البحرية الأمريكية والسواحل اليمنية
مجلة تحليلات العصر الدولية - عبدالفتاح علي البنوس
ما بين الفينة والأخرى تحاول أمريكا استعراض عضلاتها في منطقة الشرق الأوسط، مستغلة الحروب والصراعات المشتعلة في عدد من دول المنطقة والتي في الغالب ما تكون مشاركة بفاعلية في تغذيتها وإشعالها بهدف تمرير أهدافها الاستعمارية، المناورات المشتركة التي تقوم بها بمشاركة بعض الدول والأنظمة المتأمركة المتصهينة، والتحركات العسكرية المشبوهة للقطع والبوارج البحرية وحاملات الطائرات، علاوة على النشاط التجسسي سواء عبر الأقمار الصناعية أو الطائرات المسيرة، أو من خلال الجواسيس العملاء في الداخل اليمني الذين ينشطون في أوساط المواطنين بصورة سرية، أو من خلال المنظمات التي تستغل العمل الإنساني في تنفيذ مهام تجسسية واستخباراتية لحساب الاستخبارات الأمريكية وقوى العدوان وفي مقدمتهم مملكة الشر والمنشار.
في اليمن كانت أمريكا حاضرة وبقوة في المشهد اليمني، وكان القرار اليمني مرتهنا للبيت الأبيض، وللسفير الأمريكي بصنعاء، وظل السفير الأمريكي هو الحاكم بأمره في اليمن، إلى أن نجحت ثورة 21 سبتمبر من إسقاط نظام الوصاية، وقطعت الأيادي الخارجية التي كانت اللاعب الرئيسي على الساحة اليمنية، ومعها تحرر القرار اليمني والإرادة اليمنية، ولم يعد للخارج أي أذرع أو أدوات يستخدمها لخدمة مصالحه وتنفيذ مشاريعه في الداخل اليمني، وصار القرار اليمني بيد اليمنيين أنفسهم، وهذه ثمرة من ثمار ثورة الـ21من سبتمبر المباركة.
المشاركة الأمريكية في العدوان على بلادنا وحصار أبناء شعبنا لم تشبع النزعة العدائية التسلطية الإجرامية للبيت الأبيض، حيث وجدت أمريكا نفسها مضطرة لفضح دورها الخفي في اليمن من خلال تحركاتها العسكرية ومواقفها السياسية الداعمة للعدوان والحصار، فبعد أن ذهبت الخارجية الأمريكية الترامبية إلى تصنيف أنصار الله جماعة إرهابية حسب مفهومها المتصهين للإرهاب والذي قوبل بموجة استياء عارمة محليا وعربيا ودوليا، ها هي الإدارة الجديدة تدشن مشوارها ومواقفها تجاه بلادنا بتنفيذ القوات البحرية الأمريكية الأربعاء الماضي عملية عسكرية واسعة في السواحل الشرقية لبلادنا بمشاركة فرقاطة الصواريخ الموجهة يو إس إس والتي تتمركز في بحر العرب، قالت هذه المرة بأنها جاءت في سياق ما أسمته مكافحتها للمخدرات، بعد أن قامت بتسريب أخبار تحدثت عن ضبط زورق يحمل على متنه قرابة 600 رطل من المخدرات أثناء مروره بالبحر العربي على مقربة من السواحل اليمنية، وهي أسطوانة جديدة يبدو أن إدارة بايدن ستعلب عليها خلال الفترة المقبلة لتبرير تواجد قواتها في المنطقة واستنزاف ما تبقى من حليب لدى البقرة الحلوب، بعد أن صارت أسطوانة منع تهريب الأسلحة الإيرانية مستهلكة وغير مقنعة لهم قبل غيرهم، وباتت أسطوانة مشروخة، وبات الحديث عنها مدعاة للسخرية والاستهزاء.
بالمختصر المفيد، العملية العسكرية الأمريكية التي شهدتها السواحل الشرقية اليمنية تعد بمثابة إسناد للكيان السعودي الذي وجد صعوبة في التمدد وتوسيع نفوذه فيها، بسبب عدم وجود حاضنة شعبية له، وحالة الغليان الشعبي الرافض لأي تواجد أجنبي على الأراضي اليمنية، فجاءت أمريكا بنفسها لاستعراض عضلاتها بهدف ترويض الشارع اليمني في تلك المناطق المستهدفة وإقناعهم بالقبول بالوصاية السعودية التي تمهد للهيمنة الأمريكية مستقبلا، وهو ما لا يمكن القبول أو التسليم به، فاليمن كانت وما تزال وستظل مقبرة للغزاة ولا يمكن العودة إلى ماضي الوصاية والتبعية السعودية والأمريكية، مهما بلغ حجم المؤامرات والمخططات التي تحاك ضده.
قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ووالدينا ووالديكم، وجمعتكم مباركة وعاشق النبي يصلي عليه وآله.