يعانيه من أمراض مزمنة، وخضوعه لجراحة من مرض السرطان، بما يهدد بإنهاء حياته نتيجة عدم تلقي الرعاية الكافية.
*
فالخضري واخوانه لم يعملوا في الخفاء، بل عمل في وضح النهار ممثلاً لحماس لدى المملكة السعودية على مدى نحو عشرين عاماً، وكان يحظى برعاية وحماية الملك والمملكة، يمارس عمله المشرف من أجل فلسطين ضمن الحدود التي رسمتها له المملكة منذ سنوات طويلة.
المملكة السعودية التي طالما اعتبرها الفلسطينيون حضنهم الدافئ، وأخاهم الأكبر، ومأواهم في النكبات وملجأهم في الملمات، لم يكونوا يتوقعون أن يكافأ الدكتور الخضري الذيٍ كرَّس حياته لفلسطين، منذ أن كان الذراع اليمنى للشهيد المناضل خليل الوزير أبو جهاد في التنظيم العسكري الخاص للإخوان في النصف الأول من خمسينيات القرن العشرين.
فلا يزال يحذونا الأمن بل والعشم في أن تقدر المملكة التاريخ النضالي المشرف للدكتور الخضري الذي شارك مع الجيش الكويتي في حربي 1967 و1973، على الجبهات المصرية والسورية، والذي كان من مؤسسي حماس، التي باتت فخر الأمة بقيادتها لحركة المقاومة ضدّ العدو الصهيوني في داخل فلسطين.
وأن تقوم المملكة بالإفراج العاجل عن الدكتور الخضري وعن كافة الفلسطينيين في سجون المملكة، ومن بينهم الصحفي والكاتب السياسي والناشط في العمل الخيري عبد الرحمن فرحانة، الذي يعاني من أمراض مزمنة خلف القضبان منذ عامين.
*
فاذا كان لا يجوز قتل المستأمن إذا أعطيته الأمان أو أدخلته في جوارك بأي صيغة وطريقة كانت؛ لأن هذا غدر محرم وخيانة للعهد الذي أعطيته له ، وهذا محرم قطعا لما رواه الشيخان عن أنس : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ( لكل غادر لواء يوم القيامة قال أحدهما ينصب وقال الآخر يرى يوم القيامة يعرف به ).
فان اعتقال سفراء المقاومة الفلسطينية، وممثلي حماس الذين عرفتهم المملكة وأكرمت وفادتهم، وتغييبهم خلف القضبان رغم كبر سنهم، وأياديهم البيضاء وتاريخهم النضالي والعروبي والقومي المشرف، ورغم ما تعلم من اصابتهم بالعلل والامراض ما يهدد حياتهم بخطر الموت أشد وقعا وألما.
فما زال هذان الرمزان، يقبعان خلف قضبان سجون المملكة ومعهم العشرات من المعتقلين الفلسطينيين في السعودية، لا لشيء اللهم الا لقيامهم بواجبهم المقدس في جمع التبرعات لصالح فلسطين، ولدعم صمود شعبها المرابط.
*
يا قادة المملكة:
نخاطب فيكم اليوم حلمكم على الأعداء قبل الأصدقاء، كما نخاطب فيكم صدق الانتماء لأمة الاسلام التي تمثلون رأس هرمها برعايتكم لأقدس مقدساتها، لترعوا ذمة من استجار بكم ودخل تحت حمايتكم، ولترحموا ضعف رموز يُشرِّفون الأمة، عملوا بأدب وهمة ضمن الحدود السعودية المتاحة، وتحت أنظار السلطات، من أجل دعم صمود الشعب الفلسطيني، وللحفاظ على الهوية العروبية والإسلامية لفلسطين.
ويتعاظم لدينا الأمل في أن تطوي المملكة السعودية هذه الصفحة المؤلمة في علاقتها مع أكبر حركة مقاومة فلسطينية، خاصة ونحن نرى التوجه السياسي الجديد للمملكة بتصفير الأزمات التي خلفتها حقبة الرئيس الأمريكي المنصرف دونالد ترامب.
فها هي المملكة ترسي دعائم المصالحة مع قطر، وتسعى لإيجاد حلول سياسية للحرب المشتعلة في اليمن، وتراجع تموضعها السياسي الإقليمي، في اطار العلاقة مع إيران، فان إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين في سجونها، يُعدّ أيسر الحلول لأكثر الملفات التي تسيئ لصورة المملكة التي نحرص على نقائها.
خاصة وأن حماس نجحت في ايصال مسار المصالحة الفلسطينية، إلى محطة الانتخابات، التي ان تمت ستفرز حكومة وحدة وطنية، ستكون حماس مكون مهم فيها، في إطار إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، بما يثبت أن حماس التي يحاول البعض حصارها وابعادها وتقزيمها وعقابها، باتت في الحقيقة جزء أساسي وفعّال وقوي في المعادلة الفلسطينية بحيث لا يمكن تجاوزها.
فحماس باتت جزء لا يتجزأ من صناعة القرار الفلسطيني؛ وهي شريك مهم، بل ومرشحة بقوة لتبوأ مقعد قيادة الشعب الفلسطيني؛ الأمر الذي يفرض أن يكون التعامل معها بشكل طبيعي الخيار الأفضل للجميع.
*
قضية فلسطين والدفاع عنها ودعمها واسناد صمودها شرف لكل فلسطيني وعربي ومسلم، ولكل حر حول العالم، ففلسطين كانت وستبقى حاضرة بعمق في قلوب الشعوب العربية والاسلامية وعلى رأسها الشعب السعودي الكريم والمعطاء.
وكان وسيبقى دعم فلسطين يشكل شرف واسناد لأي نظام عربي، ويدعم شرعيته العروبية والقومية والاسلامية، ولا نظن أن هذه المعاني غائبة عن وعي ووجدان قادة المملكة العربية السعودية التي سيزداد حبنا واحترامنا لها، بالإفراج عن هذه الثلة المحترمة من سجونها في هذا الشهر الفضيل، شهر الرحمن والغفران.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى