أحدث الأخبارشؤون اوروبيية

أهداف التحرك الإسرائيلي في شرق أفريقيا

مجلة تحليلات العصر الدولية - صادق المحدون/مجلة يمن ثبات العدد السابع

استطاعت إسرائيل وبمساعدة أمريكا والاتحاد الأوروبي وبسبب تخاذل الأنظمة العربية أن تكسر حاجز العزلة، وتتوسع في علاقاتها مع الكثير من دول العالم، وفي أغلب الأحوال لم تكن هذه العلاقات كأي علاقة عابرة بين دولة ودولة، ولكنها علاقات مبنية على أساس الاهتمام بالمصالح الإسرائيلية بفرض النفوذ لها في كل جوانب الدول التي تبني علاقاتها معها.

وتنطلق تلك العلاقات حتى للتدخل في شؤون أي بلد، والتغلغل حتى على المستوى الشعبي وفي كل المجالات، ولكن الجانب الأبرز لعلاقات إسرائيل هو تعزيز الجانب الاقتصادي لها، وفتح أسواق جديدة في دول كثيرة من العالم، وفي أفريقيا (القارة السمراء والبكر )الغنية بمواردها وثرواتها فقد استطاعت أن تقوي علاقاتها مع غالبية دول القارة الأفريقية ضمن رؤية استراتيجية تحكمها عوامل الصراع مع العرب، وضرورة التوسع في هذه القارة لأهداف استراتيجية كثيرة.

أهداف التحركات الإسرائيلية في أفريقيا وشرق أفريقيا:

هناك أهداف سياسية وعسكرية وأمنية وأهداف اقتصادية يمكن

تلخيصها كما يلي:

أ- أهداف استراتيجية وسياسية: لدول شرق أفريقيا أهمية استراتيجية بالنسبة للكيان الإسرائيلي؛ لأنها منفذ وممر حيوي يطل على المحيط الهندي والبحر الأحمر، فعشرون بالمئة من التجارة الخارجية الإسرائيلية تمر من أمام القرن الأفريقي ومضيق باب المندب ،حيث يريد الكيان الإسرائيلي كسر الطوق العربي المضروب عليه.

وتشكل الدول الأفريقية 31 بالمئة من الأصوات في المحافل الدولية وهذا ساعد تل أبيب على الخروج من عزلتها العربية أيضا، كما أن هناك سببًا مهمًّا وهو محاولة إسرائيل الحد من تحركات الإيرانيين في غرب ووسط أفريقيا، حيث استطاع الإيرانيون أن يبنوا علاقات لا بأس بها مع بعض الدول الأفريقية.

ب- أهداف اقتصادية:

تمتلك الدول الأفريقية ثروات معدنية ومناجم كبيرة، فيما يمتلك الكيان الإسرائيلي تطورا تكنولوجيا صناعيا (الصناعات الزراعية والمنجمية)، وهكذا تصبح أفريقيا مصدرا كبيرا للمواد الأولية وسوقا كبيرا للسلع والمنتجات في الوقت نفسه، وهذا يحرك عجلة الاقتصاد الإسرائيلي.

وتشكل الدول الأفريقية مجالا واسعا للنشاط الزراعي الإسرائيلي أيضا، فهناك مشاريع مشتركة كبيرة بين الجانبين، كما يصدر كيان الاحتلال الأسمدة الكيمياوية أيضا إلى الدول الأفريقية بشكل كبير، ويشارك في مشروع تصفية مياه بحيرة فيكتوريا إلى جانب ألمانيا في كينيا، حيث يعلم الجميع أن هذه البحيرة هي المصدر الرئيس لمياه نهر النيل.

ج- الأهداف الأمنية والعسكرية:

يسعى الكيان الإسرائيلي في هذا المجال إلى فرض حصار وطوق على الدول العربية عبر تأجيج الخلافات بين الدول الأفريقية والعرب، فتل أبيب تريد بسط نفوذها في أعالي النيل، وتشارك في سحب المياه من بحيرة فكتوريا للمشاريع الزراعية، وتؤجج الخلاف بين أثيوبيا والعرب ،وتؤثر على سياسات أوغندا، وتدعم انفصاليي جنوب السودان بالكامل.

كما ينشر الإسرائيليون قواتهم العسكرية في أثيوبيا وبعض الجزر التي يستأجرونها للتواجد في منافذ البحر الأحمر، كما أن العدوان على اليمن كان من أهم أسبابه هو الحيلولة دون سيطرة الجيش واللجان الشعبية على سواحل باب المندب الذي ترى فيه إسرائيل أهم ممر مائي في العالم، وتحت إشراف الإمارات، وبقيادة مرتزقة يمنيين تقود الإمارات الحرب في سواحل تعز والحديدة، حيث زار في الشهر الماضي من العام الجاري خبراء وضباط إسرائيليون يشاركون في إدارة الحرب هناك، ومن جهة أخرى يقوم الإسرائيليون بنشر الدعايات المعادية للدين الإسلامي في هذه المنطقة لإشعال الصراعات بين الدول الإسلامية والدول الأفريقية.

د- التأثير على دول حوض النيل والسيطرة على مصادر المياه العذبة:

يواجه الكيان الإسرائيلي أزمة مائية في المستقبل، ويريد أن يؤمن مصدر مياه لنفسه، ولذلك نجد أن نتنياهو يقوم بجولته في دول حوض النيل علما بأن تل أبيب أبرمت اتفاقا مائيا مع هذه الدول في عام 2009م أيضا.

إن الكيان الإسرائيلي يريد حصة ثابتة لنفسه من مياه نهر النيل؛ لأن قادة هذا الكيان يعتقدون أن الصراع القادم في المنطقة يدور حول المياه، وقد رأينا كيف استطاعت تل أبيب الحصول على نسبة من مياه النيل حسب اتفاقية (كامب ديفيد) مع مصر.

لقد وعد نتنياهو أثيوبيا التي بنت سد النهضة على النيل بالمساعدات في مجال الزراعة، وهذا يدل على وجود أهداف إسرائيلية بعيدة.

حجم النفوذ الأمني والتجاري الإسرئيلي في أفريقيا:

تولي تل أبيب أهمية كبيرة لعلاقاتها مع دول وسط أفريقيا؛ لأن فيها مناجم للألماس و اليورانيوم، كما تقيم علاقات وطيدة مع الغابون؛ لأن فيها حقولاً نفطية اكتشفت مؤخرا.

أما جهاز الموساد الإسرائيلي فقد أوجد شبكات تجسس سرية وعلنية في أفريقيا، ويدرب الموساد العمال والشباب الأفريقيين على الزراعة، كما يدرب الجنود والضباط الأفارقة في معسكرات الجيش الإسرائيلي، وينشر الفكر الصهيوني من خلالهم في أفريقيا، ومن جهة أخرى يساعد الكيان الإسرائيلي الدول الأفريقية الحليفة معه عسكريا وهكذا يزيد من نفوذه هناك يوما بعد يوم.

الخطر الاستراتيجي للتغلغل الإسرائيلي في قارة أفريقيا على العرب:

إن السياسة والتحرك الإسرائيلي في أفريقيا سيكون له أخطار جمة على الأنظمة العربية، ولن يستفيد العرب حتى لو بادرت بعض الأنظمة بالتطبيع مع إسرائيل في الحد من خطورة هذا التحرك، فالعقيدة الإسرائيلية لا يوجد لديها ما يحفظ لأي طرف مصالحه حتى لو قدم الكثير من التنازلات، ولذلك نحن نرى أن النظام المصري الذي له علاقة وثيقة مع إسرائيل منذ كامب ديفيد يعاني من ترنح في سياساته مع جيرانه، ولم يعد له أي دور إقليمي في السودان وأثيوبيا، بل أصبح الأمر بالعكس حيث أصبحت أثيوبيا تهدد أهم مصادر سيادة مصر وهي مياه نهر النيل، وكذلك الحال مع السودان، بفعل علاقاتها مع إسرائيل، كما نجد أن لإسرائيل الدور الأكبر في دعم انفصال جنوب السودان كدولة مستقلة بدعم إسرائيلي عززه اتفاقات اقتصادية، واستثمارات بملايين الدولارات أسهمت في تقوية الاقتصاد الإسرائيلي. إن كل أطماع إسرائيل في أفريقيا بالدرجة الأولى ليست إلا لخنق الأنظمة العربية سياسيا واقتصاديا، وزعزعة علاقات العرب مع جيرانهم في أفريقيا، وكذلك لتسويق بضائعهم التجارية، وفتح أسواق اقتصادية تعزز من الاقتصاد الإسرائيلي، وفي الوقت الذي نجد فيه أن العرب نائمون ومستسلمون، نجد في المقابل أن إيران التي هي محاصرة من كل الدول الاستعمارية استطاعت بحنكتها السياسية وقوة نظامها أن توجد لها مكانا لا بأس به مع بعض دول أفريقيا، في الوقت الذي نرى أن دولا عربية كمصر التي لها الثقل الأكبر تاريخيا في أفريقيا، وأقدم حضارة في العالم فقدت أهم عوامل القوة والسيادة، بينما نرى إسرائيل الكيان حديث النشأة اليوم هو من يصنع المتغيرات في المنطقة والعدد الأقوى في معادلة الصراع في المنطقة والشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى