إشكاليات الثقافة الشعبية في الأزمة العراقية وحلولها

د. السيد محمد الغريفي
العصر-يرى الفيلسوف الإسلامي الفاربي في كتابه المدينة الفاضلة، بأن أرتقاء الدول وهبوطها يتوقف على ركنين: (حكمة الحاكم، وطاعة المحكومين)، ولكننا نرى بأن في الأنظمة الديمقراطية بإن أرتقاء الدول يتوقف على مستوى وعي الشعب وثقافته السياسية، لأن الشعب هو الذي ينتخب الحاكم وبرنامجه السياسي، فإذا كان الشعب يطلب البناء فسينتخب الخبراء والتكنوقراط، وإذا كان الشعب طائفي سينتخب حكومة طائفية همها الحروب والتفرقة، وهكذا تكون الحكومة تبع لوعي وأنتخاب الشعب.
وعليه فمن أسباب المشكلة السياسية في العراق هو ثقافة الشعب العراقي، وعدم وعيه للنظام الديمقراطي، ومن الباب المثال نذكر بعض الملاحظات على ثقافة الشعب العراقي في المجال السياسي:
١- الثقافة العشائرية: طبقة كبيرة من أبناء الشعب يحملون الثقافة القبلية والتعصب لأبناء العشيرة وينصرونهم في الحق والباطل، ويقفون الى جنبهم في الأنتخابات رغم علمهم بعدم كفائتهم لهذه المسؤولية.
٢- الثقافة القومية: غالبية الشعب العراقي يحملون ثقافة تعصب العرب للعرب، والكرد للكرد، والتركمان للتركمان، ولا ينظر الى أنتخاب الفرد الأصلح خارج قومية. فجعلت هذه الثقافة بلدنا متناحر، والسعي الدائم لقومياته للأنفصال، فجائت الفدرالية كمشروع تحضيري للتقسيم.
٣- الثقافة المذهبية: الشعب العراقي عبر تاريخه الطويل مكون من الشيعة والسنة، وكانت الأقلية السنية بيدهم الحكم والسلطة وخزائن العراق، وكانت الاغلبية الشيعية مضطهدة ومحرومة، وبعد عام ٢٠٠٣ عندما طبق النظام الديمقراطي، لم يتحمل أهل السنة سلطة الشيعة عليهم فجلبوا الأرهاب للبلد من الشيشانيين والأفغانيين ليخلصوهم من أبناء وطنهم الشيعة.
٤- الثقافة الدينية: جعلت غالبية الشعب العراقي ينخدع في أتباع لكل من يرفع شعار الدين، ولكل من لبس العمامة وأطال اللحية من أبناء المراجع، والأحزاب التي تدعي الإسلامية، بينما الإسلام أمرنا بأتباع الولي الفقيه وليس أبن الفقيه أو حاشيته وتلامذته.
٥- الجهل والتخلف: المنتشر بين أفراد الشعب العراقي، جعلتهم ينخدعون في أتباع شخصيات ماكرة وخادعة من أمثال الصرخي وأحمد أبن الحسن وغيرهم من المدسوسين من المخابرات العالمية لحرق الشعب العراقي.
٦- أنعدام الثقافة السياسية: غالبية الشعب العراقي لا يمتلك ابجديات الثقافة السياسية فالى اليوم لا يعرف معنى (المصلحة الوطنية)، وكيف ينتخب الأصلح؟، وأيهم أفضل الوحدة أو الأنقسام؟ من هم أصدقائه الإيرانيون أو الأمريكان؟ ….الخ.
٧- أنعدام الشعور بالمسؤولية: من طبيعة الفرد العراقي أنه يرغب بالتغيير ولكنه يريد أن يأتي التغيير من غيره، فالعراقي عنصر أنتكالي على الآخرين، وفي تاريخه لم يغير نظام أو يسقط طاغوت
٨- أنعدام ثقافة المحاسبة: يتمتع الشعب العراقي بقابلية الصبر على الظلم وسلب حقوقه، ولا توجد عنده ثقافة محاسبة الفاسدين والفاشلين، بل أنه يعيد أنتخابهم في كل دورة والى طول العمر سيبقى المفسيدن والفاشلين في السلطة ما دام لا يحاسبهم الشعب.
وأما الحلول الاستراتيجية الثقافية التي نقترحها ما يلي:
١- تنمية الهوية الوطنية: يلزم أن يشعر جميع الشعب العراقي بهوية أنتمائهم للوطن، رغم وجود الثقافات والقوميات والطوائف الدينية المتعددة، يلزم أن تكون الهوية الوطنية هي الخيمة التي يجتمع الجميع تحت ظلها، ويفتخرون بالإنتماء لها، ويقدمون المصلحة الوطنية على مصالحهم الخاصة.
٢- تقليص الثقافة العشائرية: يلزم أن تكون ثقافة الإنتماء الى العشيرة في ضمن حفظ الأنساب وصلة الأرحام وليس أكثر، وأن يكون منصب شيخ العشيرة منصب تشريفي اجتماعي، وليس له دور في الأمور القضائية والحكومية، وعلى أفراد الشعب اللجؤ الى الحكومة فقط لحل مشكلاتهم وأخذ حقوقهم، ما دامت الحكومة عادلة ولا يضيع فيها حق لطالبه.
٣- السيطرة على القومية: يلزم أن يكون الإنتماء القومي الى العرب والكرد والتركمان في ضمن التعدد الثقافي داخل المجتمع الواحد، من أجل تكامله وتعدد مواهبه ولغاته، وليس من أجل العنصرية وتقسيم الوطن، وعلى الحكومة أعطاء حقوق القوميات، والتشجيع على التلاقح والتبادل الفكري بين القوميات، ومحاربة مثيري النعرات القومية والدعوات الأنفصالية، وعدم السماح لهم بالتفكير في التقسيم والأنفصال عن الوطن الواحد.
٤- السيطرة على الطائفية: يلزم أن يكون الإنتماء الطائفي الى الإسلام والمسيح والصابئة والإيزدية و…الخ، ضمن تعدد الأديان وحرية العقيدة وممارسة شعائرها الدينية بحرية، داخل البلد الواحد، وكذلك تعدد المذاهب داخل الدين الواحد هو أختلاف في الأجتهاد بين علماء المذاهب، وتقليد عوام الناس لهم، فلا يستدعي هذا الأختلاف الى تأجيج الصراعات الداخلية والحروب الأهلية وأثارت الدعوات الأنفصالية على أساس السنة والشيعة، أو غيرها داخل البلد الواحد.
٥- نشر ثقافة التعايش السلمي: يلزم أن تكون ثقافة المجتع الواحد تبتني على قبول التعدد
الثقافي والأعتدال وعدم الأفراط والتفريط، وإعطاء الحصانة للدماء والأموال والعقائد والأفكار والآراء والأتجاهات السياسية للأطراف الأخرى، فلا يحق التقاتل لمجرد الأختلاف في الأراء والمتبنيات، بل أن الأختلاف في وجهات النظر تنمي البحث وتزهر المعرفة، وتلاقحها يؤدي الى الوصول الى الحقيقة وإصابة الواقع.
٦- نشر ثقافة القرآن والإسلام: يلزم أن يكون المجتمع ذو الغالبية المسلمة يبتني على ثقافة القرآن الكريم الإسلام، بأعتبار أن القرآن كلام الخالق فوق كلام المخلوقين، ويشتمل على مناهج الحياة، في القانون والسياسة والاقتصاد، والمجتمع والنفس والأخلاق وكل ما يحتاجه المجتمع المسلم في حياته، والأبتعاد عن الثقافات الجاهلية والشرقية والغربية.
٧- نشر الوعي السياسي: يلزم أن يكون المجتمع محصن بالثقافة السياسية التي تجعله يعرف القواعد والقوانين الأساسية للمسائل الداخلية والعلاقات الدولية، ويستطيع أن يعرف أعدائه وأصدقائه، ويشخص المصالح الوطنية بسهولة، وكيف ينتخب الصالحين للسلطتين التشريعية والتنفيذية للبلد، ويحمي الوطن من المؤامرات والفتن الداخلية والخارجية.
٩- نشر ثقافة الحرية السياسية: يلزم أن تكون الثقافة الشعبية تبتني على تحمل المسؤولية أتجاه الحكومة والقضايا العامة، كما في قول الرسول(ص): (كلكم راعي وكلكم مسؤول عن رعيته)، فيلزم على الشعب مراقبة الحكومة دائما، وحق التظاهر والأعتراض على القررات الحكومية التي فيها التعدي على الحقوق الشعب.
الخلاصة: الأزمة السياسية التي تعصف بالعراق جزء من المشكلة ثقافة المجتمع العراقي، ومن أجل الخروج من هذه الأزمة يلزم إعادة صياغة بعض الأمور الثقافية، وجعلها كاستراتيجية مهمة للحكومات القادمة للعمل على تثقيف الشعب العراقي عليها، وجعلها ضمن العمل الحكومي، في الأعلام والمناهج الدراسية، حتى يخرج العراق من حالة الدوران في حلقة الأزمات، أن شاء الله.
_____________
من الارشيف 9 / 8 / 2018