التغريب المجتمعي واغتيال الهوية الإسلامية

علي المؤمن
العصر- الغزو الفكري، الغزو الثقافي، الغزو الإعلامي، الاغتیال الثقافي، القهر الثقافي، اختطاف الهویة، اغتيال الهوية، استلاب الهوية، استلاب الشخصية، القهر السلوكي، التغريب الفكري، التغريب الثقافي، التغريب السلوكي؛ كلها مصطلحات ومفاهيم تدخل في إطار مشروع واحد، هو المشروع الاستكباري الغربي الهادف الى تغريب مجتمعات المسلمين، لغايات استعمارية وسلطوية.
▪️والحديث عن التغريب لايمثل حديثاً نظرياً وبحثاً ترفياً، بل هو لصيق بواقع المجتمعات المسلمة كافة، ودون استثناء، لأن هذه المجتمعات تعيش مظاهر كبيرة للتغريب الفكري والسلوكي والمؤسسي، على مستويات الفرد والمجتمع والدولة.
▪️ نقصد بالتغريب: اتخاذ الغرب مرجعية، على مستوى مناهج التفكير، والنتاجات الفكرية والمفاهيم والمصطلحات، والثقافة العامة والخاصة، والسلوك الفردي والمجتمعي، وهو ما يتعارض مع الهوية الإسلامية الفردية والمجتمعية التي تستند الى المرجعية الإسلامية في التفكير والسلوك، وهي مرجعية القرآن والسنة، ثم مرجعية الاجتهاد المتفرعة عنها، إضافة الى العادات والتقاليد المحلية التي لاتتعارض مع المرجعية الإسلامية، وهي غالباً عادات وتقاليد محافظة ومتوازنة.
▪️وإذا كان الله (تعالى) قد نهى عن اتخاذ المسيحيين واليهود مرجعية، وهم مؤمنين وأهل كتاب ((يا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضُهم أولياءُ بعض، ومن يتولّهم منكم فإِنّه منهم، إِنّ اللّه لا يهدي القوم الظالمِين))، ((يا أيها الذين آمنوا لَا تتّخذوا الذين اتّخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أُوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء، ۚواتّقوا اللّه إِن كنتم مُؤمنين)) ؛ فكيف بالمسلم وهو يتخذ النصارى واليهود الذين تحولوا الى ملحدين وعلمانيين مرجعية وأولياء سياسيين وفكريين وثقافيين؟!.
▪️وتعد فئات المراهقين والشباب والنساء الأكثر استهدافاً في عملية التغريب، وتحديداً المرحلة العمرية 14 ــ 35 سنة، وهي ـــ عادة ــ مرحلة تلقي واستقبال وانجذاب وانفعال، ويكون فيها الإنسان أكثر قابلية ذاتية على التماهي والحفظ والتقليد، شعوراً ولا شعوراً، أكثر منها مرحلة عطاء وفعل واستقطاب وجذب. وإذا تشكلت شخصية الإنسان وفق قواعد أو قوالب فكرية وثقافية وسلوكية معينة في هذه المرحلة العمرية؛ فسيكون من الصعب إحداث تغيير واختراق فيها عندما يتقدم في العمر.
▪️ إن التغريب المجتمعي هو أهم مخرجات الغزو الشامل الذي تقوم به المدنية الغربية للشعوب الأخرى منذ أكثر من قرنين، وهي المدنية التي أفرزها ما يسمى بعصر الأوروبية، وما رافقه من احتلال عسكري مباشر لأراضي بلدان الجنوب، أي البلدان الإسلامية والأفريقية والآسيوية واللاتينية، وهيمنة اقتصادية، ونهب للثروات، وتصدير للأفكار والثقافات والمنهجيات، والنظم الالحادية والعلمانية والليبرالية والكنسية، وتشكيل جماعات من العملاء السياسيين والعسكريين والفكريين والثقافيين والمخابراتيين.
▪️هذا الغزو الشامل هو مظهر للصراع الجدلي بين الأمم والحضارات والمدنيات والشعوب، والذي تتمكن من خلاله الحضارة أو المدنية المتفوقة والأمة المتفوقة مادياً أو معنوياً من فرض وجودها وسياساتها وأدبياتها وثقافتها ومفاهيمها وتقاليدها السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والمجتمعية على الأمة المنهزمة المقهورة. وهذه هي سنة الله في خلقه ((فلولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع ومساحد يذكر اسم الله فيها كثيرا)). وبالتالي؛ لايمكن في إطار نظرية التدافع الطبيعي، أن نلوم الأمة المتفوقة على فرض شروطها على الأمة المنهزمة المتخلفة، إلّا بمقدار ما نلوم الأمة المنهزمة نفسها، والتي سمحت لعوامل الهزيمة بالتسلل اليها.
▪️ وظل الغازي الغربي يستهدف في عملية تغريب المجتمعات المسلمة الرخوة، ثلاثة مستويات: الفرد المسلم، والمجتمع المسلم، ودولة المسلمين، سواء في المرحلة التي كانت فيها الدولتان التركية والإيرانية تهيمنان على أغلب البلدان الإسلامية، أو مرحلة تأسيس الدول القومية والوطنية. وكانت المرحلة الأخيرة التي بدأت بعد سقوط الدول القاجارية في ايران والعثمانية في تركيا والمغولية في الهند، هي الأكثر ضغطاً وشراسة وتركيزاً، وهي المرحلة التي لاتزال مستمرة حتى اليوم؛ إذ تتوجت عملية الاستهداف الغربي للواقع الإسلامي بتأسيس أنظمة سياسية مرتبطة بالدول الغربية المحتلة ارتباطاً عضوياً ووظيفياً، وقد عملت هذه الأنظمة على توفير كامل الظروف للنفوذ الثقافي والفكري الغربي، من أجل تحقيق أهدافه في ضرب قواعد الثقافة الإسلامية وعناصرها النظرية والبشرية، واستلاب الهوية الإسلامية أو تشويهها وحرفها حداً أدنى، وصولاً الى الأعراف والتقاليد الاجتماعية، وذلك بذريعة التحرر والتطور والتقدم والعلم والنماء الفردي والاجتماعي، والقضاء على التخلف والرجعية والفقر، وهي شعارات أثبت تقادم الزمن أنها كانت لمجرد الاستهلاك الدعائي وحرف الأنظار عن حقيقة ما يضمره الغرب من أهداف استكبارية، تضمن له هيمنته السياسية والاقتصادية والثقافية الأبدية على بلدان المسلمين، بمساعدة الأنظمة المحلية المرتبطة به وعملائه الثقافيين.