إشكاليات في السياسة الخارجية العراقية وحلولها

د. السيد محمد الغريفي
العصر-وضعت مبادئ السياسة الخارجية فترة الحكومة الإنتقالية برئاسة مجلس الوزراء ابراهيم الجعفري ٢٠٠٥، وأستمر عليها وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري حتى عام ٢٠١٤، ثم جاء بعده ابراهيم الجعفري لوزارة الخارجية ليكمل تطبيق هذه المبادئ الى اليوم. وخلاصة هذه المبادئ مايلي:
١- مبدأ الصداقة للجميع:
كل دول العالم لديها دول صديقة ودول معادية ودول محايدة، وتتعامل بالمثل مع كل دولة، الا العراق فأنه يتعامل مع الجميع على أساس الصداقة، على الرغم من بعض دول الجوار لم تعترف بالعملية السياسية في العراق، ولم تفتح سفارات لها في بغداد، بل أن بعضها أتخذ منهج عدائي ودعم الأرهاب تخطيطا وتنفيذا وماديا ومعنويا من أجل إسقاط النظام الديمقراطي في العراق، ولكن وزارة الخارجية العراقية ترفض سياسة فضحها ومتابعتها قانونيا لتغريمها، وتحبذ سياسة تقبيل الأيدي من أجل أن يفتحوا سفارات وقنصليات تخريبية داخل العراق.
٢- مبدأ الحماية الأمريكية:
لم تخرج أمريكا من العراق الا بعدما وقعت معاهدة أمنية مع الحكومة العراقية، ولكنها لم تلتزم بهذه المعاهدة، فعندما احتل داعش العراق لم تتحرك لإنقاذ العراق، ولم تجهز العراق بالسلاح الثقيل رغم أحتياجه له، واليوم لديها قواعد عسكرية على الأراضي العراقية، وحركات مشبوهة لحماية الدواعش، وأستهدف طيرانها مواقع الحشد الشعبي عدة مرات، والعجيب بأن الخارجية العراقية مازالت متمسكة بهذه المعاهدة.
٣- مبدأ الوصايا الأمريكية:
أكبر سفارة في العالم هي السفارة الأمريكية في بغداد، التي تضم آلاف العاملين، تدير شؤون العراق بالخفاء، تفرض وصايتها بشكل كامل من خلال سيطرة خبرائها على الوزارات وتعطيلها لمشاريع بناء العراق، ولقد أدار السفير الأمريكي بنفسه عملية تزوير الأنتخابات الأخيرة من خلال سيطرته على السيرفر، ونشاطاتها الثقافية لنشر الإلحاد والمثلية والمخدرات في المجتمع العراقي، وغير ذلك من التدخلات التي تخل بالسيادة العراقية.
٤- مبدأ التبعية للجامعة العربية:
في السنوات الأخيرة فرضت السعودية سيطرتها التامة على منظمة الجامعة العربية، وبدأت تحارب الحشد الشعبي وتدافع عن الدواعش في العراق وسوريا عن طريق هذه المنظمة، والخاجية العراقية لديها مواقف خجولة أمام هذه الأنتهكات لسيادة الشعب العراقي.
٥- مبدأ رفض التعاون الروسي:
عدة مرات تقدمت حكومة روسيا بطلب مساندة العراق في حربه ضد داعش كما فعلت في سوريا، ولكن يواجه بالرفض العراقي وذلك يدل على تبعية العراق لأمريكا، وعدم أستقلال سيادة العراق، وعدم قدرة الخارجية العراقية لتأمين مصالح العراق في العلاقات الدولية.
٦- مبدأ الأستقلال في الصراع الأمريكي-الإيراني:
صرح عدة مسؤولين عراقيين رفضهم من جعل العراق ساحة للصراع الأمريكي-الإيراني، في الوقت الذي يستضيف العراق قوات أمريكية على أراضيه، حيث يعتبر تهديد مباشر لإيران، في نفس الوقت يوجد مسشارين عسكريين إيرانيين لقوات الحشد الشعبي داخل العراق، فعلى الحكومة العراقية أخراج القوات الأمريكية من أراضيه، حتى تمنع من وقوع صراع بين الطرفين على أراضيه.
٧- مبدأ رفض التصعيد والمواجهة:
يتعرض العراق يوميا الى أعتداءات متكررة على أراضيه من الجانب التركي، وتقليل منسوب مياه دجلة والفرات، وكذلك يتعرض الى عمليات إرهابية بدعم دول الخليج، وترفض الخارجية العراقية سياسة المواجهة والتصعيد والمعاملة بالمثل.
الخلاصة بأن المبادئ التي يعتمدها العراق في سياسته الخارجية تجعل من العراق دولة بلا سيادة وعاجز عن تحقيق مصالحه والدفاع عن أراضيه وأمن مواطنيه.
الحلول الاستراتيجية للسياسة الخارجية العراقية
الجغرافية السياسية للعراق جعلت منه بلد مؤثر على الساحة الأقليمية، وفي بعض الأحيان صانع للأزمات وعدم الأستقرار في المنطقة. وذلك للأسباب التالية:
١- الهوية العربية الغالبة على الشعب العراقي تفرض عليه ان يكون عنصر مؤثر في جامعة الدول العربية ومتأثر في توجهاتها وقراراتها المصيرية وان لا ينفرد في قراراته المصيرية. ولذلك جاء قرار حرب العراق على الجمهورية الاسلامية من صنع الدول العربية للوقف بوجه الثورة الإسلامية.
٢- في المقابل العقيدة الشيعية الغالبة للشعب العراقي تفرض عليه أن يكون ضمن الهلال الشيعي، أو ما يعرف اليوم بمحور مقاومة والممانعة لنصرة أشقائه في سوريا ولبنان والبحرين واليمن من المؤامرات السعودية و الاسرائيلية.
٣- التركيبة السكانية المتنوعة للشعب العراقي من العرب والأكراد والتركمان، وهم بدورهم ينقسمون الى الشيعة والسنة والمسيح والصابئة والأيزديين… جعلت من العراق مجتمع مصغر وعاصمة لكل المنطقة، لأن النزاعات الداخلية داخل الشعب العراقي تؤثر على جميع المنطقة، وكذلك العكس صحيح فأن أستقرار العراق يؤدي الى استقرار المنطقة.
٤- يقع العراق بين أربعة ثقافات، من الشرق الثقافة الشيعية الفارسية، ومن الشمال الثقافة العثمانية العلمانية، ومن ا
لغرب الثقافة العربية الفرنسية، ومن الجنوب الثقافة الوهابية البدوية. وعليه فأن العراق يلعب دور الرابط بين هذه الثقافات، وهو الجسر الذي يقرب بين الشيعة والسنة، وبين العرب والفرس والترك، وبين التطرف والأنفتاح الديني، ولا يستطيع أي بلد آخر يؤدي هذه المهمة غير العراق. فيستطيع أن يلعب دور العاصمة الثقافية للمنطقة .
٥- من الجانب الأقتصادي بالأضافة لكون العراق غني بأحتياطه النفطي وبأرضه الزراعية ومياهه العذبة إلا أنه معبر مهم لأنابيب الغاز من إيران وقطر الى القارة الأوربية، وكذلك البضائع التجارية من تركيا وبلاد الشام الى الخليج وبالعكس.
٦- يمتلك العراق أقدم جامعة إسلامية في العالم الإسلامي لتدريس الشريعة وهي حوزة النجف الأشرف التي عمرها اليوم ١٠٠٠ عام وفيها طلاب وعلماء من جميع دول المنطقة، تعتبر مصدر أشعاع وهداية للعالم الإسلامي.
٧- يمتلك العراق مصادر متنوعة للسياحة من الاثار والطبيعة الخلابة والمراقد المقدسة لإئمة أهل البيت عليهم السلام التي تجذب الملايين سنويا من خارج العراق وخصوصا في الزيارة الشعبانية التي فاقت أعداد حجاج بيت الله بعشرة أضعاف.
٨- يمثل المخزون المائي للعراق مصدر من مصادر الصراع في المنطقة حيث يجمع العراق ثروته المائية من ثلاث دول مجاوره ويمد الجزيرة العربية بالمياه الجوفية.
٩- الأجواء الجوية العراقية تتيح له ان يكون حلقة أساسية في التنقلات بين العالم الغربي والشرقي حيث تعتبر خطوط العرض التي يقع عليها العراق مثالية في الملاحة الجوية.
١٠- تعتبر الأراضي العراقية معبر مهم للتجارة من الخليج الى تركيا وسوريا ومن ثم الى أوربا حيث يصعب نقل البضائع من الخليج عبر ايران لوجود لوجود سلاسل الجبال وعبر السعودية لوجود الصحراء ذات الرمال المتحركة.
والخلاصة: موقع العراق في الساحة الأقليمية يحتم عليه أن تكون استراتيجية سياسته الخارجية لها دور في التقريب بين الثقافات الإسلامية المعاصرة، ومحور لحل خلافات السياسة الأقليمية، ورابط أقتصادي لدول المنطقة.
_____________________
من الارشيف 11 / 8 / 2018