فلسطين

72 عاما تتوالى النكبات .. فكيف الخلاص؟

مجلة تحليلات العصر الدولية

بقلم : جبريل عوده/ مركز إيلياء للدراسات

اثنان وسبعون عاماً على الإحتلال الغاشم لأرض فلسطين , في ذلك اليوم الأسود (14-5- 1948م) إكتملت المهمة القذرة لبريطانيا في إقامة دويلة الصهاينة , حيث أعلنت قوات الإحتلال البريطاني انسحابها من فلسطين , وفي ذات الوقت أعلن الإرهابي المستوطن ديفيد بن غوريون قيام دولة ” إسرائيل” , بعد أن تجهزت بكل أسباب القوة والسيطرة من خلال الدعم الغربي السخي بالمال والسلاح وتمهيد ميداني إستمر لأكثر من عقدين من قوات القمع البريطانية التي مارست كل أساليب القمع والإرهاب ضد الشعب الفلسطيني , في مهمة خبيثة لنزع عوامل القوة المادية الفلسطينية لمواجهة الهجوم الإستيطاني الصهيوني , فكانت تحكم بالإعدام على الفلسطيني إذا عثرت بحوزته على ” فشكة ” ظرف رصاص فارغ , في حين تمتع المستوطنين بموارد التسليح التي كانت تدخل للعصابات الإستيطانية الصهيونية عبر الموانئ التي تسيطر عليها قوات الإحتلال البريطاني.
كانت المؤامرة أكبر من طاقة الشعب الفلسطيني الأعزل المضطهد , مما أدى إلى محدودية قدرته على المواجهة ,وضعف عوامل صموده أمام الهجمة العسكرية الصهيونية , وكذلك كانت المقاومة العربية التطوعية للإحتلال الصهيوني مهلهلة , وتفتقد للإدارة السليمة, بالرغم من إشراف جامعة الدول العربية عبر اللجنة العسكرية , على مهمة إرسال المتطوعين العرب للقتال في فلسطين ضد العصابات الصهيونية , تحت مسمى جيش الإنقاذ إلا أنه عانى من ضعف التسليح والتدريب , وكأنها مهمة لرفع العتب عن الأنظمة العربية الناشئة , ومحاولة لتجنب الاصطدام مع الحالة الشعبية العربية التضامنية مع فلسطين والرغبة العارمة من الشباب العربي للدفاع عن فلسطين في مواجهة العصابات الصهيونية .
وتتضح عدم الجدية من قبل الأنظمة العربية في مواجهة الإحتلال الصهيوني عبر هرولة تلك الأنظمة نحو توقيع إتفاقيات الهدنة مع الكيان الصهيوني في عام 1949 م المعروفة إتفاقية رودس التي وقعت عليها دول الطوق الأربع ” سوريا , لبنان , مصر والأردن” , وهي الإتفاقية التي سمحت للصهاينة بترسيخ كيانهم وإتمام السيطرة على الأرض الفلسطينية التي تم إحتلالها في حينه .
اثنان وسبعون عاماً , ولازال الجُرح حياً يسكنه الألم , نتائج النكبة الكارثية وإن وقعت بشكل مباشر على الشعب الفلسطيني من تهجير ومجازر إبادة , إلا أن نكبة فلسطين هي نكبة لكل عربي حر ولكل مسلم غيور , وإنتزاع فلسطين من قلب الأمة بمثابة ضربة في صميم الأمن القومي العربي , وزراعة الكيان الصهيوني السرطاني في فلسطين يشكل مؤامرة لإفشال الوحدة العربية الإسلامية المرجوة , فالإستهداف لفلسطين هو خنق لروح الأمة وقدرتها على النهوض , وتكبيلاً لكل عوامل صمودها أمام أطماع الدول الإستعمارية .
ومن أجل استمرار أثار النكبة على أرض فلسطين من فرض لكيان الصهاينة كأمر واقع , عملت الدول الإستعمارية ومؤسساتها الدولية على تقوية الكيانات القُطرية التي سيطرت عليها أنظمة قمعية جعلت المواطن العربي لا ينشغل إلا بهمومه المعيشية وينحصر تفكيره في الأزمات الحياتية , فكُبلت الطاقات العربية وحُوصرت الإبداعات الشبابية , وأصبحت الأوطان كالسجون يتحرك إيقاع الحياة فيها وفقا لضوابط وأوامر يتلوها شاويش السجن في كل صباح عبر ماكينته الإعلامية, ولا عجب أن تمتلئ السجون العربية بالمتضامنين والمتعاطفين مع قضية فلسطين في كل زمان .
اثنان وسبعون عاماً , تتكشف لنا الحجب عن المؤامرة لنرى حقيقة الخذلان, وتنقشع زوايا النفاق المظلمة , فتتوالى النكبات ليس على فلسطين وحسب بل على الأمة قاطبة , تُهرول أنظمة رودس وكيانات سايكس بيكو , لإستكمال حالة الوئام والإنسجام مع كيان اللقطاء, فيظهر في المشهد قبح كامب ديفيد وسخف تبريراته , وفظاعة وادي عربا وفجور أدعيائه , وخيانة المطبعين وسخافة مواقفهم الإنهزامية , يتصافحون يتعانقون فوق جسد الضحية , ويرجمون طُهر فلسطين بأكاذيب الإفك , ويعلو ضجيج النكوص العلني من أكابر المخادعين لتقئ فضائياتهم كل النجاسات التطبيعية لتفضح تخاذلهم , وتهتك ستر الخداع الذي كان يُمارس على شعوب الأمة .
اثنان وسبعون عاماً على نكبة فلسطين , وكأننا نؤسس لبقائها ونعمل على إستمراريتها , فلازال فريقا من شعبنا الفلسطيني يتمسك بطريق التيه , ويسلك دروب الضياع , ويتنكب لنداءات العودة إلى جادة الصواب , ألم يحن الأوان لإعلان البراءة من كارثة أوسلو , والتوبة والندم عن خطايا التنسيق وآثام الاعتراف بكيان الإحتلال , والعودة الجادة لخيار الشهداء وطريق الأوفياء, فما أخذ بالقوة لايسترد إلا بالقوة , لقد سقطت كل الحجج ولم يعد في جعبة الحاوي ما يبهر المتعطشين للإستقلال والحرية , لقد فشلتم وضيعتم ولزاماً عليكم التنحي ففلسطين أكبر من أحزابكم ومغامراتكم .
اثنان وسبعون عاما للنكبة , تزاحمت خلال سنينها العجاف نكبات تترى كل نكبة أدهى من سابقتها وأمر, فما هو السبيل لإنقشاع النكبات وزوال أسقامها ؟ , يأتي الجواب نشيجا من صدور المظلومين لا تصالح لا تفاوض , ويعلو هتاف الأوفياء من كل النواحي والأرجاء , أُسلك طريق الشهداء قاوم إنتزع وطنك من بين أنياب الضباع , مُت على ما ماتوا عليه السابقون , ولا تكتب بحرفك حقا لعدوك في أرضك , العودة للبدايات ضرورية للفهم والإقدام على بصيرة , وطن محتل وجب من أجله القتال ,مقدسات مدنسة غسول طُهرها دماء الرجال, لتعرف طريق الخلاص إرجع لخارطة الوطن فلا تجزئة ولا قسمة ولا تنازل , وبهذا تنقشع النكبات .

 

  • الآراء المطروحة تمثل رأي كاتبها ولا تمثل رأي المجلة بالضرورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى