أضواء على حقيقة الاتفاق بين لبنان وإسرائيل
مجلة تحليلات العصر-حازم أحمد
الصراعات الأميركية في العالم اليوم هي صراعات لأجل السيطرة على ممرات وأنابيب الطاقة (النفط والغاز)، سواء أكانت الصراعات في آسيا (الصين)، أم تحديدًا غرب آسيا (إيران ومحور المقاومة)، أم أوروبا… مِن هنا برز ملف الاتفاق اللبناني الإسرائيلي اليوم حول منطقة النفط والغاز، ونريد أن نُقدم القراءة عنه؛ فهل هو من موقع قوة لإسرائيل وأميركا؟ أم هل هو من موقع ضعف؟ ومِنْ ثَمَّ هل هو نقطة تصاعدية في معسكر التطبيع أم هل هو خلاف ذلك؟
ولأجل بيان الحقيقة، وفضّ الاشتباك نقدِّم هذه النقاط:
أولًا: هذه المفاوضات هي بسبب نزاع على منطقة بحرية بين لبنان وإسرائيل (فلسطين المحتلة) اسمها (خط هوف)، اشتدّ الصراع منذ عام 2012
حجم الثروة المالية في المِساحة هو: أكثر من (600 مليار دولار) من النفط والغاز.
حجم المِساحة البحرية المتنازع عليها هو: (860 كليومترًا مربعًا)، وهذا ما ذكره: (معهد بحوث السياسة الخارجية الأميركي، للباحثة: ليا بيدور).
ثانيًا: في عام (2009)، اكتشفت شركة (نوبل إنيرجي) الأميركية (حقل تمار) قبالة ساحل إسرائيل (فلسطين المحتلة)، الذي به احتياطي مُحتمل من الغاز الطبيعي بحجم (320 مليار متر مكعب).
ثُمَّ اكتُشِفَ (حقل ليفياتان) الذي يُحتَمَل أنه يحتوي على (600 مليار متر مكعب) من الاحتياطي.
منطقة ليفياثان تقع على مساحة (860 كيلومترًا مربعًا) من الأراضي المحيطية المتنازع عليها بين إسرائيل (فلسطين المحتلة) ولبنان.
ثالثًا: إنَّ لبنان من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) والتي تُستخدم في تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة، لكن إسرائيل لم توقِّع على هذه الاتفاقية؛ ومِنْ ثَمَّ فإنّ طرقها في ترسيم الحدود البحرية مختلفة.
رابعًا: سبقَ أن اقترحت دُويلة الاحتلال إسرائيل أن تُقسَّم المساحةُ على وفق الآتي:
مساحة (58%) إلى لبنان، أي: ما يعادل (500 كيلومترٍ مربع)
مساحة (42%) إلى إسرائيل!
فرفض ذلك لبنان، وبدأ الرئيس برّي المفاوضات التي تُعد مكملة لمفاوضات حرب تموز (2006) وهذا كله متفق عليه مع سيد المقاومة حسن نصر الله.
خامسًا: الثابت لدى لبنان في هذا الموضوع منذ انطلاقته هو أربعة شروط متمسك بها ولم يتنازل عن أيٍّ منها، وهي:
١- المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي بالوساطة وليس معه وجهًا لوجه؛ لأن لبنان لا يعترف بإسرائيل دولةً لها كيانها المستقل، لذلك كان الأميركي هو الحاضر، حيث الاتفاق يكون اتفاقًا لبنانيًا مع الأمم المتحدة والشاهد المُوَقِّع هو الأميركي، واتفاقًا إسرائيليًا مع الأمم المتحدة والشاهد المُوَقِّع هو الأميركي.
٢- المفاوضات تكون تحت مظلة علم الأمم المتحدة ورعايتها حصرًا.
٣- أن تكون هناك نقطة تلازم برّي بحري لترسيم الحدود وهي نقطة (شرطية التلازم بين البرّي والبحري) في لبنان/ الناقورة تُسمى (B1)، لذلك لن يُفصل البحر عن البرّ.
٤- مهلة ستة أشهر لتحقق المفاوضات فقط وليست مهلة مفتوحة.
سادسًا: وهذه ليست اتفاقًا ولا معاهدة دولية يقودها رئيس الجمهورية اللبنانية مع إسرائيل على وفق (المادة 52) من الدستور اللبناني والصلاحية الدستورية، بل هي مفاوضات يقودها رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة حسب (المادة 49) من الدستور اللبناني؛ فهي مفاوضات يحققها الجيش اللبناني على البعد التقني ستنتهي إلى توقيع خرائط جديدة، وتحتفظ بها الأمم المتحدة.
سابعًا: المحور الأميركي هو الذي قرر تفعيل المفاوضات من جديد، أمّا لبنان فهو محتفظ ومتمسك بشروطه (الأربعة) ولم يتنازل عنها، فالأميركي هو الذي نزل عن الشجرة وقبِلَ الشروط اللبنانية وليس خلاف ذلك كما حاولت بعض وسائل الإعلام المعادية تصويره.
الدلالات:
١- يُظهر حزب الله قوةً وازنة، واقتدارًا عاليًا ومنضبطًا، ولم تتأثر مكانته في التوازنات الإستراتيجية في المنطقة بسبب الأحداث الأخيرة الموجعة في بيروت، ولأجل ذلك جاءه الأميركي مطأطئًا الرأس ليفاوض على وفق الشروط اللبنانية.
٢- الدول الخليجية التي أعلنت التطبيع مع إسرائيل: الإمارات، البحرين، والتي تستعد للتطبيع؛ هذه الدول خابت وخَسرت، والحركة الإسرائيلية كانت من موقع الضعف وليس من موقع القوة.
٣- الكلمة الفصل هي لمحور المقاومة وليس للمحور الأميركي الذي يضم إسرائيل والسعودية والإمارات… وهذه الحركات الإسرائيلية والأميركية سواء أكانت في لبنان أم في سورية والعراق هي حركات (تكتيكية) طارِئة لا ترتقي لمستوى إستراتيجي.
٤- يحاول الأميركي حسم الملفات جميعًا، وهذه دلالة على أنَّ الرحيل الأميركي من غرب آسيا بات وشيكًا، وهو ضروري بحكم التصدّعات الداخلية الأميركية، وبحكم الضغط المنتظم الذي سُلِّط عليه من قبل محور المقاومة، وبحكم التطلعات لولادة نظام مالي عالمي جديد.
المطلوب:
١- التعبئة الإعلامية لهذا الحدث الكبير الذي حققته المقاومة وأرغمت الأميركي على القبول -مرحليًا- بشروط لبنان، لأنّ هذا الحدث يرفع معنويات جمهور المقاومة عاليًا تزامنًا مع الفشل الخليجي.
٢- أنْ توضع آلية لحماية أنابيب النفط والغاز في العراق، وزيادة الضغط السياسي لأجل ربط شبكة الأنابيب بسورية (مرفأ بانياس) بعد توصيلها من إيران، ومنها إلى لبنان (مرفأ طرابلس)، لأنّ محور المقاومة في معركة الطاقة يقف مع روسيا والصين، أمّا الربط مع الأردن ومصر فهو مشروع إسرائيلي.
٣- أنْ يدوم تكاتف محور المقاومة، ولن يسمح للزوبعة الأميركية الفارغة أنْ تسرق من رصيد حضوره القوي في الميادين، وأنْ يفيض بهذا الثبات على جمهوره.
والحمد لله ربِّ العالمين