الانتخابات الرئاسية السورية وعوامل الصمود
مجلة تحليلات العصر الدولية - محمود الهاشمي
تجري في سوريا في ال(26) من الشهر الجاري انتخابات رئاسية ،تتنافس عليها ثلاثة شخصيات احدهم الرئيس الحالي (بشار الاسد ).
انتقد الاعلام الغربي هذه الانتخابات مسبقا ،فيما اعتبرت المعارضة السورية ان شرطها الاول للدخول بالانتخابات هو تنحي الاسد عن منصبه من رئاسة الجمهورية.
سوريا هي الدولة الاكثر تضررا من (الربيع العربي) فقد القت الدول الغربية والولايات المتحدة ودول الخليج وتركيا واسرائيل والمنظمات الارهابية كامل ثقلها لتغيير النظام
ولاحداث القتل والتدمير بهذا البلد ،فمازالت ثلث اراضيه تتوزع بين المنظمات الارهابية والاكراد وتركيا والولايات المتحدة .
البيانات تقول ان عدد ضحايا الحرب في سوريا بلغ نصف مليون ضحية وحوالي ثلاثة ملايين جريح ومعوق ،وان عدد النازحين بالداخل (6)ملايين و(6)اخرون بالخارج .
العقوبات الاميركية على سوريا قاسية جدا ومنها (قانون قيصر ) الذي احكم الخنق على كل مصادر الاقتصاد السوري وشل حركة الحياة
ورفع منسوب الفقر بالبلاد كثيرا واضر بالصناعة والزراعة والتبادل التجاري ونشاط المصارف .
ماذا لو فعل بشار الاسد مافعله زين العابدين بن علي وفر الى خارج البلاد في اللحظات الاولى للحراك والاحتجاجات ؟
لاشك ان هناك دول بعينها مخطط لها ان تدخل بحرب اهلية وصراع سياسي داخلي وتدمير لبناها التحتية وتهجير شعبها بالداخل والخارج .
حكومة صدام لم تقاوم كثيرا ،فما هي الا ايام حتى دخلت قوات الاحتلال بقيادة اميركا الاراضي العراقية واحتلت المدن الواحد تلو الاخر . فما الذي حدث ؟ قتل من العراقيين (2/5) مليونان ونصف المليون عراقي وهجر من هجر بالداخل والخارج واشتعلت الحرب الاهلية وادخلوا علينا الارهاب والمفخخات واحتل الارهاب ثلث الاراضي العراقية ودمروا (15) الف معمل ومصنع ،ومازال العراق يعاني من الويلات !
تونس كفرت بالساعة التي احرق فيها الشاب نفسه والذي فرت اسرته للخارج من كثرة شتيمة الناس لهم ، ومازالت تونس تعيش الفوضى والفقر والهوان وارتباك المشهد السياسي .
والشواهد كثيرة في اليمن وليبيا وغيرها ،
فالتحولات في هذه البلدان لم تكن على ايدي شعوبها بل بتحريك اجنبي ووفق المخطط القاضي بتدميرها .
اذن بقاء الرئيس بشار حاجة ضرورية لبقاء وجود البلد وان ثباته وصبره والرضا بالمنازلة مع تعدد الاعداء يمثل موقفا شجاعا حفاظا على ماتبقى من شعبه وارضه .
وهنا نسأل ؛-هل هناك معارضة وطنية في سوريا ؟ ان كل اطراف المعارضة السورية تتلقى الدعم والتمويل من دول الخليج وامريكا وبريطانيا وتركيا .
ومنذ شباط 2012، تشكلت مجموعة “أصدقاء سوريا” التي ضمّت دولا غربية وعربية داعمة للمعارضة السورية. ثمّ اعترفت أكثر من مئة دولة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية كممثل شرعي وحيد للشعب السوري
لكن هذه (المعارضة ) نظرا لتعدد اجنداتها وارتباطاتها فشلت في ان تطرح نفسها بديلا عن النظام الحاكم ،وانتهى المبعوث الدولي الى سوريا بالقول (هذا وقت ضائع ) يقصد التوافق بين المعارضة .!
استطاع الرئيس بشار ان يستفيد من ظروف داخلية وخارجية وان يعتمد الصبر وترويض الواقع بشكل مذهل ،حيث من النادر ان يتوفر مثل هذا الثبات لدى قائد اخر ،فداخليا استفاد من الجيش وولائه وبه استعاد ثلثي الاراضي السورية وثبت اسس النظام كما استفاد من ولاء الشخصيات السياسية سواء الذين عملوا معه او من الذين عاصروا والده ،في ذات الوقت استطاع ان يستفيد من علاقاته مع الجمهورية الاسلامية في مواجهة التحديات وخاصة ضد الصهاينة والارهاب ،فتشكلت اسس مقاومة تمتلك مستلزمات القوة والمنعة والمصد الاكبر ضد الارهاب ،بالاضافة الى العلاقة مع روسيا التي وجدت في حماية مصالحها وقواعدها سبيلا لدعم بقاء الحكومة وترسيخ مباديء الدولة .
الاصابع تشير الى ان فوز السيد بشار الاسد شبه حتمي لاسباب عديدة في مقدمتها وفاء الشعب لقائد استطاع ان يحافظ على وحدة الاراضي السورية ويواجه خطر الفوضى ،ثم طموح الجميع ان تعود الاعداد المهاجرة الى اراضيها للطمأنة على مصيرها بعد اعوام من المذلة والفاقة والبؤس والغربة .
هذا الخيار لرئاسة السيد بشار يدفع بالرئيس بعد الفوز ان يتوجه الى اعادة الاعمار وتأهيل البنى التحتية للمصانع والمعامل المدمرة والى بناء الاقتصاد السوري وتوسيع العلاقات والعمل على رفع الحصار خاصة وان جهات دولية باتت تضغط من اجل رفع الحصار لانه يمس الطبقات الفقيرة ،وهناك بوادر في ذلك ،ناهيك ان الجمهورية الاسلامية وضعت جميع امكانياتها لاعادة الحياة للشعب السوري عبر تجهيزه بالوقود وبمتطلبات الحياة العامة .
مايشجع السيد بشار على امكانية اعادة الحياة والاستقرار لسوريا جملة من الامور منها ؛-
1-الظروف الدولية والتغيرات بالمنطقة بانحسار النفوذ الاميركي .
2-صعود المقاومة كقوة موازية لاسرائيل وردعها .
3-صعود الصين كقوة اقتصادية وعسكرية ودعمها لسوريا .
4-اصابة المعارضة السورية بخيبة كبيرة وهم يكتشفون ان امريكا وبقية الاطراف جعلت منهم وسيلة لتدمير بلدهم .
5-موقف روسيا والجمهورية الاسلامية الداعم لسوريا .
6-موقع سوريا المهم وسواحلها على البحر المتوسط وجوارها من العراق الداعم لها .
7-هناك بنى تحتية للكثير من المشاريع والمعامل والمصانع التي يمكن اعادة تأهيلها .
8-عودة العلاقات مع العديد من الدول التي يوما راهنت على زوال الاسد ومنها البحرين والامارات والسعودية وغيرها .
9-الدعم الذي يتلقاه ألرئيس الاسد من قبل حزب الله ومايشكل من قوة وخبرة للدولة وحسن الجوار مع لبنان .
10-شخصية الاسد التي خاضت غمار الظروف الصعبة وانتصرت عليها وكذلك بقية المسؤولين السوريين .
ربما هناك نقاط اخرى لامجال لذكرها ،ولكننا نأمل ان تكون انتخابات يوم(26) منطلقا لعودة سوريا الى موقعها الطبيعي.