ازدواجية السلوك الاجتماعي عند المسلم المتشبه بالغرب
علي المؤمن
العصر- تكمن المشكلة الأساسية في خطاب التغريب، والسلوكيات الاجتماعية التي يفرزها، في أن المتغرب يفكر بأسلوب غربي في بيئة ليست غربية، ويتشبه بالغرب في واقع غير غربي، ويريد تطبيق النتاجات الفكرية والثقافية الغربية في مناخات لاعلاقة لها بمناخات الغرب التي انتجت تلك الأفكار والثقافات والسلوكيات عبر تراكم تاريخي طويل، مثّل صراعاً قاسياً بين الاستبداد الثيوقراطي المطلق الذي يمثله تحالف السلطات الثلاث: سلطة الكنيسة والسلطة الملكية المطلقة وسلطة أصحاب المال من جهة، والشعوب الاوروبية المستعبدة من جهة أخرى، وقد أدى حراك هذه الشعوب المتأثرة بالفلاسفة والمفكرين الاجتماعيين التحرريين، الى ظهور عقائد جديدة متناقضة، مناهضة للمسيحية والدين عموماً، ومناهج التفكير السائدة، والأعراف والتقاليد السياسية والثقافية والاجتماعية، وقد تمثلت هذه العقائد في الإلحاد الماركسي والوجودي، والعلمانية والليبرالية والاشتراكية والرأسمالية. وربما كان من الطبيعي أن تفرز تلك المناخات الأوروربية وصراعاتها التراكمية هذه العقائد والمناهج الفكرية والسلوكيات الفردية والمجتمعية، ولكن من غير الطبيعي ان تستورد مجتمعات لها مناخاتها وواقعها التراكمي الديني والاجتماعي والثقافي المختلف كلياً، تستورد تلك الثقافات والأفكار والسلوكيات وتمارسها داخل بيئتها المتعارضة.
▪️ومن جانب آخر؛ إن الإطار الذي يجمع في داخله مظاهر السلوك التغريبي في المجتمعات المسلمة، هو التناقض والتضاد المتزايدان والحادان أحياناً، في الظواهر والسلوكيات الاجتماعية القائمة؛ فالانزواء والرهبنة – مثلاً – يقابلهما الانفتاح المطلق على الثقافة الغربية والفساد الخلقي والعبثية.
▪️وفضلاً عن التناقض الاجتماعي، فهناك تناقض آخر يعيشه الفرد والمجتمع أيضاً، هو الازدواجية بين الفكر والمعتقد والادعاء، وبين التطبيق والممارسة والسلوك العملي.
▪️ وعلى مستوى الأخلاقيات الاقتصادية، هناك تمايز طبقي واضح يكمل التصّدع الاقتصادي، الناتج عن التضخم والغلاء المعيشي والتسوّل والبطالة والديون الحكومية. وحين تنعكس هذه المظاهر على العلاقات الاجتماعية فإنها تخلق تفاوتاً اجتماعياً طبقياً كبيراً في المجتمع الواحد، على مستوى الملكية الخاصة ورأس المال، وعلى نوعية التعامل المتقابل بين الطبقات، وستشح عندها مظاهر التكافل الاقتصادي والاجتماعي.
▪️ وتبرز من خلال ذلك أخلاقية اقتصادية فظة، تتمثّل في تحوّل العملية الاقتصادية في المجتمع إلى هدف بنفسها، أي أن الغاية من ممارسة المهن والحرف – على اختلافها – ستختصر في تحصيل المال وكنزه، على حساب الفضائل والعواطف، فيتعامل الطبيب – مثلاً – مع المريض كآلة فيها عطل، يجب أن يحصل على أكبر مبلغ من المال ليقوم بإصلاحها، بصرف النظر عن الأخلاق الطبية والعواطف الإنسانية. في حين أن قيمة العمل في الإسلام تقاس بغاياته المعنوية، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن تحصيل المال وسيلة لإمرار المعاش. فالطبيب ليس لعمله قيمة إلا بمقدار تحقيقه للغاية في العمل، والمتمثّلة بتقديم الخدمة للمرضى بهدف شفائهم بإذن الله.
▪️وبشكل عام؛ فإن أساس هذا السلوك التغريبي وأمثاله هو فقدان الفرد والمجتمع للجانب المعنوي والروحي في شخصيتهما. وهو الأمر الذي يحدث في التعامل مع التقنيات العلمية الحديثة أيضاً. فمن مظاهر السلوك التغريبي في هذا المجال هو قبول المجتمع لخيار التكنولوجيا على حساب الأخلاق – كما يصف بعضهم الظاهرة؛ حتى أصبح وجود وسائل التكنولوجيا الحديثة في عمليتي الإنتاج والاستهلاك أهم غايات الحياة، طبقاً للشعار الغربي القائل: «أنتجوا أكثر استهلكوا أكثر، واستهلكوا أكثر لتنتجوا أكثر»، بدل الغاية الأساسية المتمثّلة في رضا الله تعالى، من خلال التمسك بالأخلاق والعقيدة والشريعة. وفي الواقع، إن هذا التناقض – الموهوم غالباً – بين الأخلاق ومفهوم التكنولوجيا، هو من صادرات الغرب إلى المجتمعات الإسلامية أيضاً.
صفحة علي المؤمن