أحدث الأخبارشؤون اوروبيية

يُمكن لأوروبا إحياء الإتفاق النووي.. كيف؟

محمد صالح صدقيان
01/06/2022

لم يعد “الاتفاق النووي” المُوّقع عام 2015 حياً يُرزق.. الأصح أنه يرقد حالياً في غرفة العناية المركزة؛ وكل محاولات إعادة إحياء هذا الاتفاق، سواء من خلال مسار فيينا أو مسارات أخرى، باءت بالفشل حتى الآن، لأسباب تتعلق بالاتفاق النووي نفسه وبالقدرات النووية التي توصلت اليها ايران، فضلاً عن تداعيات الأزمة الاوكرانية، إقليمياً ودولياً.

الرسالة الأولی التي بعث بها الرئيس الامريكي الاسبق باراك اوباما إلى مرشد الجمهورية الاسلامية الإيرانية علي خامنئي، بواسطة سلطان عُمان الراحل قابوس بن سعيد، عام 2012، تضمنت في جوهرها دعوة للدخول في حوار مع طهران للحد من الطموحات النووية الايرانية وابعاد الجمهورية الإسلامية عن حافة انتاج السلاح النووي بما يحقق المصالح الامريكية بالوسائل الدبلوماسية. ونزولاً عند رغبة السلطان قابوس آنذاك، تجاوب المرشد الايراني مع ما بلغه بشأن جدية الرئيس الامريكي وعزمه فتح صفحة جديدة مع الجمهورية الاسلامية علی اساس الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة. وعلی هذا الاساس، دخلت ايران في مباحثات مع الدول الغربية علی اساس معادلة “رابح/ رابح”؛ حيث توصلت في ما بعد إلى الاتفاق النووي عام 2015 ومن بعده صدور قرار مجلس الأمن الرقم 2231 الذي اعترف بأحقية ايران في امتلاك “الدورة الكاملة للتقنية النووية”، بما في ذلك انتاج الوقود النووي الذي يحتوي علی يورانيوم مخصب بنسبة 3.76%.

ما حدث ويحدث حالياً هو تجاوز للاهداف التي وضعتها الدول الغربية بشأن البرنامج النووي الايراني لان ايران وصلت حاليا الی منصة تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهذا المستوی يؤهلها للوصول الی عتبة 90%. وحتی في حال رجوع ايران عن نسب التخصيب الحالية 20 و60%، فإنها باتت علمياً وعملياً تمتلك تقنية الوصول إلى هذا المستوی الذي يربك المشهد الدولي، ولا يجعله متحمساً باتجاه تنفيذ بنود الاتفاق النووي الذي يكون قد فقد مبررات وجوده علی الصعيد الغربي. لكن وبرغم ذلك، يبدو لي أن الامر يبقی مقلقاً للمصالح الغربية سواء الأوروبية او الامريكية كما انه مقلق ايضا للامن الاسرائيلي الذي يُعتبر “مربض الفرس” للعين الامريكية التي لا تری الشرق الاوسط إلا بالمنظار الإسرائيلي.


ما العمل؟

الاجابة على هذا السؤال تبدو في غاية التعقيد في ظل تداعيات الأزمة الأوكرانية وما إستولدته من مشهد جديد، إن علی الصعيد الإيراني ام علی الصعيد الدولي. الاوربيون يمارسون ضغوطهم علی الادارة الامريكية من اجل الاتفاق مع ايران. وإدارة جو بايدن تدور في شرنقة مشاكلها الداخلية مع الكونغرس وتداعيات الازمة الاوكرانية واستحقاقات الانتخابات النصفية المقبلة بما ستعكسه في طياتها من تدنٍ في شعبية الرئيس الأمريكي؛ فيما ايران تبحث عن حل لازالة العقوبات المفروضة علی اقتصادها وتصديرها للنفط وفتح أبواب التعامل التجاري مع البنوك الاجنبية.

مجلس الشوری الايراني (البرلمان) اصدر في كانون الأول/ديسمبر 2020 قانون “الحفاظ علی المصالح الايرانية” ودعا فيه الحكومة إلى زيادة نسبة التخصيب اذا لم تلتزم مجموعة 4+1 بالاتفاق النووي. أما إذا إلتزمت هذه المجموعة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، فان طهران مستعدة للعودة عن كل اجراءات التصعيد التي قامت بها في برنامجها النووي.

اعتقد ان الطريق الوحيد المتبقي لاحياء الاتفاق النووي واخراجه من غرفة العناية المركزة هو اقتناع الاوروبيين بتفعيل “الالية المالية للتبادل التجاري” المسماة “اينستكس” والتي كانوا قد وعدوا بتفعيلها بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 لكنهم اخفقوا في ذلك بسبب الضغوط الامريكية التي مورست على الاوروبيين للتخلي عن تلك الآلية. ان تفعيل هذه الالية ربما تقنع الايرانيين بالعودة إلى الاتفاق النووي والتخلي عن خطوات التصعيد في برنامجهم النووي. هذه الخطوة وان كانت بالغة الصعوبة للاوروبيين استنادا إلى طبيعة علاقاتهم بالولايات المتحدة؛ الا ان قيام الأوروبيين بجهد تاريخي لاقناع الادارة الامريكية بقبول تفعيل “اينستكس” يحقق اهدافاً عديدة لأوروبا والولايات المتحدة معاً:

أولاً؛ سيسمح بتصدير النفط والغاز الايراني لأوروبا الذي تحتاجه بعد انقطاع النفط والغاز الروسي.

ثانياً؛ ستعود ايران للاتفاق النووي ونسبة التخصيب 3.76%.

ثالثاً؛ سيساهم بتعزيز الامن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط.

وإزاء ذلك؛ من المفترض ألا تمانع روسيا تفعيل آلية “اينستكس” لانها كانت قد وافقت عليها سابقاً. غير ذلك لا شيء يلوح في الافق يبشر بإمكانية العودة إلى الاتفاق النووي..
وعلی الدول القلقة من برنامج ايران النووي ان تتهيأ لقلق جديد اذا ما قررت ايران الذهاب الی عتبة 90% من التخصيب النووي؛ في الوقت الذي تشعر طهران فيه بأريحية في بيع نفطها والتفافها علی المقاطعة الاقتصادية خصوصاً أنها اليوم مع روسيا والصين في الزاوية ذاتها وتستطيع تسييل علاقاتها الاقتصادية الخارجية افضل بكثير مما كانت عليه الأمور خلال السنوات الماضية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى