بقلم: محمد وناس
الذاكرة المثقوبة .!! . مصطلح تداوله بعض الكتاب في الفترة الاخيرة , او سمة حاول البعض لصقها بالمجتمع العراقي واظهاره كمجتمع يتجاهل ما مر به من احداث ولا يتعظ بها . او انه ينسى من اساء اليه ووجهه سهامه بالاتجاه الخاطئ نحو من قدم له الخدمات , والحقيقة ان في هذه التهمه الموجهة للشعب العراقي تجني كبير وظلم لشعب يحمل ارثه الفكري بين جوانحه منذ الازل ويحمل همومه وجراحاته منذ ان حل الحسين في واديه لم يتنازل عن قيمه ولا عن مبادئه مع كل ما واجهه من حملات وهجمات فكرية حاولت تغير طبيعة تفكيره واجباره عن التخلي عن ارثه الفكري والعقائدي .
لا يمكن ابدا صنع مقارنه بين المجتمع العراقي واي مجتمع اخر . بحكم الاختلاف التكويني الذي بنيت عليه المجتمعات اصلا فكل مجتمع له خصوصيته وتأثير المحيط الذي يعيش فيه مضاف له الاحداث التي رافقت نمو وبناء هذا المجتمع او ذاك ( اولا ) ,
ولخصوصية المجتمع العراقي المتفرد باختلافه العرقي والاثني والعقائدي, مضاف له كم هائل من التاريخ الفكري المتعاقب لشعوب وامم كبيرة مرت على ارضه وتركت اثرها فيه ( ثانيا ) . فلا يمكن وصف المجتمع العراقي على انه مجتمع عربي ( من الناحية القومية ) بسبب اختلاف الاعراق فيه . ولا يمكن اخراجه من الطبيعة العربية ايضا ( من الناحية الاجتماعية ) ,مع اختلاف المكونات فيه .
ولا يمكن وصف المجتمع العراقي بانه مجتمع منغلق على نفسه يعيش داخل دوامته الخاصة , فهو مجتمع متفاعل مع الحدث العالمي ومتأثر فيه ومؤثر ايضا فيه كما كان على طول تاريخه .
كل المجتمعات تمر بمراحل تقويض وتعيش حالة قريبه من الضياع عندما يشح العطاء الانساني لهذا المجتمع وتبدا مكوناته بالبحث عن نفسها او البحث عن بديل يعطيها جرعة لتستمر . ومع تأخر العودة يزداد تشتت وتفرق ابناء المجتمع .
مر المجتمع العراقي بمرحلة دموية ابان حكم البعث الصدامي حاول فيها النظام المقبور نزع هذا المجتمع من تركيبته وتكوينه الطبيعي وتشكيلة بصيغه تتناسب مع توجهات البعث فبث الفرقة بين ابناءه اولا وحاول تغذية الاجيال الجديدة بفكر متطرف لا ينتمي لهذا الشعب ,
تركت هذه الفترة ظلالها عليه وعلى طبيعته . ومع كل القسوة التي عاشها العراقي لم يستطع احد نزعه من اصوله وحرفه عن عراقيته الاصيلة .
موقف العراقيين في وجه داعش الظلامي . واجتماع مكوناته كأصابع اليد الواحدة عقب الفتوى الشهيرة اوضح دليل على اصالة هذا الشعب وعلى عمق ذاكرته الوطنية في الوقوف ضد المخاطر .
ولا يمكن تناسي او تجاهل محاولات القوى الدولية والاقليمية التأثير على طبيعة تفكير هذا المجتمع وما يقوم به اعلام هذه القوى من محاولات لمسخ ذكرة هذا الشعب وتغير موازين القوى فيه وتغير طبيعة نظرته للأحداث وعكس اتجاهها بما يتناسب مع مصالح هذه القوى .
اضافة الى فراغ الساحة العراقية من شخصيات قياده حقيقية تمثل نبض وفكر الشارع العراقي وتحمل همومه واحلامه تجعل الفرد البسيط يؤمن بها ويناقد لها ويعطيها ولائه المطلق .
ما يعيشه العراق اليوم ليس فقدان للذاكرة الوطنية او ما يحاول البعض اطلاقه من تسمية الذاكرة المثقوبة , ما يعيشه العراق اليوم ليست حاله ضياع فكري او ضياع بوصلة كما يحب اخرون وصف الشعب العراقي بها .
ما يعيشه العراق اليوم ليس حاله انكار للتاريخ المشرق الذي بناه هذا المجتمع العظيم ,
ما يعيشه العراق اليوم هو فقدان القيادة الحقيقية , تلك القيادة النابعة من صلب احلام وافكار وتطلعات ابناء هذا المجتمع , القيادة التي تمثل كل ارث هذا المجتمع دون نسيان جهة او مجموعه عرقية او طائفة , قيادة مطلعه على كل جزئيات تاريخ هذا الشعب . عاشت محنته وتشعر بألمه ., قياده عراقية حقيقية ترفع الحيف عن ابناءها , وتجمعهم تحت جناح الوطن وتكون الامتداد الحقيقي لعمق هذا المجتمع