أحدث الأخبارشؤون آسيوية

الحرب الاوكرانية وأستراتيجية الهيمنة الامريكية (أن السياسة الدولية ماهي الا صراع من أجل القوة)

مورجنثاو
العصر-هناك أعتقاد واقعي يقول لاوجود للصدفة في عالم السياسة ، وأن ما نراه ونسمع به من أحداث سياسية في الواقع أنما هي أحداث مدروسة ومخطط لها ومتحكم بأبعادها ونتائجها وأن بدت للمتابع كأنها فوضى غير مسيطر عليها ، ولكن الحقيقة أنها أحداث لها صناعها وانها تستند على نظريات وسياسات أعدت من قبل فلاسفة ومفكرين وتطبق بدقة من السياسيين والحكام لتحقيق أهداف هذه الاستراتيجيات والسياسات.
وأن أفضل من يبتكر هذه الاستراتيجيات ويطبقها هي الدول العظمى التي تمتلك موارد القوة بأشكالها المتنوعة التي تمكنها من أنتاج هذه النظريات وتنفيذها على أرض الواقع ،لذا نجد أن الولايات المتحدة من أكثرا الدول غزارة في طرح نظريات السياسة الدولية ومن ثم تنفيذها منذ مغادرتها لأنعزالية (مونرو) بعد الحرب العالمية الثانية لتهيمن فكرة الهيمنة على عقول صناع السياسة وأجندات منفذي السياسة الدولية لتترجم الى أستراتيجية – أولوية الهيمنة – التي تؤمن بأن نظام توازن القوى لايحقق الامن والسلام العالمي بل منتجا لعدم الاستقرار والحروب والصراعات الدولية ولتفادي ذلك لابد من إحداث أختلال في هذا التوازن سياسيا وعسكريا وأقتصاديا لصالح قوة عظمى وحيدة مهيمنة وهي الولايات المتحدة الامريكية والتي بما تملكه من مقومات القوة قادرة على تحقيق الاستقرار الدولي المرتبط بأستمرار الهيمنة الامريكية ، وهنا يرى – روبرت ويرلي- (أن الولايات المتحدة تعمل وفق هذه الاستراتيجية على الاحتفاظ بهيمنة عالمية حميدة وأن تمنع صعود القوى المنافسة في النظام الدولي) ، لذا فأن هدف أستراتيجية أولوية الهيمنة أشعار الوحدات الدولية بأن مفتاح السلام العالمي لا يتحقق الا بالحفاظ عَلى هذه الهيمنة وسيطرة أمريكا عَلى النظام العالمي وأن الغرض من الاستراتيجية هي منع ظهور أي قوى عالمية منافسة لأمريكا كونه يمثل تهديد للنظام والاستقرار العالمي ولتحقيق هذا الغرض ومنع بروز قوى عالمية تزاحم الولايات المتحدة على زعامتها العالمية أنتج الفكر السياسي الامريكي عدد من السياسات التي تقف بوجه أي قوة عالمية تسعى لاعادة التوازن الى النظام العالمي ومنها سياسة – مفاتيح التدخل – التي تقوم على تدعيم الوجود الامريكي في مناطق النفوذ في العالم لأضعاف أي نفوذ آخر منافس ومزاحم للهيمنة الامريكية وأحيانًا تذهب هذه السياسة بعيدا عندما تقوم الى أذكاء الصراعات الاقليمية في مناطق النفوذ والتحكم في مسارات هذه الصراعات وديمومتها لأضعاف القوى المنافسة وتتخذ منها ذريعة للتدخل وتواجد القوة الامريكية في هذه المناطق كما حصل في حرب البلقان بعد أنهيار الاتحاد السوفياتي السابق.
كما يمكن أعتبار الحرب الروسية على أوكرانيا تجسيد حي لاستراتيجية أولوية الهيمنة وسياسة مفاتيح التدخل .



فقد أشارات اغلب الدراسات والقراءات السياسية على أن النظام العالمي على أبواب تغيير وأنتقال من نظام القطب الواحد الى نظام متعدد الاقطاب وهناك بروز قوى عالمية منافسة للهيمنة الامريكية منها روسيا وأوربا الموحدة وكذلك الصين واليابان لذلك عمدت الولايات المتحدة دعم رغبة أوكرانيا بالانضمام الى حلف الناتو ونشر أسلحة الحلف على أراضيها الذي أعتبرته روسيا خرقا لامنها الحيوي وتهديدا قريبا لامنها القومي وبين أصرار اوكرانيا المدعوم من الغرب ورفض روسي مدعوم بشعور الامن والقوة نشب الصراع العسكري ودخلت القوات الروسية الاراضي الاوكرانية وهذا هو التطبيق المباشر لسياسة مفاتيح التدخل اذ تعمد الولايات الى ديمومة هذا الصراع أطول فترة ممكنة من خلال فرض الدعم العسكري من دول حلف الناتو الى أستمرار الصمود الامريكي وهنا يتحقق الغرض من هذه السياسة وهو أنهاك قوتين منافستين في صراع عسكري وأقتصادي وسياسي مما يضعفها ويفقدهما قدرتهما على الحد من الهيمنة الامريكية أو بروزهما كقوى منافسة وفي مرحلة معينة من الصراع تفقد فيه الاطراف المتصارعة معالم قوتها ،وبذريعة أيقاف الصراع يتم نشر قوات دولية بين الطرفين تكون وسيلة للوجود الامريكي بعنوان دولي
وقد أشارت دراسة لمؤسسة -راند -عام 2019الى ذلك (يجب دفع روسيا الى أرتكاب مخالفة تبرر فرض عقوبات دولية على أقتصادها لتقليص أمكانياتها الاقتصادية)بأعتبار أن مصادر قوة روسيا هي نفسها نقاط ضعفها وهو أقتصادها القائم على تصدير الغاز والنفط.
وبسياسة مفاتيح التدخل أستطاعت الولايات المتحدة ان تزيل أثنين من القوى المنافسة لها وهي أوربا وروسيا معا من طريق أستراتيجية هيمنتها العالمية ، وكذلك يمكن التوقع أن تكون تايوان هو الطعم الذي تستخدمه أمريكا لتوريط الصين في صراع عسكري وعقوبات أقتصادية لأنهاكها اولا ومن ثم أزاحتها من ميدان التنافس العالمي وأنفراد الولايات المتحدة بالهيمنة العالمية.
ومن ذلك كله نستطيع التأكيد على أن الاحداث العالمية لا تخضع لمبدأ الصدفة أو الفوضى با أنها نتيجة من أستراتيجيات وسياسات معدة من قبل المفكرين وتطبق بدقة من قبل السياسيين لتحقيق أهداف الدول في الميدان الدولي والعالمي

الباحث
زهير حمودي الجبوري
قسم الدراسات السياسية
مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى