الإسلام يعلو.. ورجاله المؤمنين يشمخون
مجلة تحليلات العصر الدولية - الحسين أحمد كريمو
أذكر فيما أذكر في أيام العزِّ والفخر من تسعينيات القرن الماضي في ظل حكيم العرب في هذا العصر الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي وجَّه أول إهانة للولايات المتحدة الأمريكية في أوج ذروتها وذلك في (21 نيسان 1996) حين رفض استقبال وزير خارجيتها “وارين كريستوفر” رغم إلحاحه مرات ومرات على ضرورة اللقاء فكان جواب الرئيس الأسد الأب: “سيدي الوزير: الرئيس الأسـد مشغول”، حين أرسل رئيس التشريفات رسالة إلى كريستوفر تقول: إن الرئيس الأسد “لديه جدول مليء”، ولن يتمكّن من استقبال رئيس الدبلوماسية الأمريكية اليوم”.
وكان طلبه مقابلة الرئيس الأسد حين كانت دمشق تضجُّ بالدبلماسيين فكانت بنيظير بوتو رئيسة وزراء باكستان، وكان وزير الخارجية الفرنسية، ونظيره الروسي، ووزير الخارجية الإيراني علي أكبر ولايتي، إضافة إلى وزير الخارجية الأمريكي الذي جاء فجأة من فلسطين المحتلة وطلب لقاء الرئيس الأسد مباشرة، وكان مجتمِعاً مع رئيسة الوزراء الباكستانية، فرفض طلبه.
وأذكر كيف أن الدنيا والعالم قام ولم يقعد والكل يسأل كيف تُوجَّه مثل هذه الإهانة لرئيس الدبلماسية الأمريكية الإمبراطورية الصاعدة بقوة على ذروة الحضارة بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي حتى أن بثينة شعبان التي أرَّخت لسنواتها العشرة مع الرئيس حافظ الأسد تقول في وصف وارين كريستوفر فتقول: ” كانت يدا كريستوفر وشفتاه لا تزال ترتجفان وهو يحيط حقيبته بيديه، وقال: ” سيدي الرئيس؛ أودّ أن أعرف السبب في تعمّدك إهانتي وإهانة دولتي، الولايات المتحدة الأمريكية أمس؟”.
حافظ الرئيس الأسد على هدوئه؛ وحدّق في عيني كريستوفر قبل أن يقول: “وبأي طريقة قمتُ بذلك يا سيد كريستوفر؟”.
انفجر كريستوفر عندئذٍ، ولكن بلباقة: “منذ الأمس، وأن أطلب مقابلتكم طوال الوقت (إلى أن حلّ لقاؤنا الآن)، وكنتم ترفضون طلبي، وقد فكرتُ أكثر من مرة في أن أغادر”.
وما عاد كل ذلك إلى ذاكرتي هو ما جرى يوم أمس مع الوفد المفاوض للجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث رفضوا وجود العَلَم الأمريكي في صالة وقاعة المفاوضات فاضطر الجميع لرفعه من الصالة، حيث ورد “طلبت إيران رفع العلم الأمريكي من القاعة قبل الاجتماع ووضَّحت أنها لن تكون حاضرة في أي اجتماع تشارك فيه أمريكا.. وأن الوفد الأمريكي بقيادة روبرت مالي كان موجوداً في المبنى المجاور لمقر الاجتماع وإن المفاوضات تجري مع دول مجموعة “4+1” وليس مع أميركا لا بصورة مباشرة ولا غير مباشرة”، فليس العلم بل الوفد ممنوع أن يكون هناك.
فابتسمتُ فرحاً بهذه الإهانة المدوية للأمريكان وقلتُ في نفسي: “أعزَّك الله يا سيد علي الخامنئي كيف رفعتَ لنا رؤوسنا، وأدامك الله ذخراً وذخيرة للإسلام والمسلمين”، فقد أعاد هذا الموقف الشجاع البطل إلى الأذهان الحضور المشرِّف والراقي للإسلام العظيم في الحياة الحضارية.
فصدق رسول الله (ص) وهو الصادق الأمين حيث قال: (الإسلامُ يعلو، ولا يُعلَى) عليه، فما أعظم الإسلام الذي يجعل رجاله والمؤمنين به بعزة وكرامة لأنها نابعة من عزَّة الله، فالله سبحانه وتعالى يقول: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) (النساء: 139)
ويقول أصدق القائلين في سورة المنافقين الذين كانوا يتحصَّنون باليهود – كما يفعل الأعراب اليوم – ويظنون أنهم يملكون العزة والقوة ليُخرجوا رسول الله (ص) والمسلمين من المدينة المنورة بعد غزوة يود بني المصطلق في المسيريع: (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (المنافقون: 8)
فوقف بوجهه ولده الوحيد وقال له: “لا أدعك تدخل إلى المدينة حتى تعتذر إلى رسول الله (ص) وتُقر بأنه هو العزيز وأنت الذليل”، ففعل ذلك وهو يبكي صغاراً وذلةً وخزياً، وولده قال لرسول الله (ص) يومها: “إذا أردتَ يا رسول الله أن تضرب عنقه فأمرني فأنا أضرب لك عنقه”.
تلك هي عزَّة الإسلام وقوة رجاله الأبطال الذين يؤمنون به فيُعزَّهم بعزِّه ويقويهم بقوة الله تعالى، حفظ الله الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقيادتها الحكيمة ذخراً وذخيرة للإسلام والمسلمين يا رب العالمين، والتاريخ سيذكر هذا الموقف التاريخي لرجال هذه الثورة الإسلامية العزيزة.