أحدث الأخبارفلسطينمحور المقاومة

‏الثورة بين سلطة المقاومة ومقاومة السلطة

مجلة تحليلات العصر الدولية - عماد عفانة

منذ توقيع اوسلو في 13 سبتمبر‏ ‏1993 اختلفت المظلة التي تستظل بها القضية الفلسطينية، وانتقلت من مظلة الثورة الممتدة منذ عشرينيات القرن الماضي الى مظلة اتفاق اوسلو الذي تم تحت رعاية دولية وخصوصا أمريكية بهدف تصفية وانهاء القضية الفلسطينية.
ورغم انتقال الثقل الرئيس للثورة ممثلا بحركة فتح التي تقود منظمة التحرير الى هذه المظلة، إلا أن نواة الثورة الأخرى التي كانت في طريقها لتشكل ثقلا ممثلة بحركتي حماس والجهاد وغيرها تعرضت لمحاولات احتواء وتحجيم دامية وقاسية.
وبعد أكثر من 27 عاما من محاولات التحجيم والاخضاع لنواة الثورة الناشئة التي سعت لتملأ الفراغ الذي تركته الثورة التي رفعت رايات أوسلو، 27 عاما تخللتها حروب ومواجهات دامية، انتهت بإعادة احتلال الضفة الغربية وباغتيال أبو الثورة السابقة ياسر عرفات، وبانتخابات وبحصار مستمر لغزة منذ اكثر من 14 عاما.
لكننا بتنا اليوم على أبواب انتخابات أخرى، ليس تحت ظل الثورة المحتمية بغزة، ولا ضمن أدبياتها وسياساتها ومحدداتها وثوابتها الوطنية، ولكن تحت مظلة أوسلو التي يلعنوها صباح مساء ويتبرأون من رجسها.
وبحجة الوصول إلى انتخابات المجلس الوطني، الذي يأملون في تحويله إلى برلمان للثورة، وبوابة لإعادة احياء منظمة التحرير، تقدم قوى الثورة العتيدة ممثلة بحماس والجهاد الكثير من التنازلات على أعتاب اشتراطات عباس ومراسيمه.
ويتناسى الجميع أن المحلس الوطني الذي تسعى قوى الثورة إلى اعادة انتخاب اعضائه، لم ينتخب أعضاءه السابقين أحد، بل كان أعضاؤه معينين من النظام العربي الرسمي، الأمر الذي ينسحب على منظمة التحرير التي كانت صنيعة النظام العربي الرسمي لاحتواء الثورة وضمها تحت سقف القرار العربي الرسمي.
فهل يمكن أن يسمح هذا النظام العربي الرسمي المرتهن للقرار والرضا الأمريكي والصهيوني للفلسطينيين بإعادة انتاج واصلاح ما يمكن أن يشكل خطرا عليهم وعلى ربيبتهم “اسرائيل” !!.
ان لاستعادة الثورة وطهرها المفقود وعذريتها المنتهكة طريقا لا يمر بأوسلو، ولا بانتخابات تحت مظلتها، ولا بقائمة مشتركة مع نقيضها.
فقد باتت الثورة الفلسطينية بأمس الحاجة إلى قيادة أكبر وأوسع وأشمل من سلطة المقاومة والتزاماتها وتبعاتها في غزة، ليتسنى لها القدرة على انهاء مقاومة السلطة في الضفة لكل قوى التحرر والانعتاق، لجهة تخليصها من عار أوسلو والتزاماتها الامنية التي حولت قوات الثورة السابقة الى وكيل أمني مقابل امتيازات كبيرة لرموزها المنتفعين.
وأولى خطوات النهوض بثورة حقيقية قادرة على وضع أقدامها على عتبات التحرير، هو اعادة الاعتبار لكل ما حاولت اوسلو تهميشه وشطبه والخلاص منه، وعلى رأسها اعتبار وموقع ودور اكثر من سبعة ملايين فلسطيني مهمش منسي ومغيب في الثورة المنشودة، كونهم رغم شتاتهم وما يمارس عليهم من ضغوط وقمع، الورقة الأقوى والأكثر تحررا ومرونة وقدرة على تغيير المعادلات وتعديل الموازين وافشال المخططات وامتلاك زمام المبادرة.
إن الخلخلة والضعف التي تعاني منها الدول التي يتواجد على أرضها الملايين من شعبنا الفلسطيني كلبنان والأردن فضلا عن سوريا، قد تسمح لقيادة الثورة المنشودة أكثر من أي وقت مضى اتخاذ قرارات جريئة لجهة حشد الجهود وتجنيد الطاقات باتجاه بداية أعمال فدائية لا تنتمي إلى فترة اضرب واهرب، بل تدشن مرحلة اضرب واثبت وتمركز استعدادا لضربة جديدة وتقدم جديد.
العدو لم يحتل فلسطين في يوم وليلة، بل قضمها قطعة قطعة، وتحرير فلسطين قد لا يتم في يوم وليلة، ولكن قد نحررها بقعة بقعة.
الثورة التي نريد قد تتكبد خسائر وقد تبذل تضحيات لكنها حتما ستصل إلى تحقيق أهدافها، ولكنها بالقطع لن تكون أكبر أو أشد أو أقسى من التضحيات التي قدمها شعبنا على مدار أكثر من 70 عاما دون أن تحقق أهدافها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى