الديموقراطية بين أميركا والعراق (المالكي والمقاومة)
مجلة تحليلات العصر الدولية - حازم أحمد فضالة
أميركا مُذ أُسِّسَت عام (1776) وهي تصدع رأس العالم بمفهومات عن الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان… وصولًا إلى أمن الكوكب!.
مِنْ تمثال الحرية إلى إبراهام لينكولن مرورًا بحروبها العالمية لدمار العالم وهي تدَّعي (ما لَمْ تَحُزْ مريمُ)!
حتى مجيء الرئيس التاجر من دهاليز المواخير الغربية يتدحرج من أصوله الألمانية إلى أميركا كاشفًا عنها الغطاء؛ فهو (ترمب) الذي لا يستحي، ولا ينافق، ولا يلبس الأقنعة، إذ يمثل الوجه الصريح لأميركا.
تندلع الانتخابات ويخسر ترمب، لكنه يرفض التسليم بالنتائج ويُعلِن بأنها مزورة!، ولم تكن خسارته سهلة؛ فقد انتخبه (نصفُ الشعب الأميركي) لو نظرنا إلى العدد من زاوية النسبة.
ترمب الذي فشل إداريًا وسياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا… لماذا يتخبه نصفُ الشعب الأميركي؟ إنهم انتخبوه لأنه عنصريّ وساديّ، وهو مُفرَغٌ من القيم والأخلاق والعواطف، ومِنْ ثَمَّ هو (الأميركي) نعم، هو الأميركي الحقيقي الذي وجدوا أنفسهم به، هو المرآة للتربية الأميركية والمؤسسة الأميركية دون أقنعة.
الذي حدث في أميركا بالأمس، بتاريخ: 6-كانون الثاني-2021 لم يكن مسبوقًا، فهو التعبير الحقيقي عن الرغبة الأميركية بالانقسام والتشظي، والأيام حُبلى بهذه الرغبات!.
الانتخابات العراقية
في انتخابات العراق -الجديد على الديموقراطية أكثر من جدًا- عام (2014) كان السيد نوري المالكي (رئيس الوزراء السابق) حقق فوزًا كبيرًا في الانتخابات، لكنه واجه معارضةً داخليةً بدفع أميركي، باختصار، السيد المالكي قرر التنازل عن (حقه الدستوري) وعن أصوات مئات الآلاف من العراقيين الذين انتخبوه.
كانت وكالة (BBC) نقلت في حينها بأنَّ المالكي حصل في الانتخابات على (95) مقعدًا نيابيًا، وفي بغداد العاصمة لوحدها حصل على (32) مقعدًا نيابيًا، وكان المجلس الأعلى والتيار الصدري كلاهما حصلا معًا على (57) مقعدًا، يعني السيد المالكي كان لوحده حصد مقتربًا من (ثلث) مقاعد مجلس النواب التي عددها (328) مقعدًا.
الذي فعله السيد المالكي بعد تقويمه للمرحلة ومخاطرها على العملية السياسية، ولإبعاد الدولة عن خطر الفراغ الدستوري؛ تنازل عن حقه دون أنْ يفتعل أي مشكلة، دون أنْ يُحرِّك أي فريق أو فردٍ من أنصاره الذين انتخبوه، دون أنْ يحاول إسقاط خصومه في البيانات أو المؤتمرات الصِّحفية.
السيد نوري المالكي (الفائز بأعلى من ضعفين على أقرب منافسيه) تنازلَ بسلام، تاليًا بيانًا محترمًا ومتزنًا حفاظًا على أمن العراق، واحترامًا للعملية السياسية والديموقراطية.
المقاومة (الحشد الشعبي والفصائل)
انتصر العراق على (الإرهاب الأميركي ورُعاته) بفضل الحشد الشعبي وفصائل المقاومة والقوات الأمنية، بفضل القيادة العظيمة لقادة النصر (اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس) عام (2017)، ودخلت كتلة الفتح في الانتخابات وهي تضم بعض ألوية وفصائل الحشد مثل عصائب أهل الحق ومنظمة بدر وغيرها، فازت كتلة الفتح حاصلةً على (47) مقعدًا نيابيًا أحرزتْ بذلك المركز الثاني على العراق بعد (سائرون).
لم تتمسك قائمة الفتح برئاسة الوزراء، علمًا أنَّ لديها ما يؤهلها لذلك بما تضمّه من شخصيات، وبما تتمتع به من مقبولية جماهيرية كبرى؛ فهي قائدة النصر، والمُلبّية لفتوى المرجعية الدينية… وانطوت الأيام، وبدأت التظاهرات بتاريخ: 1-تشرين الأول-2019، وكانت قائمة الفتح المستهدف الأول بها، ووُجِّهَت ضد الفتح فُوَّهات كثيرة مملوءة بالخطر، سقَّطوها، شتموا الحشد الشعبي، قللوا من شأن الانتصارات، قتلوا أبطالًا من الحشد لا يُعوَّضون مثل الشهيد (وسام العلياوي وأخيه)، انتهاءً باغتيال قادة النصر ورفاقهم -رضوان الله عليهم أجمعين-.
قائمة الفتح والحشد الشعبي لم تنصب الخيم في بوابات الخضراء دفاعًا عن السيد عادل عبد المهدي، ولم تقمع متظاهرًا واحدًا، ولم تنطلق ضد قتلة الشهيد العلياوي وأخيه بمنطق العصابات، بل اختارت القانون أنْ يكون حاكمًا.
إنَّ درجات الانضباط التي أظهرها السيد المالكي، والحشد الشعبي والفصائل لَهِيَ درجات نظيرها قليل جدًا، أمّا درجات الشغب وعدم الانضباط والتهور والتدهور التي أظهرتها المؤسسة الأميركية فهي الأقبح والأفظع في العالم؛ ومِنْ هنا نقول للسيد بايدن (الرئيس الأميركي المنتخب) إنّ خطابك الذي كتبته في آذار 2020 أكثر كلمة كُرِّرَت به هي (الديموقراطية!) التي تريد تصديرها للعالم، فنحن نطلب منك أنْ تصحو من خمرتكَ هذه، وتنشغل بتأسيس حقيقي للديموقراطية والاحترام والقيم والأخلاق في داخل أميركا؛ لأنكم تفتقرون إلى ذلك كله، ولستم بالمستوى والمكانة التي تسمح لكم الحديث بهذا المستوى (وحسبُكُمُ هذا التفاوت بيننا).
والحمد لله ربِّ العالمين