الحصار الأمريكي …لإيران في ضوء القانون الدولي المعاصر
مجلة تحليلات العصر - د . نور الموسوي
المقدمة :
مفهوم الحصار الأقتصادي للدول ، يتخذ أبعاد عديدة ، فيما يتعلق بممارسة أدوات الضغط من قبل الدول والكيانات ذات السلطة المتجبرة ، قبال أطراف لا تكن الولاء والخضوع ، لتلك القوى ذات السلطان والسطوة !!!
أن القانون الدولي لم يقتصر في قواعده التنظيمية على تنظيم العلاقات بين الدول ذات السيادة المطلقة بل لعب دوراً مهماً في تنظيم العلاقة بين مختلف أشخاص القانون الدولي ، اليوم تجتاح النظام الدولي حالة فوضى . فيما يتعلق بالقرارات الشرعية والسياقات القانونية للشرعية الدولية ، المتمثلة بالأمم المتحدة …. ومن ضمنها المعاهدات والأتفاقات الدولية ذات الطابع الأنساني ، والتي تعد مصدر رئيسي من مصادر القانون الدولي المعاصر .
المشهد المرتبك الذي يغطي مساحة واسعة من بؤر التوتر والأزمات ، وبالأخص منطقة الشرق الأوسط ( مصدر الطاقة ) التي تعيش على صفيح ساخن ! الصورة التي نعيش حيثيات تفاصيلها ، والتي أعدت إعداداً ذكياً في مطبخ الدراسات الأستراتيجية والأستشرافية ، ذات النوايا الأمبريالية الرأسمالية ، والتي تنسجم الى حد ما على الآلة التي عزف عليها { توماس فيردمان } بنظريته الأقتصادية وأنشاء شركات عابرة للقارات وتوحيد الثقافات وصهرها في بوتقة الغرب وأمريكا .
وتجسداً لذلك المشروع التي بشرت به ! كونداليزا رايس وزيرة الخارجية ومستشارة الأمن القومي الأمريكي السابقة … بمشروع ( الفوضى الخلاقة ) وما تمخض عنه حروباً ، أشاعة الطائفية والعنصرية … تهجير ، ودول فاشلة ! لا تقوى على توفير الحد الأدنى من العيش الكريم للمواطن . ومصداق ذلك يتجلى بشكل واقعي في سوريا ، العراق، ليبيا ، اليمن .
كل ذلك مستوحى من أطروحة المنظِّر الأمبريالي الصهيوني ( برنارد لويس ) والذي أقره الكونكرس الأمريكي سنة 1983 والذي يطلق عبارته المشهور ( ضرب العرب بين أعينهم بعصى غليظة ) وتحطيم مجتمعاتهم بمطارق تفتيت كيان الأسرة والروابط العائلية ، وبلقَنة بلدانهم ! ، وأبعادهم من التكنولوجيا والتقدم العلمي ؛ لأنهم يشكلون خطر على الحضارة الغربية !
وتحويل أسرائيل الى دولة أمبريالية كبرى ، وجعل الدول التي حولها خاضعة خانعة فاقدة السيادة والقرار المستقل ! ، وهذا ما أكده الكولونيل الأمريكي المتقاعد « رالف بيترز » في مجلة القواعد المسلحة الأمريكية ، خطة جديدة بعنوان حدود الدم !! والتي تنص على تقسيم الدول المحيطة بالكيان الصهيوني ، الى دويلات متناحرة ، على أسس طائفية وعرقية ، لكل من سوريا ، العراق ، اليمن ، تركيا ، وأيران ….
من نافلة القول تعود بنا الذاكرة الى نزيف الدم العراقي والأبادة الجماعية التي تعرض لها العراق ، من خلال القرارات الدولية المجحفة التي صِيغت بتأثير صهيوأمريكي ، وبأسم الشرعية الدولية ، المتعلق بالقرار 661 في 6 آب 1990 الذي يتعلق بالعقوبات الدولية والجزاءات الأقتصادية الألزامية ، وأنتهاء بالقرار 678 الذي يسمح لأستخدام جميع « جميع الوسائل اللازمة » لأعادة الأمن والسلم الدوليين . هذا المفهوم الى اليوم ، مورد نقاش قانوني في أوساط فقهاء القانون الدولي ، المتعلق بالوسائل اللازمة ، أذ فُسرت حسب المزاج الأمريكي ! بالقوة… وفعلاً لم يمنح مجلس الأمن الأذن لترجمة مصطلح « الوسائل اللازمة » الى الخيار العسكري .
كما أشار المدعي العام الأمريكي سابقاً« رامسي كلارك » إن الحصار الأقتصادي هو سلاح شامل وجريمة ضد البشرية ، في روح محاكمات نورمبرغ « د .فيوليت واغر ، الأمينة العامة للجنة العربية لحقوق الأنسان »
ترامب والشرعية الدولية :
أستهل ترامب بداية تسنمه الحكم ، بالأنسحاب ، من حزمة من المعاهدات والأتفاقات الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة ومؤسساتهاالشرعية ، وهذا التعارض الصارخ للقرارات والأجراءات الشرعية ، بعث حالة القلق والحيرة في ألاوساط الدولية والمؤسسات الشرعية من أتخاذ تلك الممارسات التي لا تنسجم مع القانون الدولي المعاصر ، والتي لا تصب في صالح الأسرة الدولية لتحقيق الأمن والسلم الدوليين، ويتمثل ذلك بالنقاط التالية :
* الانسحاب من الأتفاق الدولي ، الذي وقعته الدول الكبرى مع أيران وبتصديق الأمم المتحدة ، في 14 تموز لعام 2015 حول البرنامج النووي الأيراني ، معتذراً بمبررات واهية ليس لها رصيد قانون مقنع .
* الأنسحاب من أتفاقية باريس الخاصة بمكافحة « تغير المناخ » التي وقعها سلفه ، باراك أوباما عام 2015 .
* أنسحبت أمريكا من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم الثقافية « اليونسكو » بتاريخ 2017 أكتوبر .
* كما أعلن ترامب أنسحابه ، من مجلس حقوق الأنسان ، التابع للأمم المتحدة .
* كما أعلنت أمريكا أنسحابها من معاهدة الصداقة المبرمة في عهد حكم الشاه الأيراني ، محمد رضا بهلوي .
* وفي يناير عام 2017 أنسحب ترامب ، من أتفاقية الشراكة التجارية التي تضم أستراليا ، بروناي ، كندا ، شيلي ، اليابان ، المكسيك ، سنغافورة ، وهذه الأتفاقية تمثل حوالي 40 % من إجمالي الأقتصاد العالمي .
* قرار ترامب بأتخاذ القدس عاصمة للكيان الصهيوني ، ونقل السفارة الأمريكية الى القدس المحتلة ، يعد ذلك تجاوز للشرعية الدولية ، وعلى ضوء ذلك ، عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ، أجتماعاً طارئاً بتاريخ 7 ديسمبر 2017 ، نص القرار « إن قرارالأعتراف بالقدس كان أنتهاكاً لقرارات الامم المتحدة والقانون الدولي » .
* أتخذ ترامب قراراً في 25 أذار 2019 يعترف بسيادة أسرائيل على هضبة الجولان السورية التي أحتلتها 1976 أذ يعتبر قراراً مخالفاً للشرعية الدولية ، وهذا الأجراء يخالف قرار مجلس الأمن 497 لعام 1981 الذي صدر بالأجماع ، والذي أكد على عدم الأعتراف بضم أسرائيل للجولان السوري .
مواثيق الشرعية الدولية :
أما فيما يتعلق بالقرارات والمواثيق الدولية ، التي تحث على أستخدام الوسائل السلمية ، لحل المنازعات الدولية، وتعرف المنازعات الدولية ؛ « الأدعاءات المتناقضة بين شخصين دوليين ، أو أكثر ويتطلب حلها طبقاً لقواعد تسوية المنازعات الدولية الواردة في القانون الدولي » ( د. سهيل حسين الفتلاوي، القانون الدولي العام في السلم ، ص 641 ) ، والتي ندرجها تباعاً ، والتي تعتبر من المباديء المستقرة في القانون الدولي المعاصر ، وهو مبدأ متفرع عَن مبدأ التراضي المرتبط أرتباطاً وثيقاً بمبدأ« تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية » .
ترامب يرفض الأصغاء ، ويتنكر الى ميثاق الأمم المتحدة والقرارات الدولية ، التي تحث على أتباع الوسائل المشروعة ، ومن ضمنها الأتفاقات الدولية والتي تم التوقيع عليها من قبل أمريكا والمشار الى بعضها سلفاً . وندرج المعطيات التي تقرها الشرعية الدولية المتعلقة بالحصار الأقتصادي ضد ايران .
أولا : ميثاق الأمم المتحدة ينص في المادة الأولى / 1 « حفظ السلم والأمن الدولي ، وفقاً لمباديء العدل والقانون الدولي ، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الأخلال بالسلم » ترامب يرتكب مخالفة شرعية بحق الشعوب والدول من خلال التدخل السافر في الشؤون الداخلية ، ويزرع الحروب والنزاعات في مساحات واسعة من الكرة الأرضية ، وبالأخص أقليم الشرق الأوسط ، وأيران تحتل الصدارة.
ثانياً : أمريكا خالفت مبدأ فض المنزاعات بالطرق السلمية ، التي تحث عليه ، المادة 33 من القانون الدولي وبدورها تؤكد « لا يحق لأية دولة أن تتحلل من إِلتزاماتها بالطرق الملتوية ، ولا بالقوة بل عبر الوسائل الحضارية » . ترامب يمارس وسيلة الحصار الأقتصادي ضد الشعب الأيراني ، بأستخدام الطرق الملتوية وهذا الأجراء المخالف للقانون الدولي ، كما أن هنالك وسائل أخرى لفض النزاعات ، هو مبدأ التشاور ، عقد المؤتمرات الدولية ، أو عرض النزاع على أحد الأجهزة المختصة في منظمة الأمم المتحدة . ( د. عبد الكريم عِوَض خليفة ، القانون الدولي العام ، ص 335 ).
ثالثاً : إِرتكبت أمريكا مخالفة مواثيق حقوق الإنسان ، التي وردت في الميثاق الدولي لحقوق الانسان « المادة 62 / 2 » أنعكس الحصار الأقتصادي للشعب الأيراني على حقوقه الإنسانية ، التي ضمنتها اللوائح الشرعية وبشكلٍ خانق .
رابعاً : إجراء ترامب تعسفي ، يخالف النص الوارد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة ( الديباجة تعتبر أحد مواد الميثاق ) . « ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب » ما يتعرض له الشعب الأيراني ، هو خنق ومحاصرة الحالة الأقتصادية والإجتماعية . كما تنص الديباجة على أحترام الألتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي ، الأنسحاب من الأتفاق النووي الأيراني ، يعد مخالفة واضحة للقانون الدولي .
خامساً : يمتلك الشعب الأيراني وحكومته ، الحق الشرعي في الدفاع عن حقه السيادي السياسي وأنمائه الأقتصادي ، وفقاً للوائح القانون الدولي ، إنسجاماً مع ما جاء في العهدين الدوليين ، الخاصة للحقوق الأقتصادية والأجتماعية والثقافية والخاصة بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 والنافذة لعام 1976 في المادة الاولى ، وكذلك في إطار إحترام حقوق الإنسان والشرعية الدولية ، تلك التي تم تأكيدها في الأعلان العالمي لحقوق الأنسان الصادر في العام 1948 .
التعويضات القانونية :
الحصار المفروض على ايران منذ نجاح الثورة ! حصار ظالم ، وايران تتمتع بتمثيل شرعي في الأسرة الدولية ، تُمارس ضدها اليوم حصار أقتصادي ، ومن قبل دولة واحدة ، تمتلك وسائل البطش ، ولها تأثير على القرارات الدولية من خلال اللوبيات الصهيونية ، الأضرار التي لحقت بها جسيمة ومن حقها المطالبة بالتعويضات طبقاً لقرارات ولوائح القانون الدولي .
• يستندون فقهاء القانون الدولي الى معاهدة السلام التي أبرمت نهاية الحرب العالمية الأولى ، والتي أشارت الى التعويضات ، والتي بدورها شكلت أساساً ومرجعاً قانونياً لتعويض الأضرار « الجزء الثامن من أتفاقية فرساي لعام 1919 » .
* كما أن هنالك حكم أممي أصدره مجلس الأمن بشأن تدمير أسرائيل لمفاعل تموز النووي العراقي السلمي عام 1981 أذ أقر مجلس الأمن قراراً برقم 487 لسنة 1981 « حق تعويض العراق ، تدفعه أسرائيل ، التي أعلنت مسؤوليتها عن تدمير المفاعل النووي العراقي » .
* استوفت الأمم المتحدة تعويضات من العراق قيمتها 350 مليار دولار ، بسبب أجتياح العراق للكويت .
ايران أمتلكت تراكم كيفي ونوعي ، في مجالات شتى ، البعض يتعلق بالجانب الأمني والأقتصادي ولعبت دوراً مميزاً في مجال الدبلوماسي والعلاقات الدولية ، وبالأخص في مجال أدارة فن التفاوض ، وتشهد بذلك مؤسسات الدراسات والبحوث العالمية . ايران تدير الأزمة اليوم بكل أحترافية ، وستخرج منتصرة بكل الحسابات ، والايام القادمة تحمل بشائر الخير للأقليم والمنطقة .
«ويمكرونَ ويمكر ُالله ُواللهٰ ُ خيرُ الماكرينَ »