اتفاق الإمارات وإسرائيل: متغيرات استراتيجية وجيوسياسية يقول السياسي المحافظ علي موتاهاري “نحن أخفنا العرب ودفعناهم إلى ذراعي تل أبيب”.
مجلة تحليلات العصر الدولية
رفيق خوري كاتب مقالات رأي -أندبندنت
السبت 22 أغسطس 2020
المتغيّرات تتقدّم على الثوابت في الصراع العربي – الإسرائيلي. من “لاءات الخرطوم” لا تفاوض، لا صلح، لا اعتراف، إلى التفاوض والصلح والاعتراف.
من الحروب الكلاسيكية إلى المقاومة. ولا مهرب من مراجعة الأداء الفلسطيني والعربي في القضية الفلسطينية على مدى قرن تقريباً. إلى أين قادتنا الثوابت من دون أن تدعمها دائماً “أوراق القوة” العسكرية والاقتصادية والديبلوماسية؟
وإلى أين أوصلتنا المتغيّرات التي دارت في المنطقة والعالم، بحيث “تكيّفنا” معها إما من خلال قراءة إستراتيجية وإما على طريقة: مكرهٌ لا بطل؟
السؤال مطروح منذ زيارة الرئيس أنور السادات إلى القدس بعد سنوات من “حرب أكتوبر”. والأجوبة خليط من التمسّك بالحقّ التاريخيّ والشعارات الشعبوية والرؤية الواقعية وما تمليه صراعات المحاور من مواقف. واليوم تتجدّد الأسئلة والأجوبة بعد الإعلان في البيت الأبيض عن “اتفاق سلام” بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل.
من الخطأ، في البدء، اختصار المشهد بحاجة الرئيس دونالد ترمب إلى “إنجاز” خارجي يساعده في المعركة الرئاسية.
فهو خسر أهم سلاح في يده، أي الاقتصاد الذي ضربه كورونا وكان سوء أداء ترمب في مواجهة الوباء من أسباب تدني شعبيته. وهو يلعب ورقة الصراع مع الصين، ويحاول قطف شيء من “صفقة القرن” التي سقطت على الأرض.
ومن الطبيعي تركيز الأضواء على “تعليق” ضمّ المستوطنات على مساحة 30 في المئة من الضفة الغربية. علماً أن نتنياهو عجز عن تطبيق الضمّ لأن الرئيس الأميركي لم يعطِ “الضوء الأخضر”، وشريكه في رئاسة الحكومة الجنرال غانتس رفض الخطوة من جانب واحد.
ولا أحد يعرف إلى أي حدّ يخدم ذلك معركة ترمب الرئاسية في مواجهة المرشح الديمقراطي جو بايدن المتفوّق عليه حتى الآن بسبع نقاط.
لكن الكلّ يعرف ما قادتنا إليه ثلاثة متغيرات. الأول هو ما حدث على قمة العالم من تراجع أميركا وتقدم الصين وعودة روسيا. والثاني أن العالم العربي اليوم، وخصوصاً بعد ما انتهى إليه “الربيع العربي” ليس ما كان عليه عام 1979.
والثالث هو العامل الجديد في الصراع الجيوسياسيّ الذي تشكّله “جمهورية إيران الإسلامية” وطموحاتها الإمبراطورية على الأرض العربية.
بعد معاهدة كامب دايفيد، أخرجت الدول العربية مصر من الجامعة العربية والجامعة من القاهرة إلى تونس. وبعضها شكّل “جبهة الصمود والتصدي”.
ولم يكن الفلسطينيون وحدهم في رفض كامب ديفيد واعتباره خطراً على قضيتهم. كذلك السوريون. أما بعد الإعلان عن اتفاق “السلام مقابل السلام” بين الإمارات العربية وإسرائيل، فإن “الإدانة” جاءت من الفلسطينيين والإيرانيين، وانضمت إليهم تركيا التي لها سفير في إسرائيل وقطر التي كانت السباقة في إقامة مكتب تمثيلي لإسرائيل في الدوحة.
إذ مصر والأردن في سلام مع إسرائيل. وسوريا واليمن وليبيا في حروب لا تنتهي. دول المغرب العربي مشغولة بهمومها الخاصة. السودان وبعض دول الخليج على طريق العلاقات مع إسرائيل.
أما السعودية، فتمسّكت بمبادرة السلام العربية التي قدمها الملك عبد الله يوم كان ولياً للعهد وجرت الموافقة عليها بالإجماع في قمة بيروت عام 2002.
والمعادلة فيها محدّدة: الانسحاب الإسرائيلي من الأرض المحتلة عام 1967 وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية مقابل السلام والتطبيع مع إسرائيل من جانب كل الدول العربية. والترجمة العملية للمبادرة هي أن “المفتاح” في يد الفلسطينيين .
والتغيير الكبير بنسبة 180 درجة في إستراتيجية العمل العربيّ هو ما بدأ في كامب ديفيد: من كون القضايا العربية مرتبطة بقضية فلسطين تماماً إلى توجه كل دولة عربية لمعالجة قضاياها ضمن مصالحها ومفهومها السيادي.
ومن هنا وصف المعلق الأميركي توماس فريدمان الاتفاق بأنه “هزّة جيوسياسية”. وحين تحدّث الرئيس الإيراني حسن روحاني عن “خيانة” فإن الرد عليه جاء من مجلس التعاون الخليجي ودول عربية في طليعتها مصر.
والواقع أن خطر جمهورية الملالي في نظر العرب ليس أقل من خطر إسرائيل وخطر تركيا برئاسة أردوغان.
ولم يكتم محمد علي أبطحي الذي كان نائباً للرئيس خاتمي القول “إن إيران هي العدو في عيون العرب، ونحن نجد أنفسنا في وضع حيث يتجه جيراننا العرب نحو إسرائيل لمواجهة إيران”. لا بل إن السياسي المحافظ القديم علي موتاهاري يقول “نحن أخفنا العرب ودفعناهم إلى ذراعَي إسرائيل”.
وكما يقول المثل “ليس هناك شيء اسمه غداء مجاني”، فلا شيء في العلاقات بين الدول من دون مقابل. دنيس روس يرى أن من أهداف الإمارات “الحصول على أسلحة متطوّرة لا تقدمها واشنطن إلا لدول في سلام مع إسرائيل “مثلF35 “.
ويتصوّر الكاتب الإسرائيلي آري شافيت “أن نتنياهو الذي خسر المستوطنين، سيلجأ إلى الاعتماد على الوسط ويمينه، بما يساعد في إنقاذ الديمقراطية”.
فضلاً عن أن إيران التي صارت لها حدود مع إسرائيل عبر حزب الله في لبنان والحرس الثوري على خطوط الجولان السوري، ستجد إسرائيل على “الحدود” معها بعد الاتفاق .
واللعبة ليست بسيطة وعادية.